دوليات

رسائل قوية لتل أبيب وحلفائها.. الإعلام الغربي: الرد الإيراني كشف ضعف اسرائيل وحاجتها إلى من يحميها

بقلم: ابتسام الشامي

جاء ذلك بعدما أدركت تلك الدول قوة رد طهران الصاخب والمأزق الذي أوجدت فيه تل ابيب نفسها بين عدم قدرتها على الرد خوفا من تبعاته، وعدم قدرتها على ابتلاع ما جرى خوفا على هيبتها وردعها.

قبب سياسية وتكنولوجية غربية لحماية الكيان المؤقت

مع انطلاق عملية الوعد الصادق ليلة الرابع عشر من نيسان للرد على جريمة استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، سارعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، للتعامل “دفاعياً” مع المقذوفات الإيرانية من مسيرات وصواريخ بعيدة المدى. في تلك الليلة الصاخبة التي وصفت بأنها أصعب ما مرّ على الكيان المؤقت منذ تأسيسه، تعاملت تلك الدول مع الهجوم كما لو أنه يستهدف أراضيها، تصدت للمسيرات والصواريخ محاولة إسقاطها قبل أن تصل إلى أهدافها المحددة، وهي بذلك استكملت ما قامت به سياسياً للدفاع عن الكيان المتوحش، حين تصدت “دفاعاتها” في مجلس الأمن لمشروع قرار روسي يدين استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق وأسقطته بضربة “فيتو” قاضية، قبل أن تطلق في الأيام التالية حملة تهويل ضد إيران، استهدفت التأثير في قرار الرد على الاعتداء أملاً في منعه، عبر رفع مستوى التحذير من تداعياته وما يمكن أن يجر المنطقة إليه. على أنّ يأس الدول الغربية من التأثير في القرار الإيراني منذ اللحظات الأولى لإطلاق حملة الضغوط على الجمهورية الاسلامية، دفعها للانخراط في وضع خطة “دفاعية” لمساعدة الكيان المؤقت على صدّ الهجوم الإيراني المحتوم، وهو ما ترجم عملياً في فضاء الدول التي مرّت بها المقذوفات الإيرانية قبل وصولها إلى أهدافها في فلسطين المحتلة، في جهد عسكري تكنولوجي مشترك، استحق ليس ثناء تل أبيب فحسب، وإنما مسارعة بعض خبرائها وإعلامها للحديث عن تحالف دفاعي فعال “وفر” الهجوم الإيراني فرصة اختباره. وهو ما حاولت الدعاية الإسرائيلية، وكذلك الغربية، تسويقه على أنه إنجاز كبير يوازي في أهميته الهجوم الإيراني لكونه “نجح” في التعامل معه.

ولئن بدا واضحاً أن الأهداف السياسية للتسويق لهذه الفكرة تكمن في محاولة احتواء رد الفعل الاسرائيلي على الضربة غير المسبوقة التي تعرّض لها الكيان المؤقت، فإن الجهد الغربي انصبّ في مرحلة ما بعد الرد الإيراني على احتواء الموقف ومنع التصعيد، وهو ما ظهر جلياً في تصريحات عدد من القادة الغربيين لاسيما الأمريكيين منهم، وفي الأداء الإعلامي الذي توزع بين التسويق لنجاح التصدي للهجوم من جهة، والحديث عن تداعياته الاستراتيجية على تل أبيب، مع لغة تحذيرية مرتفعة صاحبت حملة من الضغوط الغربية على الأخيرة لضبط ردها على الرد.

في هذا السياق، رأى الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، إن الهجمات الصاروخية الإيرانية، كشفت ضعف “اسرائيل”، إلى الدرجة التي بدت فيها غير قادرة وحدها على الدفاع عن نفسها، مشيراً في مقال له في موقع ميدل إيست آي، أن من التداعيات المهمة لهذا الضعف، أن دولة الاحتلال لم تعد حرة في اختيار كيفية الرد على الهجمات في ظل ورطتها في غزة.

