حَربَ “غزّة” اِستنزاف إلى حين الانتخَابات الأَمريكية
بقلم: زينب عدنان زراقط
انخفضت آمال التّعويلِ على إبرام “هُدنة إطلاق النّار”، بالشروط التّعجيزية التي فرضتها “إسرائيل” على “حماس”، كونها تؤدي إلى القضاء على المقاومةِ والتّخلي عن القضيّة والأرض، وفي التّحصيل الحاصل هي مُتطلّباتٌ مرفوضةٌ كلياً، فرضها “نتنياهو” خوفاً مِنهُ على مُستقبله السّياسي وكي لا تسقُط حكومته مع رفض أعضاء حِزبه من “اليمين” – المُتطرف – إنهاء الحرب.
حرب غزّة التي أعجزت التّحليلات، فإحداثيات اليوم التالي لحرب غزّة تأتي في كلّ مرةٍ مُغايرة لكُلّ التصورات والتوقعات، كُلّما مالت المعطيات إلى توقّع إبرام تسويةٍ وانتهاءٍ للحرب، عادَ الأخذ والرّد بين الجبهتين لأن يحتدم، وفي آخر التّكهُنات التي كان في تصوّراتها إبرامُ “هُدنةٍ” ما قبل حلول شهر “رمضان” المُباركِ – ولأن هِممَ المُسلمين فيه تُشحذ ويُهيّئ لاسترجاع المُقدّسات في آخر جُمُعةٍ منه، في يوم “القُدس -، نظرَ الإسرائيلي إلى أنّ بقاء الحرب يصبُّ في المُحافظة على أمن إسرائيل السياسي – والذي يتماشى مع مُبتغى الأمريكي أيضاً في ظلّ استحقاقاته الرئاسية التي بدأت مُجرياتُها – فانتقل العدو من مرحلة القتل والتذبيح إلى الضغط بمذلّة التجويع مُستخدمين أسلوب “رماية الطعام”، في حربٍ نفسيةٍ مُضافةٍ، للضغط على “حماس” وحَشرِها ما بين نارين، إمّا التّنازل عن بعض شروطها والموافقة على مُتطلبات الإسرائيلي، أو التّخلّي عن الغزاويين الذين تبقّوا وسُكان رفح لأن يُهجّروا إلى صحراء سِيناء وخليج العقبة!.
على مدى أشهر طويلة أعطى بايدن لإسرائيل ظهراً سياسياً وعسكرياً لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات بين الدولتين، ولولا أنّ المُخطّط أمريكي والأوامر للجيش الإسرائيلي تأتي بشكلٍ إلزامي ومُباشر من البيت الأبيض للمُضيّ بحرب الإبادة في غزّة حتى مسح المنطقة بالكامل وإخلائها من السُكان، أيّ أن سياسة التعنّت التي يتبعها العدو وعدم اكتراثه لا لرهائنه ولا لقرارات مُجتمع دولي بإدانتهم للإبادة الجماعية ولا بمحاكم حقوقية تُدين قتل الأطفال والنساء العُزّل ولا لتصويت مجلس أمنٍ بوقفِ إطلاق النّار، ما دامت سيّدَتُها أمريكا سلطتها وأوامرُها تعلو فوق البقية، فإسرائيل لا تُبالي بشيء وتهجم “كالثور الهائج” دون توخّي عواقب فعلتها.
عليه، وبما أنّ الحرب باقية على نار هادئة واستنزاف على جبهات، هُنا يتساءلُ البعضُ عمّا إذا كان هُنالك خطرٌ من توسّع الحرب ومتى من الممكن أن تشُبّ هذه النّار الهادئة ليحترق كُلّ شيء؟!…
“بايدن” مُموّل حرب غزّة
حقيقةً، لولا هذا التأييد الأمريكي لكانت إسرائيل منذ زمن بعيد توقفت عن القتال في غزة بسبب النقص في السلاح. وبحسب تقرير واشنطن بوست، – الإعلام العبري – أفاد أنه منذ بداية الحرب، قامت الولايات المتحدة “سِراً” بنقل أكثر من 100 صفقة أسلحة إلى كيان العدو، والتي لم يتم تقديمها لموافقة الكونغرس لأنها كانت أقل من الحدّ الأدنى من القيمة النقدية التي تتطلب تحديثاً رسمياً. تم تقديم صفقتين فقط من الأسلحة إلى الكونجرس – ذخيرة دبابات بقيمة 106 ملايين دولار ومكونات قذائف مدفعية عيار 155 ملم بقيمة 147.5 مليون دولار – وأثارتا انتقادات. علاوة على ذلك، تمّت أكثر من 100 معاملة مختلفة دون إشراف المشرّعين، الأمر الذي قد يزيد الآن من الانتقادات الموجهة لإدارة بايدن. ومن بين الأسلحة المقدمة: أسلحة دقيقة وقنابل موجهة من SDB وقنابل مخترقة للتحصينات ووسائل فتاكة أخرى.
