إقليميات

جُرأة مِحور المُقاومة في تَثبيت مُعادلة الرّدع

بقلم: زينب عدنان زراقط

انتهى دور “إسرائيل” الوظيفي في المنطقة، واضمحل وزنها الاستراتيجي، وظهرت نقاط الضعف البنيوية فيها، وأهمها أنها كيان بلا عمق، وبمساحة محدودة. وبما أن جهات الرّصد الجيوسياسي اعتبرت أن المقاومة قد انتقلت إلى أداءٍ أشدَّ دقة بأهدافها، فلننظر كيف تمكّن محور المقاومة من تحقيق استنزاف غير مباشر لعدوه من خلال تثبيته قواعد الاشتباك وتحقيقه مُعادلة محور الردع؟.   

كلمة الفصل هي للميدان

المقاومة باتت مُتيقنةً من وهن واضمحلال كينونة الجيش الإسرائيلي وتداول نقاشات حول استمرار قيام هذا الكيان ودعمه، بعد ما يُقارب السبعة أشهر من حرب الاستنزاف لقوى العدو وتِبياناً لفشله وتصديقاً بنصر المقاومة، تبرز جُرأة المقاومة ورباطة جأشها وثقتها بالهجوم والمواجهة، وفي رسالةٍ صوّرتها كانت كوقع الرصاص في وجه حكومة العدو، تجوّل القائد “يحيى السنوار” في أروقة “غزّة” ليتفَقّد المقاومين والاطلاع على أوضاع مناطق الاشتباكات وذلك من فوق الأرض وليس بداخل الأنفاق، والقول إن “السنوار” قابع معزول في الأنفاق، ما هو إلا زعم من جانب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي “نتنياهو” وأجهزته ليغطي على فشله في تحقيق الأهداف المعلنة أمام الشارع الإسرائيلي وأمام حلفائه. وهنا تبرز رسالة المقاومة الأكيدة – كما هي كلمة المحور كَكُلّ – “كلمة الفصل هي للميدان“.

أمّا عن ضرب الجغرافيا “الإسرائيلية” بصواريخ ومسيرات تنطلق من الأراضي الإيرانية بشكلٍ مباشر، هذا هو مفهوم “الصبر الاستراتيجي” في مشروع الثورة الإسلامية في إيران بعد 45 عاماً من العمل، الذي يسمح لك بأن تبدأ مشروعك الصاروخي بهندسة عكسية لبضعة صواريخ سكود، وأخرى من طراز “سكود ب” لتصل إلى تكنولوجيا الصواريخ الفرط صوتية. في لحظة دولية مواتية، تمكنت هذه الضربة الإيرانية من استكمال عملية تهشيم “لردع الإسرائيلي” التي بدأت في 7 أكتوبر، فيما ثبّتت إيران منظومة ردعها في الإقليم. كما أكّد خبراء صـهـاينة أن حرب غزة والرد الايراني أديا إلى انهيار الردع ويستتبعه الآن انهيار اقتصادي، فيما أدى تعثر إطلاق سراح الأسرى إلى انهيار منظومات الحصانة الفردية.

فإذا كان 7 أكتوبر قد أعاد خلط كل الأوراق في المنطقة، فإن ضربة 14 أبريل – الضربة الإيرانية – على إسرائيل، وضعت الولايات المتحدة أمام الحقيقة أن محور المقاومة لن يسمح بالانقلاب على نتائج 7 أكتوبر، وإعادة تركيب المنطقة وفق خرائط وأدوار تنفرد الولايات المتحدة بتوزيعها. هذا أمر يدركه الأمريكيون، ومن المرجح أن يسلموا به كي تضع الحرب أوزارها.

إلى جبهةِ المُمانعة في العراق، وفي ردٍّ مباشر دون تريث أو عدٍّ للعشرة، استهدف مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق هدفاً حيوياً في إيلات في فلسطين المحتلة، بواسطة طائرات دون طيّار، ردّاً على ما وصفته ببيانها بـ “انتهاك العدو الصهيوني للسيادة العراقية في استهدافه الغادر لمعسكرات الحشد الشعبي”، إثر عملية اعتداء جوي ضد العراق، استهدفت قاعدةً تستخدمها القوات المسلحة العراقية: الجيش والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية. وقد أدى الهجوم الجوي إلى وقوع انفجار ضخم في مركز قيادة بالقاعدة، ما أدى إلى ارتقاء شهيد من عناصر الحشد الشعبي فيما أصيب 8 آخرون.

الحوثيون والمقاومة الإسلامية في لبنان

وفيما أنّ الترجيحات كُلّها أشارت إلى أنَ إسرائيل هي الجهة الأكثر استفادةً من هذه العملية، كونها ستتيح لها بعض الشيء، محو آثار عمليتها الانتقامية الفاشلة في أصفهان. ولأنها القادرة على تنفيذ هكذا اعتداء دون أن يتم كشفها من قبل وحدات الدفاع الجوي العراقي، عبر استخدام طائرات أف 35 الشبحية أو ربما عبر طائرات دون طيّار، ضربت المقاومة العراقية القاعدة الجوية “عوفدا” التي تقع في إيلات، التي تبعد عن العراق أكثر من 476 كم، والتي يتمركز فيها السرب 115 في جيش الاحتلال الإسرائيلي والذي يتكون من طائرات مقاتلة أف 16 ومروحيات وأكّدت المقاومة العراقية في بيانها، على استمرارها في “دكّ معاقل الأعداء استكمالاً للمرحلة الثانية لعمليات مقاومة الاحتلال، ونصرة أهلنا في غزة”.

