هامش ثقافي

الرغبة في زيادةِ الثقة.. أم الرغبة في الوصولِ للشهرة

بقلم: غسان عبد الله

وهنا سؤال يفرض نفسه: ماذا عن شخص يسعى لأن يشتهر عمله ليس حباً في الشهرةِ ولكن لهدفٍ آخر كنفعِ الناس، مثلاً شخصٌ آتاهُ الله علماً فيسعى للظهورِ على القنواتِ التلفزيونيةِ كي يشتهرَ علْمُهُ ويصلَ لأكبرِ قدرٍ من الناسِ فينتفعونَ به، فهل يصحُّ أن نسمّي سعيَهُ هذا سعياً للشهرةِ ليس حباً فيها؟.. أقول سواءٌ سمّينا سعيه بهذا الاسمِ أم لم نسمِّهِ فالمعنى واحد، ولكن يُفضَّلُ أن لا نسميه بهذا الاسم وأن لا نقولَ إن المرءَ يسعى للشهرةِ إلا إذا كان يسعى لها لذاتِها وحباً فيها.

ولكن لماذا تحبُّ النفسُ الشهرة؟ قد يقال إن ذلك غريزة والغرائزُ لا تعلّل. وهذا يقودنا إلى الاستطراد بسؤال آخر وهو: هل جميع الغرائز لا تُعلَّل؟ أم أن بعضَها يمكنُ تعليلُها؟ والذي قد يتراءى لنا هو أن بعضها يمكن تعليلها. ومن هذه غريزةُ حبِّ الشهرةِ فهي قد تُعلَّلُ بعدةِ أسباب، منها أنها تشبعُ غريزةَ حبِّ المديحِ والثناءِ، وغريزةَ حبِّ التميُّز فوق الآخرين.

وفي المقابل فإن هناك حالات كثيرة لا تكون فيها الرغبة للوصول للشهرة هي الدافع الوحيد لقيام المرء بعمل ما بل تكون مستترة ضمن دوافع أخرى قد تكون أشدَّ وضوحاً (لكن ليس بالضرورة أشد تأثيراً)، ولهذا قد لا ينتبه أن هذه الرغبة هي أحد دوافعه للقيام بذلك العمل. ولذلك يحسن التنبيه هنا على ضرورة تفكُّر المرءِ في أعمالهِ التي قد تجلب له الشهرة، لأن ذلك سيجعلُهُ يتبيّن إنْ كانت هذه الرغبةُ هي أحد دوافعِه للقيام بتلك الأعمال أم لا.

وهنا أقول إن الدليل الذي ينبغي أن يبحثَ عنه المرءُ خلالَ تفكُّرهِ في نفسِهِ كي يتبينَ أن الرغبةَ في الوصولِ للشهرةِ كانت أحدَ دوافعِهِ للقيامِ بعملٍ ما هو أن تكونَ هذه الرغبةُ قد أثّرتْ في قيامِهِ بذلك العمل. فهذا الدافعُ (شأنُهُ شأن أي دافعٍ آخر) لا يُعدُّ أحدَ دوافعِ المرءِ للقيامِ بعملٍ ما إلا إذا أثر في ذلك العمل، أما إذا كان هناك شخصٌ يحسُّ من نفسِهِ الرغبةَ في الوصولِ للشهرةِ ولكنه لم يجدْ أنّ ذلكَ قد أثّر (أو أنه لم يُسمَح لذلك أن يؤثر) في قيامِهِ بعملٍ ما فإن رغبته في الوصولِ للشهرة في هذه الحالةِ بالطبعِ لا تُعَدُّ أحدَ دوافعِه للقيامِ بذلك العمل. وصورُ تأثيرِ الرغبةِ في الوصولِ للشهرةِ على قيامِ المرءِ بعملٍ ما تتنوع، فقد يجدُ بعد التّفكُّر أن هذه الرغبةَ قد جعلتهُ يقدِّم ذلك العملَ على أعمالٍ أخرى، أو وجدَ أن هذه الرغبةَ جعلته يستعجلُ استعجالاً مخلاً في إتمام ذلك العمل وإنجازه، أو وجدَ أن هذه الرغبة جعلته يرتكبُ مخالفاتٍ أثناءَ قيامهِ بذلك العمل. فإذا وجد أن هذه الرغبةَ قد أدّت إلى مثلِ هذهِ الآثارِ في عملِهِ فإنه يكون بذلك قد وجدَ الدليلَ على أنها كانت فعلاً أحدَ دوافعه للقيام بذلك العمل.

وهناك دافعٌ نفسيٌّ لقيامِ المرءِ بعملٍ ما يحتاجُ المرءُ للتّفكُّر في نفسهِ للتمييزِ بينه وبين دافعِ الرغبةِ في الوصولِ للشهرةِ، وهو الدافع في أنه يريد أن يزداد ثقة في قدرته العلمية أو الفكرية أو الإبداعية (حسب مجال ذلك العمل). فمثلاً قد يؤلف وينشرُ مفكرٌ مبتدئٌ كتاباً فكرياً ويكون أحد دوافعه لذلك هو أنه يريدُ أن يزدادَ ثقةً في قدرتِهِ الفكريةِ عن طريقِ أن يَلقى هذا الكتاب قبولاً واسعاً عند الناس والمفكرين، وأن يكون رأيُهم في هذا الكتاب إيجابياً، أو مثلاً ينشر شاعر مبتدئ ديواناً ويكون أحد دوافعه لذلك هو أنه يريد أن يزداد ثقة في قدرته الشعرية عن طريق أن يلقى هذا الديوان قبولاً واسعاً عند الناس والشعراء وأن يكون رأيهم في هذا الديوان إيجابياً. وهذا الدافع هو برأيي دافع مبَرَّرٌ في الكثير من الحالات وهو منتشرٌ كثيراً في الناس خصوصاً المبتدئين في مجالهم. ولأن دافع الرغبة في الوصول للشهرة هو أيضاً منتشر كثيراً في الناس المبتدئين في مجالهم، وأيضاً لأن دافع الرغبة في زيادة الثقة لا تتم تلبيته إلا عن طريق أن يلقى العمل قبولاً واسعاً عند الناس (أي عن طريق مجيء الشهرة لذلك العمل)، وأيضاً لأن كلا الدافِعَيْن كثيراً ما تكون تأثيراتهما على قيامِ المرءِ بعمل ما متشابهة، فإن هذين الدافعَيْن قد يختلطان على المرء. فقد يقوم بعملٍ ما ويكون أثرُ ما وجَدَهُ في ذلك العملِ ناتجاً عن دافعِ الرغبةِ في زيادةِ الثقة وليس ناتجاً عن دافع الرغبةِ في الوصولِ للشهرة، ولكنه بسبب صعوبةِ التمييزِ بين الدافِعَيْن فإنه قد يظنُ أن ذلك الأثرَ ناتجٌ عن الرغبةِ في الوصولِ للشهرة وأنها كانت أحدَ دوافعِهِ للقيامِ بذلك العملِ فيلومُ نفسَهُ على ذلك، ولذا فإنه من الضروري أن يتفكّر المرءُ في نفسهِ ليتبيّنَ إن كان الأثرُ ناتجاً عن هذا الدّافع فقط (الرغبة في زيادة الثقة) أم أنه ناتجٌ عن الدافِعَيْن، هذا الدافع ودافع الرغبة في الوصول للشهرة.