إقليميات

أَهمّية الضّربة الإيرانية وإنهاء حَرب “غزّة”

بقلم: زينب عدنان زراقط

ثم جاءت ساعة الرد بمباركة السيد القائد، وضرب الإيراني ضربته، في هجوم شُبّهت خسائرُهُ بضربةِ “عين الأسد”، شُلّ بعدها كيان العدو وخضعَ للتهديد الإيراني وحُلفائه، لتنكسر معها قواعد الاشتباك القديمة ويُعلن معها انقضاء سياسة الصبر على العدو. وفي حِنكةِ المقاومة الإسلامية التي حسبت أن الغدر الإسرائيلي الذي يريد ردّ اعتباره يمكن أن يتحامق ويضرب هدفاً “لحزب الله” باعتباره – من أذرع إيران – فكان كمين “عرب العرامشة” الذي أردى بحوالي عشرين إصابة ما بين قتيلٍ وجريحٍ بحال الخطر. يتضح أن الخطر الإيراني الذي لوى يد الإسرائيلي عندما لعبت بالنار، أمسى قيمةً مضافة على محور المقاومة الذي أنهك الجيش الإسرائيلي إن كان من الداخل المُحتلّ أو من الشمال، وممّا لا شكّ فيه أنّنا متجهون نحو إنهاء الحرب على غزة ويجري الحديث عن تداعيات قانونية للقضايا التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بمحاكمة مسؤولي الحرب في إسرائيل ومن ضمنهم نتنياهو، فهل تُسلّم أمريكا بأن القاعدة الإسرائيلية ليس باستطاعتها تغيير معادلات الحرب، وتنصرف لاستغلال موارد غزة من نفط وغاز بتسويةٍ دبلوماسية؟!  وما هي أهمية الضربة الإيرانية على إسرائيل وحجمها وحساسية هدفها لتقلب موازين مجريات الأحداث هكذا برمتها؟.

حيثيات المواجهة اختلفت!

تتّجه التحليلات السياسية إلى اعتبار “الرّد الإيراني” مفترق طرق في مجريات الحرب الإقليمية القائمة في “غزّة”، في وقتٍ قد سارع فيه نتنياهو إلى توقيف العملية العسكرية في رفح، فيما أشارت وكالة بلومبرغ عن المدير السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين بأن “الهجوم الإيراني الليلة الماضية قد يؤدي إلى تغيير استراتيجي في الحرب في غزة وحتى إلى نهايتها”، ولمسنا التحركات الدبلوماسية وزيارة الوسيط العراقي – رئيس الوزراء “محمد شياع السوداني” للرئيس الأمريكي بايدن الذي استقبله بالحديث مباشرةً عن الضربة الإيرانية على إسرائيل في وقتٍ كانت فيه مواقف السوداني وحكومته معروفة ومفروغاً منها أنها ضد إسرائيل وسياساتها وحربها في غزة، في صورةٍ تعكس المُبتغى الأمريكي الذي يرمي للتوصّل إلى تسوية وتوقيف التصعيد وتهدئة الغضب الإيراني.

إنّه حدث غير عادي في منطقة الشرق الأوسط، قامت فيه إيران بكسر قواعد الاشتباك التقليدية بينها وبين “إسرائيل” وقامت بنفسها بتسديد الضربة الصاروخية، مُعلنةً انتهاء زمن الصبر الاستراتيجي على حماقة العدو، وبَدْءِ عصر كبح جنونه وتلقينه القصاص، ماسحةً الخطوط الحمراء في تعاملها مع إسرائيل وأصبح قرار قصف “إسرائيل” متوفراً وقابلاً للتنفيذ، على الرغم من الدعم الأمريكي لإسرائيل مع تواجد قواتها العسكرية الكبيرة في المنطقة، وإعلانها عن استعدادها لرد بقوة أكبر في حال قامت إسرائيل بالرّد والاعتداء على الأراضي الإيرانية.

وكشفت مصادر أنّ “إيران تلقت رسائل من وسطاء للسماح لإسرائيل بتوجيه ضربة رمزية لحفظ ماء الوجه وطلب من إيران عدم الانتقام. إلاَّ أن طهران “رفضت بشكل قاطع” الاقتراح الذي قدمته السفارة السويسرية في طهران، وكررت التحذيرات من أن أي هجوم إسرائيلي على الأراضي الإيرانية سيقابل برد حاسم وفوري.