مقابل هذه المظلة الواسعة طالب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” في أن تزيد المساعدات الإنسانية لغزة، وليبحثوا معهم في اليوم التالي للحرب، في وقتٍ قد اقتربت فيه الاستحقاقات الرئاسية لأمريكا، ويأمل بايدن بأن يُجمّل صورته – غير التي وسمت عاراً على جبينه في حرب الإبادة التي منع إيقافها في مجلس الأمن لمرّاتٍ لا بل وكان راعيها وممولها والآمر الناهي فيها في عهد ولايته -!. هنا نتنياهو رفضَ، خوفاً على مستقبل الحكومة على ضوء الخوف من انسحاب المتطرفين من حزب اليمين منها. بايدن غضب وادعى بأنه بينما ينزف سياسياً في الولايات المتحدة من أجل إسرائيل نتنياهو يرفض أن ينزف سياسياً لأجل بلاده هو.
الانتخابات الأمريكية مُفترق طُرق
في وقتٍ بدأت فيه الانتخابات الأمريكية التحضيرية الثلاثاء الماضي في 5 آذار، سُمّيت بـ “الثلاثاء الكبير”، ليتبعها استحقاق آخر للجمهوريين في شهر تموز ومؤتمر وطني في شهر أب للديموقراطيين. حيثُ جاءت النتائج هذا الأسبوع دون مواجهة بايدن وترامب منافسة شديدة في الانتخابات التمهيدية هذه. فديمقراطياً، فاز الرئيس بايدن بجميع الولايات الخمسة عشر باستثناء إقليم ساموا الواقع في المحيط الهادي. بينما جمهورياً، فقد فاز ترامب بـ أربعة عشر ولاية باستثناء واحدة، هي “فيرمونت”. وبناءً عليه، يبقى الحزبان على موعد مُحتدم ما بين شهري تموز وآب في تنافسٍ انتخابي لتحديد الرئيس في الخامس من شهر نوفمبر.
بناءً على هذه المعطيات، الخامس من شهر تشرين الأول سيكون مفترق طرق في الواقع الديموغرافي والعسكري، في حين أن الإدارة الامريكية تريد تجنّب التّوسع في حرب إقليمية، لعلّ “غزة” و”الجنوب اللبناني” سوف يُتركان كجبهتين مفتوحتين للاستنزاف ولإبقائهما ينزفان للمساومة والتفاوض على طاولة الأمريكي ليُحّدد ما يريده من أسهم النفط والغاز التي عرقل استخراجها واستؤنفت أعمال الحفر فيها بسبب أوامره بفتح الجبهة مع لبنان جنوباً مع الحذر من عدم التّوسّع.
كما أن ّالإسرائيليين أنفسهم يعلمون بأن جيشهم أعجز من أن يوسع عملياته العسكرية في لبنان إلى داخله، لأنهم لا يستطيعون تحمّل تبعاته، فهم لم يستطيعوا تحقيق أي هدف في قطاع غزة المحاصر منذ 17 سنة، فكيف سيكون له القدرة على تحقيق الأهداف في جبهة عرضها أكثر من 120 كم وعمقها أكثر من عشرات الكيلومترات، والتي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين وربما مئات الآلاف، بالإضافة إلى القدرات التي لم يُستخدم منها شيء حتى الآن. وهذا ما تُعبّر عنه المقاومة بقولها إنها جاهزة لكل الاحتمالات وكُلّ الجبهات حاضرة… وبحسب تقدير حزب الله بالأيام الأولى للحرب، أن إسرائيل كانت ماضية في توسّع الحرب و”هذا ما أوضحته الصحافة الأجنبية وأظهرته التسريبات عن كيان العدوّ”، لكن قدرات المقاومة وسعي الإدارة الأمريكية – التي تخشى على إسرائيل وليس على لبنان – هي من الأسباب الرئيسية لعدم حصول ذلك.
طالما كانت إسرائيل تعمل يداً بيد مع الأمريكيين، فإنها ستكون آمنة بكل هذه الجبهات، وهي لا تستطيع مخالفة سيدتها وصانعتها، على كُلٍ، هذه المعطيات على ما يبدو تُرجّح الكفّة حول استمرار الاستنزاف في حربٍ تشغلُ المقاومة الفلسطينية والمحور ككُل في دعمه لها، والداخل اللبناني كذلك من جنوبه المقاوم، وتحجبه عن النهوض باستجرار النفط والغاز وكل ما عوّل عليه سابقاً كي يقوم البلد، إلى حين مفترق الطريق بانتخاب رئيس أمريكي جديد، إمّا يُدير كفّة الحرب إلى التّوسع وخوض حرب شاملة أو ينزل عند طاولة التسويات.