كما ويعترف الصهاينة بما ألحقت المقاومة بكيانهم من أذىً، ويُصرّح بتوقف نشاط ميناء “إيلات” بسبب إغلاقه من قبل “الحوثيين” حسب تسميتهم، بعد ستة أشهر، صنعاء تسيّر الأمور بحراً ومحيطاً وفق القواعد التي أرستها دعماً لغزة، في معادلة وقواعد ثابتة على الرغم من العدوان الأمريكي والبريطاني. لنخلُصَ إلى أن واشنطن بمبادرتها العسكرية ألحقت الضرر بنفسها، وبدلاً من ردع صنعاء، باتت تتلقى الضربات وتصمت، ليبقى الحل في نهاية المطاف، وقف العدوان على غزة ورفع الحصار.

هذا التّصدي المنيع الذي قام به اليمن وجّه ضربتين مدمرتين لـ “إسرائيل”: الأولى من خلال استهداف السفن “الإسرائيلية” أو سفن الدول الأخرى المتجهة إلى موانئها، نصرةً لأبناء غزة حتى إيقاف العدوان “الإسرائيلي” عليهم والسماح بدخول المساعدات الغذائية والإنسانية. والثانية والأهم، هي بتدمير الحلم الامريكي المُخطّط له على المدى الطويل، بتنفيذ مشروع “قناة بن غوريون”، وهي قناة بديلة لقناة السويس بتكلفة 55 مليار دولار فسحقها اليمن عبر قواته البحرية حيث تظهر أن القوة التي تسيطر على باب المندب هي من تتحكم وتؤثر على مصير مشروع “قناة بن غوريون”، ما أثار قلقاً في الولايات المتحدة و”إسرائيل” وكبح مخططهم الذي كانوا يرمون إليه من خلال احتلال شمال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين إلى جنوبه كجزءٍ من الأهداف الاستراتيجية لإنشاء القناة “الإسرائيلية” في شمال قطاع غزة إضافةً لإنشاء مدن صناعية وسكنية تابعة لمشروع القناة.

وصولاً إلى المقاومة الإسلامية في لبنان، التي أعدمت الحياة في شمال الكيان المُحتل، وفي تكتيكٍ نوعيّ وجُرأة أكبر في التعمّق بداخل الكيان ومستوطناته، تغيرت عمليات المقاومة في الأسابيع الأخيرة من حيث حساسية المناطق المُستهدفة وجُغرافية مداها ومنها استهداف قاعدة الفرقة 146 خلال وجود رئيس أركان الجيش الاسرائيلي وتكثيف للهجمات على المواقع العسكرية والمستوطنات، ومن أهم الهجمات، الهجوم المركّب بمسيرات إشغاليه وانقضاضيه على مقري قيادة لواء غولاني ووحدة إيغوز شمال عكا، والهجوم بالصواريخ والمسيرات على مقر قيادة  سرية الاستطلاع العسكري المستحدث في عرب العرامشة، والتي أدت وبحسب وسائل الإعلام الاسرائيلية إلى أكثر من 20 إصابة بينهم حالات خطرة مع التكتم عن الخسائر البشرية والمادية الحقيقية، بالإضافة إلى إسقاط طائرة من نوع هرمز 450. ما عكس قوة اقتدارها وتمكّنها من الجمع المعلوماتي والتحقّق الاستخباري بكامل تفاصيل العدو. هذه العمليات باتت تكلف الإسرائيلي عدداً كبيراً من الإصابات بالتكتيك المركب والنوعي وبالتوجيه الدقيق.

أخيراً، إن الكيان الإسرائيلي يعيش منذ 7 أكتوبر الماضي على الجسر الجوي الأمريكي والدعم الغربي اللامحدود والإعانة اللوجستية والعسكرية والأمنية من جيرانه العرب المنخرطين في استراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة. لنصل إلى حقيقة أن المشروع “الوطني الإسرائيلي” يلوح بانتهائه، “إسرائيل” لا تستطيع الاستمرار ساعة واحدة دون رعاية أمريكية كاملة. كذلك القصور “الإسرائيلي” الذي ظهر جعل الأمريكي يدير الدفة ويأخذ الأمور بصدره، وإن ما يجري تداوله حول واقعه الداخلي من تشتت سياسي واستقالات وتحديد ساعة حرق ورقة رئيس الوزراء “نتنياهو”، يظهر الضغط الخارجي إضافة للخطر الجسيم بالداخل، فكيف ستسقط إسرائيل يا تُرى؟ عسكرياً أم سياسياً؟.