وكتب هيرست “عندما جاءت الضربة، تبين أنها صممت بعناية لتوجيه عدد من الرسائل للولايات المتحدة ولإسرائيل وللمنطقة العربية. أرادت طهران التأسيس لسابقة مفادها أن بإمكانها ضرب إسرائيل مباشرة بدون إشعال فتيل حرب شاملة. أرادت أن تخبر إسرائيل بأن بإمكانها أن تضربها، وأرادت أن تخبر الولايات المتحدة بأن إيران قوة في الخليج، وأنها موجودة لتبقى، وأنها هي من يتحكم بمضيق هرمز. وأرادت إخبار كل واحد من الأنظمة العربية التي تتزلف لإسرائيل بأن نفس الشيء يمكن أن يحصل لها”. وإذ غمز الكاتب من الدعاية الإسرائيلية بأن عدداً قليلاً من الصواريخ نجح في التملص من الدفاعات الجوية ووصل إلى مناطق مفتوحة، قال “حفنة فقط من الصواريخ وصلت إلى أهدافها، ولكن كل واحدة من الرسائل التي حملتها وصلت. وبذلك فقد كان الهجوم نجاحاً استراتيجياً وانتكاساً لسمعة إسرائيل بوصفها الولد المتنمر الرئيس داخل المجمع”. وفي إشارة إلى الاحتفاء الإسرائيلي بالتحالف “الدفاعي الجماعي” الذي ضمّ الأردن أيضاً، كتب أنه “قد تحتفل إسرائيل بحقيقة أن لها حلفاء حقيقيين، ولكنها بذلك تقوض بشكل قاتل شرعية أوليائها”، مضيفاً أن إيران “أثبتت ما كانت تريد، ونتيجة لذلك فقد غدت إسرائيل أضعف من أي وقت مضى”، مشيراً إلى أن “هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل لهجوم مباشر من قبل إيران…. كما أنها المرة الأولى التي ينهى فيها بايدن إسرائيل عن الرد”. ويخلص دايفيد هيرست في مقالته إلى الاستنتاج التالي: “تبدو الأمور بعد هذا الهجوم غاية في السوء: تحتاج إسرائيل إلى الآخرين ليدافعوا عنها، بينما لا تملك حرية اختيار كيفية الرد على من يهاجمها. كما ترك الهجوم حاميها، الولايات المتحدة، في حالة من الحيرة بحثاً عن خياراته. الأمر برمته، في هذه اللحظة، لا يبشر إسرائيل بخير”.

بدورها صحيفة “لوموند” الفرنسية توقفت عند تداعي الردع الاسرائيلي، وبحسب الصحيفة فإن “إسرائيل”، لا تزال لا تعرف كيف تستعيد قدرتها على الردع، بعد 6 أشهر من حربها الفوضوية في قطاع غزة، في وقت يريد فيه “بعض أعضاء حكومة نتنياهو الانتقام من طهران، بأي ثمن” على الرغم من التحذيرات الأمريكية، باندلاع حريق إقليمي. وأوضحت الصحيفة أن حلفاء “إسرائيل الغربيين أبدوا، هذه الملاحظة المثيرة للقلق بهدوء، حتى قبل أن تظهرها إيران، ليلة 14 نيسان بإطلاق أكثر من 300 طائرة من دون طيار وصاروخ باليستي باتجاهها”. وكتبت “لوموند” أن الرد الإيراني المباشر “يضع حكومة بنيامين نتنياهو في مأزق، إذ إنه لا يمكن لإسرائيل الرد على الأراضي الإيرانية من دون المخاطرة بالتصعيد، وهو ما ترفضه حليفتها الأمريكية بكل قوة، خوفاً من حرب إقليمية.. وإذا لم يستجب نتنياهو، فإنه يسمح لإيران بوضع قاعدة جديدة: فقد أصبح من الممكن الآن توجيه ضربات صاروخية باليستية مباشرة، ردًا على الهجمات الإسرائيلية ضد مصالحها”.

