دوليات

شي جنبينغ في أوروبا.. الصين تعزز حضورها الاقتصادي والسياسي

بقلم: ابتسام الشامي

خلفية سياسية

شهدت العلاقات الصينية الأوروبية الكثير من التجاذبات خلال الأعوام القليلة الماضية. ربط أوروبا قراراها السياسي بالولايات المتحدة الأمريكية، وضع بكين في دائرة الاستهداف في عواصم دول القارة، وبنفس المستوى الذي عملت فيه واشنطن على “تطويق” العلاقات الاقتصادية الروسية الأوروبية، كان العمل دؤوبا لاحتواء التمدد الصيني في الشرايين الأوروبية، وتعطيل مسارات مبادرة الحزام والطريق.

وعلى الرغم من وجود اختلافات في كلا المقاربتين الاوروبية والأمريكية للصين، إلا أن اقتراب الرؤية الأوروبية من تلك الأمريكية في النظرة إلى المنافسين الدوليين الجدد في عالم ينزاح إلى نظام جديد، ساهم في اتخاذ بعض الدول الأوروبية قرارات من شأنها التأثير في علاقاتها مع الصين. علماً أن هذه العلاقات لاسيما التجارية منها والاقتصادية كانت قد شهدت خلال العقد الثاني من الألفية الجديدة تنامياً لافتاً، عبرت عنه أرقام التبادل التجاري بين الجانبين، وإن كانت هذه الأرقام المختلة لمصلحة الصين، سبباً في “توتر” العلاقات لاحقاً وصولاً، إلى فرض عدد من الدول الأوروبية عقوبات على الصين، تزامناً مع تقاربها السياسي من روسيا، في ظلِّ حربها مع أوكرانيا. واذ تقدر التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنحو 2.3 مليار يورو يوميا، فإن الميزان التجاري يميل لمصلحة الصين في هذا الارقام. وتكفي الاشارة هنا لتوضيح المقصد، انه خلال عام 2022 شهد الميزان التجاري اختلالاً لمصلحة بيكين بحوالي 425 مليار دولار.

قضايا تحتاج إلى تنسيق وتفاهمات

جولة الرئيس الصيني في أوروبا المتزامنة مع ذكرى مرور 60 عاماً على العلاقات الصينية الفرنسية، جاءت مثقلة بتحديات اقتصادية وسياسية، ربطاً بقضيتي انتاج السيارات الكهربائية من جهة والقضية الأوكرانية.

بالنسبة للقضية الأولى قام الاتحاد الأوروبي العام الماضي بفتح تحقيق في الدعم الذي تقدمه الحكومة الصينية لشركات صينية متخصصة في صناعة السيارات الكهربائية. وفي حين تدرج بكين الإجراء في إطار “التدابير الحمائية الجلية”، يخشى الأوروبيون والأمريكيون من أن هذا الدعم الحكومي من شأنه تقويض المنافسة والإضرار بالاقتصاد العالمي. على أن المآخذ الأوروبية على الصين، ترد عليها الأخيرة بالمكيال ذاته. إذ تتهم بكين أوروبا باستخدام سلاح الحمائية ضدها. وقد بادرت إلى فتح تحقيقات بشأن الدعم الحكومي لبعض المنتجات الأوروبية، بما يؤثر سلباً في الاقتصاد الصيني.

ارتفاع منسوب الهواجس الاوروبية بشأن التبادل التجاري مع الصين، عبر عنه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة “لا تريبون” الفرنسية، مشيراً إلى “عدم وجود إجماع لدى الأوروبيين بشأن الإستراتيجية الواجب اتّباعها، لأن بعض الأطراف لا يزالون يرون الصين كسوق للبيع، في حين أنها تقوم بالتصدير بشكل هائل نحو أوروبا”. وحض الرئيس الفرنسي على “حماية أفضل لأمننا القومي، والتمتع بواقعية أكبر بكثير في دفاعنا عن مصالحنا، ونيل المعاملة بالمثل في التبادلات مع الصين”.

أما على المستوى السياسي، فتوجد رغبة أوروبية بتوظيف الصين علاقاتها مع روسيا للتأثير في مسار حرب أوكرانيا التي أثقلت كاهل الاقتصاد الأوروبي. وتتصدر فرنسا السعي لدى الصين لحثها على استخدام نفوذها لدى روسيا لإيجاد حل للحرب في أوكرانيا. وفي هذا السياق، نقل الإعلام الفرنسي عن مصدر في الحكومة الفرنسية قوله إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “سيشجع الصين على استخدام نفوذها وكافة أدواتها المتاحة لتغيير حسابات موسكو بما يفضي إلى المساهمة في حل الصراع  في أوكرانيا”، علماً أن إبداء بكين استعداداها سابقاً للمساهمة في إيجاد أرضية للحوار السياسي يفضي إلى وقف الحرب، سارعت الولايات المتحدة إلى إفشاله، لاسيما بعد زيارة الرئيس ماكرون إلى الصين، خشية من تكريس الأخيرة لاعباً في إدارة الأزمات الدولية، بما يتناقض مع الاستراتيجية الأمريكية لتقويض النفوذ الصيني في العالم.

نتائج الزيارة

في ظل هذه الأجواء جاءت جولة الرئيس الصيني شي جينبينغ، على كلٍّ من فرنسا وصربيا والمجر، لكن النتائج الأولية لهذه الجولة لم تكن على قدر التوقعات الأوروبية منها على ما يبدو. إذ أبقى الرئيس الصيني على تحفظاته، بشأن تقديم تنازلات كبيرة في مجال التجارة أو السياسة الخارجية، على الرغم من ضغوط نظيره الفرنسي، إذ اكتفى بالترحيب بإجراء مزيد من المحادثات رفيعة المستوى بشأن الخلافات التجارية. أما بالنسبة للنتائج السياسية فتكفي الإشارة هنا إلى ما نُقِل عن دبلوماسي أوروبي قوله، إن “شي جينبينغ هو الفائز في الزيارة لأنه “عزز صورته كحاكم للعالم يناشده الغربيون حل المشاكل الأوروبية في أوكرانيا”.

خاتمة

الرؤية المشار إليها آنفاً لموقع الصين السياسي، كانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد استبقت الزيارة بالإشارة إليه. الصحيفة الأمريكية كتبت “أن الدول الثلاث التي يزورها شي، تبدو جميعها، ولو بدرجة متفاوتة، مترددة إزاء الترتيب الذي فرضته واشنطن على العالم بعد انتهاء الحرب العالمية، وترى أن الصين تفرض ثقلاً موازناً ضرورياً في وجه الأولى، وتتوق إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الأخيرة”. مضيفة أن الانسجام الواضح بين الرئيسين الصيني والفرنسي، يعود، بشكل رئيسي، إلى تشاركهما “وجهة نظر مفادها أنه يجب إعادة هندسة النظام القديم بشكل يأخذ في الحسبان القوى الأخرى”.