استهدافات العدوان الصهيوني على رفح
بقلم: توفيق المديني
في ظل المأزق الاستراتيجي العام للكيان الصهيوني منذ بداية حرب الإبادة الشعبية على غزة المستمرة منذ سبعة أشهر، نفذ جيش الاحتلال الصهيوني عدوانه الذي كان متوقعاً على مدينة رفح وسيطر على معبر رفح الحدودي مع مصر عبر قواته الخاصة، وأمر السكان بإخلاء أجزاء من المدينة التي لجأ إليها أكثر من مليون فلسطيني نازح.
وجاءت هذه السيطرة على معبر رفح، بعد موافقة حركة حماس على بنود الصفقة التي اقترحتها مصر في مفاوضات القاهرة.
وقال رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو “ضبط معبر رفح اليوم هو خطوة مهمة جداً؛ خطوة مهمة على طريق تدمير ما تبقى من قدرات عسكرية لحماس،… وهي خطوة مهمة لتدمير القدرات الحكومية لحماس، لأننا حتى هذا الصباح منعنا حماس من المرور الذي كان ضروريا لترسيخ حكمها الإرهابي في القطاع”.
وأكد أنَّ “إسرائيل لن تسمح لحماس باستعادة الحكم في قطاع غزة (…) قواتنا رفعت الأعلام الإسرائيلية على معبر رفح وأنزلت أعلام حماس”. وعن الهدف من عملية رفح، قال نتنياهو إنَّ “دخول رفح يخدم هدفين رئيسيين من أهداف الحرب هما عودة مختطفينا والقضاء على حركة حماس”.
وأضاف “لقد سبق أن أثبتنا في الإفراج السابق عن المختطفين – أن الضغط العسكري على حماس شرط ضروري لعودة مختطفينا. لقد كان اقتراح حماس بالأمس يهدف إلى نسف دخول قواتنا إلى رفح. ذلك لم يحدث”.
تمثل سيطرة قوات الاحتلال الصهيوني على غزة بأنَّها كارثة إنسانية جديدة تضاف للجرائم التي يرتكبها الجيش الصهيوني في عدوانه الوحشي المتواصل على أبناء الشعب الفلسطيني، لا سيما أنَّ الهدف من ورائه احتلال قطاع غزة وإحكام قبضته عليه بالكامل. كما أنَّ سيطرة الاحتلال الصهيوني على بوابات العبور في رفح الفلسطينية تستهدف إنهاء الارتباط الوحيد بين فلسطين ومصر لتصبح هي المتحكمة في المعابر كافة. فالعدوان الصهيوني جاء مقدمة للسيطرة على ممر صلاح الدين ومحور فيلادلفيا الممتد من بوابات المعبر حتى ساحل البحر المتوسط بطول 14 كيلومتراً، لتتمكن من عزل غزة نهائياً عن مصر، ويصبح من المستحيل على الفلسطينيين الدخول والخروج من غزة من دون تحكم شامل وموافقة مسبقة من سلطة الاحتلال.
الموقف الأمريكي من احتلال رفح
من المعروف أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يتفقان استراتيجياً على تصفية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التي تشكل حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، عمودها الفقري، وإن كان الطرفان الأمريكي والصهيوني يختلفان تكتيكياً في أسلوب هذه التصفية، وطريقة السيطرة على كل قطاع غزة بعد الحرب.
فالاجتياح الصهيوني والسيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني ووصول آليات جيش الاحتلال الصهيوني محور فيلادلفيا وحتى البوابة المصرية لمعبر رفح، جاء بعد إخطار الجانب المصري به، وبتنسيق أمريكي كامل. فقد منحتْ إدارة الرئيس بايدن رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو ضوءاً أخضر لعملية محدودة قصيرة المدة، قد تستغرق أياماً عدة، لتحقيق صورة انتصار يمكن أن يسوّقه لدى الإئتلاف اليميني المتطرف الحاكم، قبل الموافقة على الرؤية الأمريكية المطروحة، التي أعلنت حماس الموافقة عليها مساء الاثنين 6مايو2024.
فقد أكَّد مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز، الذي رتّب مع رئيس الموساد ديفيد برنيع، العملية، وأجرى اتصال بينه وبين نتنياهو، خلاله محدودية العدوان على معبر رفح، مشدداً في الوقت ذاته على أنَّ “الإدارة الأمريكية ستتخذ قراراً بحظر نقل الذخائر والمعدات العسكرية المعلقة إلى إسرائيل، حال خالف نتنياهو الاتفاق بمحدودية العملية في رفح”. وأشار إلى أنه “جرى إقناع القاهرة بالخطوة المؤقتة، مع تأكيد شكليتها، لكون ذلك سيقود إلى أن تثمر الجهود الأخيرة التي رعتها مصر بالتوصل إلى اتفاق”.
أمَّا المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، فقال: “إنَّ الولايات المتحدة لم تؤيد الهجوم على رفح منذ البداية، وإنَّ موقفها لا يزال سارياً، بحسب ما نقلت وكالة الأناضول. وأضاف كيربي، في مؤتمر صحافي الثلاثاء7 مايو الجاري، أنَّ الولايات المتحدة على علم بالتقارير التي تفيد بأنَّ الكيان الصهيوني يستعد لتنفيذ الهجوم على رفح جنوبي غزة، بغض النظر عمّا إذا جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع حماس، لكنَّه لا يستطيع التحدث نيابة عن الجيش الصهيوني وأنَّ القرار يخص تل أبيب.