الإعلام الأمريكي: الهجوم الإيراني سابقة

وفي سياق متصل تناول الإعلام الأمريكي الرد الإيراني بوصفه كسر لقواعد اللعبة القائمة في المنطقة منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، التي تحولت معها إيران من دولة صديقة لإسرائيل زمن حكم الشاه، إلى دولة مهددة لوجودها بحسب التقديرات الاستراتيجية للكيان المؤقت، وإذ لم تفت وسائل الإعلام الأمريكية الإشارة إلى خطورة الرد الإيراني وتقويضه قوة الردع الإسرائيلية، فإنها عكست الرسائل الأمريكية الرسمية لتل أبيب بما حملته من تحذيرات من التسرع في الرد على إيران وجر المنطقة إلى تصعيد خطير. وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية ان “الهجوم الإيراني على إسرائيل يمثل سابقة، اذ إنها المرة الأولى التي توجه فيها طهران هجوماً عسكرياً مباشراً على إسرائيل، على الرغم من عقود العداء التي تعود إلى الثورة الإسلامية في إيران عام 1979”. من جانبها، قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها إيران إسرائيل مباشرة من أراضيها، وقد “مثلت الضربات بالصواريخ والمسيرات مواجهة عسكرية مباشرة بين الجانبين”. وإذ حذرت الصحيفة من أن الهجوم يمكن أن يؤدى إلى رد فعل إسرائيلي، يدفع الشرق الأوسط إلى حافة الحرب. ذكّرت بأن “ترسانة إيران من المسيرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية طالما أثارت قلق إسرائيل والغرب، حيث تمتلك طهران أكبر قدرة صواريخ باليستية في المنطقة، ويقدر المسئولون الأمريكيون أنها تمتلك أكثر من 3 آلاف صاروخ”، مشيرة إلى أن “الهجوم الأخير أظهر القدرات العسكرية لطهران”.

بدورها شبكة “سي إن إن” كشفت عن المحاولات الأمريكية لكف اليد الاسرائيلية عن الرد وإقناع تل أبيب بأن الهجوم الإيراني كان فاشلاً، وإظهار أن التصدي المشترك له، كان بمثابة انتصار كبير. ونقلت الشبكة عن مسؤول في الإدارة الأمريكية قوله إن “الرئيس الأمريكي جو بايدن أخبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتصالهما الهاتفي -في أعقاب الهجوم – أنه ينبغي أن تعتبر إسرائيل ما حدث ليلة السبت انتصاراً، لأن التقييم الأمريكي الحالي هو أن هجمات إيران كانت غير ناجحة إلى حد كبير وأظهرت تفوق قدرات إسرائيل العسكرية”. موضحاً أن “التقييم الأمريكي هو أن كل ضربات المسيرات والصواريخ تقريباً، بما في ذلك أكثر من 100 صاروخ باليستي أطلقتها إيران قد انفجرت في السماء، ولم يحدث أي من صواريخ كروز أي تأثير، وأن لا شيء ذا قيمة قد تعرّض للضرب”!!.

خاتمة

كذبة “الانتصار” التي أراد الأمريكيون ومعهم حلفاؤهم الغربيون “إقناع” الإسرائيليين بها، سرعان ما فضحها الإسرائيليون أنفسهم، حيث أجمعت وسائل اعلام العدو على وصف الرد الإيراني بالإهانة، في ما تولى كبار الخبراء شرح المعضلة التي أوجد الكيان المؤقت نفسه فيها فإن هو امتنع عن الرد على الإهانة، ففي ذلك تأكيد على المدى الذي تراجعت إليه قوة الردع الإسرائيلية، وإن بادر إلى رد فإنه سينتظر رداً إيرانياً محتوماً، مع ما يمكن أن يؤدي إليه من توسيع دائرة الحرب في المنطقة، ودون ذلك خط أحمر عريض تعرفه تل أبيب جيداً.