إقليميات

مخاطر دخول “رفح” عسكرياً والموقف

بقلم: زينب عدنان زراقط

إلا أن الإسرائيلي على الرغم من المخاطر التي باتت تشكّل عائقاً أمام الانتخابات الرئاسية الأمريكية ما يزال مستمراً بالتسويف في استنزاف سلبي لقواته العسكرية وعلى أملٍ باطل باستنقاذه من انحلال حكومته ومعاقبته.

مخاطر دخول “رفح” عسكرياً والموقف الأمريكي من تطورات حرب “غزة”

بعد ما يقارب 7 أشهر على بدء هذه الحرب الهمجية، يدَّعي نتنياهو أن جيشه استطاع أن يقضي حتى الآن على نحو عشرين كتيبة من كتائب القسام، البالغ عددها بحسب تقديره 24 كتيبة. أما الكتائب الأربع المتبقية، فيدّعي نتنياهو أنها تتمركز في منطقة رفح، وبالتالي فإن الاجتياح البري لهذه المنطقة يضمن إعلان انتصاره النهائي والمطلق على حركة حماس وتحقيق جميع الأهداف المعلنة للحرب. وعلى الرغم من افتقار هذه الادعاءات إلى أي قدر من المصداقية، بدليل أن جميع فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة لا تزال قادرة على العمل من داخل المناطق التي يدّعي نتنياهو أن جيشه يسيطر عليها سيطرة تامة، والتي لا تزال قادرة على إطلاق الصواريخ على الأرض المحتلة عام 1948، فإن معظم القيادات السياسية والأمنية تتبنى وجهة النظر هذه نفسها، وبالتالي تضغط للقيام بعملية اجتياح بري لمنطقة رفح، من دون أن تبالي مطلقاً بما قد يسفر عن خطوة كهذه من خسائر هائلة في صفوف المدنيين الأبرياء.

الأخطر من ذلك أن نتنياهو يدَّعي أن اجتياح رفح يستدعي بالضرورة إعادة احتلال محور فيلادلفيا الذي يفصل بين القطاع والحدود المصرية، على الرغم مما تنطوي عليه خطوة كهذه من انتهاك سافر لمعاهدة السلام المبرمة مع مصر عام 1979 وللاتفاق الذي أبرم مع مصر حول معبر رفح عقب رحيل القوات الصهيونية عن القطاع عام 2005، ما يفسر اعتقاد البعض بأن نتنياهو ليس جاداً في تهديده باجتياح رفح، وأنه يستخدمه ذريعة للضغط على مصر لدفع حماس إلى تقديم تنازلات تساعد على إبرام هدنة مؤقتة تسمح بتبادل الأسرى المحتجزين لديها بالشروط الإسرائيلية، غير أن معظم المراقبين يرون أن الخناق بدأ يضيق حول نتنياهو الذي بات في موقف لا يحسد عليه، وخصوصاً أن لديه مصلحة شخصية في إطالة أمد الحرب، لأن توقّفها قد يؤدي إلى تفكك حكومته وانهيارها، فضلاً عن أن الجناح الأكثر تطرفاً في حكومته يرفض إبرام أي صفقة لتبادل الأسرى قد تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار قبل إعلان الانتصار النهائي والمطلق على حماس، وبالتالي يهدد بالانسحاب الفوري من الحكومة بمجرد إبرام صفقة من هذا النوع، وتلك كلها عوامل تدفع نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة.

على صعيد آخر، يلاحظ أن إدارة بايدن، وعلى الرغم من انحيازها المطلق إلى الكيان الصهيوني، تخشى احتمال إقدام نتنياهو على الاجتياح البري لمنطقة رفح، لخطر تحول المواجهة الراهنة إلى حرب إقليمية شاملة، ومن ضخامة المأساة الإنسانية التي ستترتب لاكتظاظ رفح بكم هائل من البشر، وبالتالي تلطّخ سمعة الولايات المتحدة، والتأثير السلبي على الرأي العام العالمي الذي يزداد اقتناعاً كل يوم بأن الحرب التي تشنها “إسرائيل” حالياً على قطاع غزة هي في حقيقة أمرها حرب إبادة جماعية للشعب الفلسطيني بإمرةٍ مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، ما يسكب المزيد من الزيت على نيران حركة الشباب العالمية المناهضة للحرب على غزة، التي انطلقت من داخل الجامعات الأمريكية نفسها، بكل ما ينطوي عليه ذلك من احتمال خسارة بايدن جولة الانتخابات الرئاسية القادمة، في وقت يحتاج الرئيس بايدن إلى تهدئة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط استعداداً لخوض انتخابات رئاسية بالغة الصعوبة والحساسية.

وتشير دلائل عديدة إلى أن إدارة بايدن تسعى حالياً لبلورة صفقة تؤدي إلى:

1- استعادة الأسرى المحتجزين لدى حماس عبر عملية تفاوضية،

2- مواصلة الضغط العسكري على حماس بأسلوب آخر غير الأسلوب المتبع حالياً،

3- فتح الأفق من جديد نحو حل الدولتين في مقابل تطبيع العلاقة مع السعودية، وتشكيل تحالف إقليمي في المنطقة لمواجهة إيران تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه إسرائيل.

وفي مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم 26 نيسان/أبريل الماضي تحت عنوان (Israel Has a Choice to Make: Rafah or Riyadh) “على إسرائيل أن تختار بين رفح والرياض”)، كشف توماس فريدمان – كاتب وصحفي أمريكي بارز – عن الخطوط العريضة لهذه الصفقة، قائلاً بالحرف الواحد: “تعتقد إدارة بايدن أن الغزو الإسرائيلي واسع النطاق لرفح سوف يقوض احتمالات تبادل جديد للرهائن.. ويدمر عدة مشاريع حيوية كانت تعمل عليها لتعزيز أمن إسرائيل على المدى الطويل”، ومن مُجمل هذه المشاريع، تتلخّص في إنشاء قوة حفظ سلام عربية قادرة على الحلول محل القوات الإسرائيلية في غزة، كي تتمكن إسرائيل من إيجاد مخرج يجنبها احتلال غزة والضفة الغربية إلى الأبد.

وتناقش عدة دول عربية إرسال قوات لحفظ السلام إلى غزة لتحل محل القوات الإسرائيلية التي سيتعين عليها المغادرة – بشرط أن يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار – وسيتم مباركة وجود هذه القوات رسمياً بقرار مشترك من منظمة التحرير الفلسطينية، وهي هيئة جامعة تضم معظم الفصائل والسلطة الفلسطينية. ومن المرجح أيضاً أن تصرّ الدول العربية على بعض المساعدة اللوجستية العسكرية الأمريكية. صحيح أنه لم يتم اتخاذ قرار بشأن أي شيء بعد، لكن الفكرة قيد الدراسة النشطة.

ختاماً، فرص الموافقة على مشروع حلّ الدولتين من جانب حكومة الكيان الحالية تبدو معدومة، نظراً إلى رفضها المطلق لأي أفكار جادة تتعلق بهذا الخصوص. لذا تبقى الأمور مُبهمة الأُفق، وِفقَ تقديرات وتحليلات مقترحة، والميدان هو الذي ستكون له كلمة القول الفصل، وأن المعركة لن يحسمها في نهاية المطاف إلا الصمود الشعبي للفلسطينيين والقوة العسكرية للمقاومة الفلسطينية وباقي جبهات المواجهة على طريق القدس. فهل ستجدي المفاوضات الراهنة لانهاء هذه الحرب، أم ستطول لحين موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الأمريكي؟.