أهمية الضربة الإيرانية

في وقتٍ جاءت فيه عملية الوعد الصادق الإيرانية، ردّاً على اغتيال اللواء محمد رضا زاهدي وفريقه القيادي، واستهداف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، حيثُ نفّذت القوة الجو/فضائية في حرس الثورة الإسلامية، عملية الوعد الصادق الهجومية والكبيرة والمعقدة، ضدّ عدّة أهداف إسرائيلية في فلسطين المحتلة، بالصواريخ (البالستية كخيبر شيكن والمجنّحة) وبالطائرات دون طيار (شاهد 136 وأبابيل)، بعدد بلغ مجموعة 350، بالتزامن مع قيام القوات المسلحة الإيرانية بالعديد من الإجراءات الفنية والعسكرية الضخمة، ما حقّق جميع الأهداف المقررة للعملية بإصابة 3 قواعد جوية رئيسية بأضرار بالغة وهي: رامون والنقب وأخطرها كانت قاعدة نيفاتيم. عِلماً أن قائد القوة الجو/فضائية بحرس الثورة الإسلامية يكشف أنّه لم يُستخدم صواريخ خورمشهر وسجّيل وحاج قاسم وخيبرشكان وفرط صوتي2، بل “واجهنا الصهاينة بأسلحة قديمة وبأقل قدر من القوة”!.

أمّا عن أهمية الهدف العسكري الذي دمّرته إيران وهي قاعدة نافاتيم التي تعتبر القاعدة الجوية الأكثر أماناً للكيان الصهيوني، وعلى بُعد 1100 كلم من إيران، منطقة آمنة جداً وسط صحراء النقب وتبعد 30 كلم عن محطة ديمونة للطاقة النووية. تُعتبر هذه القاعدة أهم قاعدة للكيان الصهيوني، وتُعدّ مكاناً مفصلياً لدى الكيان، حيثُ تحتفظ بجميع المعدات المهمّة تقريباً فيها، معدات مثل اف 35 والسرب 103 المعروف باسم سرب الأفيل وسرب التجسس 122 وسرب العمليات 116 وسرب التدريب 117 والطارئة الخاصة لرأس النظام. ومن ناحيةٍ أخرى نظراً للأمان الذي تتمتّع به، تُعدّ هذه القاعدة أيضاً للتدريب وإقامة كبار الجواسيس وركيزةً استخباراتيةً للنظام الصهيونيّ، كل هذا جعل من هذه القاعدة التي لا يمكن الوصول إليها مكاناً آمناً للكيان الصهيونيّ، كما تمّ الهجوم من هذه القاعدة على القنصلية الإيرانية في سوريا. فيما أشار عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، وقائد حرس الثورة محسن رضائي، – بعد العملية -، إلى أنّه الآن “انتهت مرحلة الصهاينة القائمة على الضرب والهروب والتنمر”، وأنّه “من حيث أطلق الصهاينة تلقوا صواريخنا.. وعلى أمريكا والدول الغربية التعقُّل وتقييد كلبهم في المنطقة”.

فعلى الرغم من الطبقات الأمنية العالية جداً والدفاع الأمريكي الإسرائيلي الأكثر تقدّماً – التي شكّلت 7 طبقات وتكلفة فاقت 1.5 مليار دولار للدفاعات الجويّة – أصابت الصواريخ الإيرانية هذه القاعدة، واضطرّ الصهاينة الذين يفرضون رقابة شديدة على أخبار الحرب، إلى الاعتراف بسبب الأهمية الشديدة لهذه القضية وعلى الرغم من محاولة إعلام العدو تحجيم هذا الأمر وجعله يبدو صغيراً فهو لا يقلل من حجم القصة، بيد أنه بمجرد ما تمكنت إيران من تخطّي هذه الطبقات الدفاعية ومهاجمة القاعدة، هذا يعني أنه يمكنها المهاجمة بشكلٍ أكثر تدميراً. وفي الواقع أظهرت هذه الصواريخ التي أصابت قاعدة نافاتيم أن إيران قادرة على ضرب أيّ مكان تريده، لن تكون تل أبيب وحيفا آمنه كما لم تكن أكثر قاعدة أماناْ في مرمى صواريخ المقاومة.

الأرقام القياسية التي تم تسجيلها في الهجوم الإيراني ضد الكيان:

– أكبر هجوم بطائرة بدون طيار في العالم

– أكبر هجوم صاروخي إيراني

– الهجوم الأول على الكيان منذ عام 1967

– أطول مدى جغرافي للهجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة

– عدد المناطق التي تم استهدافها في الهجوم المتزامن

– استخدام رؤوس انشطارية لأول مرة

– أطول هجوم إيراني بالطائرات المسيّرة

ختاماً، ليلة واحدة لم يتحملها الكيان الإسرائيلي في هجومٍ لم يتعدَّ بضع ساعات، تدخلت فيها دول كبرى منها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى أضف إلى ذلك فرنسا وألمانيا وبعض المطبّعين من العرب أمثال حكومة الأردن والسعودية والإمارات… جميعها استنفرت جيوشها وقواتها بعديدها وعدتها ودفاعاتها الجوية وطائراتها، – فلم يُغنوا عنها شيئاً – جميعهم لمواجهة دولة واحدة هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذا وإيران تعتبر العملية مناورةً صغيرة تصفع وجه العدو ليدرك حجمه، فلا رد إسرائيلي بعدها.. ونبقى على ترقّبٍ من أحداث “غزة” وكيف سيرسم الأمريكي خلاصاً لهذه المعركة، وتبقى الحكومة الإسرائيلية رهينة المحاكمة الدولية!.