وأردف كيربي: “أوْضَح الرئيس الأمريكي جو بايدن في مباحثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أننا لا نؤيد الهجمات البرية على رفح، فهي من شأنها أن تعرض حياة المدنيين لخطر كبير”.
الموقف المصري بشأن السيطرة على معبر رفح و”محور فيلادلفيا”
تقف العلاقات المصرية الصهيونية اليوم أمام مفترق طرق يسود فيه التوتر بعد العدوان الصهيوني والسيطرة على معبر رفح، إِذْ تفرض معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيوني قيوداً عددية ونوعية على نشر القوات على جانبي الحدود، بما في ذلك الجانب المصري للمحور.
كان الكيان الصهيوني يسيطر على محور فيلادلفيا ضمن سيطرتها على المنطقة “د” التي ينتمي إليها، وفي سبتمبر 2005، تم توقيع “اتفاق فيلادلفيا” بين الكيان الصهيوني ومصر، وبموجبه انسحب الصهاينة من محور “فيلادلفيا” وسلموه مع معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية.. وفي العام عينه، وقع اتفاق جديد لتنظيم تواجد القوات في منطقة المحور، وسمح بتنسيق أمني مصري – صهيوني، تنشر مصر و”إسرائيل” عدداً محدوداً من القوات على جانبها من المحور، لمنع عمليات التسلل والتهريب.
ويمتد محور صلاح الدين المعروف باسم “محور فيلادلفيا” على شريط يمتد على الحدود بين مصر وقطاع غزة، من البحر المتوسط شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوباً بطول الحدود المصرية، التي تبلغ نحو 14 كيلومتراً، ويقع ضمن المنطقة “د” العازلة بموجب معاهدة السلام التي وقعتها مصر والكيان الصهيوني عام 1979.
وفي أول ردٍّ مصريٍّ على “الخرق” الصهيوني لاتفاقية كامب ديفيد، قالت وزارة الخارجية المصرية في بيانٍ: إنَّ مصر حذرت من أن العملية الصهيونية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة تهدِّدُ مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة داخل غزة. وأضاف البيان أنَّ مصر تعتبر هذا “التصعيد الخطير” يهدد حياة أكثر من مليون فلسطيني. وجاء البيان المصري بعد وقت قليل من سيطرة الجيش الصهيوني على معبر رفح الحدودي الحيوي بين القطاع الفلسطيني ومصر.
كما دعت مصر الكيان الصهيوني للالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين الطرفين بما يشمل محور فيلادلفيا ومعبر رفح، مشددة على أنَّها ستكون مضطرة للبحث عن بدائل لإدخال المساعدات لغزة بخلاف معبر رفح.
فاقتحام المعبر سيؤدي إلى إنهاء الوجود المصري في محور فيلادلفيا والذي توافقت عليه مصر مع الكيان الصهيوني منذ عام 2005، حيث حصل الصهاينة على شريط حدودي بعرض ثلاثة كيلومترات يمتد من طابا إلى جنوب رفح، لا يسمح بوضع الدبابات داخله، مع نشر أربعة آلاف جندي بأسلحة خفيفة شخصية أسوة بالمنطقة “ب” وسط سيناء، مقابل إدارة الجانب المصري شؤون معبر رفح ومحور فيلادلفيا مع السلطة الفلسطينية.
ماذا بعد موافقة حماس على الصفقة
أسهمتْ موافقة حركة حماس على الصفقة التي اقترحتها في وضع نتنياهو في مأزق كبير داخل الكيان الصهيوني، وعلى الصعيد الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة التي تضغط بصورة كبيرة من أجل إتمام الصفقة لأسباب انتخابية أمريكية. وكانت حركة حماس تعرضت لضغوطات كبيرة عربية من مصر، وخصوصاً قطر، حيث مارس رئيس جهاز المخابرات الأمريكية وليام بيرنز بدوره ضغوطاً على قطر لضمان الوصول إلى موافقة “حماس”.
الصفقة التي تقترحها مصر، والتي تم نشرها في وسائل الإعلام، تتخدث عن ثلاث مراحل يمتد كل منها لمدة 42 يوماً.
يشير مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حركة حماس وأعلنته منذ ثلاثة أيام، إلى أنه يُطلق سراح 33 محتجزاً صهيونياً، ما بين أحياء وجثامين، من فئة النساء (مدنيات ومجنّدات)، وأولاد (حتى سن الـ 19)، وكبار (فوق سن 50 عاماً) ومرضى ومصابين. وتوافق حماس على إطلاق سراح 18 محتجزاً في المرحلة الأولى، وفي حال وافق الكيان الصهيوني على وقف الحرب تُطلق سراح 15 آخرين.
في المقابل، يُطلق الكيان الصهيوني سراح 30 أسيراً فلسطينياً مقابل كل محتجز مدني، وفق الأقدمية. كما يُطلق سراح 50 أسيراً مقابل كل مجنّدة (30 من المحكومين بالمؤبّد و10 محكومين لعشر سنوات على الأكثر)، وفق قائمة تضعها حماس.
أما المقترح الذي صادق عليه الكيان الصهيوني، وفقاً لتقارير صهيونية، فينص على إطلاق حماس سراح جميع المحتجزين الصهاينة الموجودين على قيد الحياة، من فئة النساء المدنيات والأولاد تحت سن 19 عاماً، مقابل إطلاق إسرائيل سراح 20 أسيراً فلسطينياً قاصراً وأسيرات عن كل محتجز إسرائيلي، وفق قوائم أرسلتها حماس بحسب الأقدمية. يشير كلا المقترحين، إلى هدنة مؤقتة لمدة 40 يوماً، بدون عمليات عسكرية.
الجدول الزمني للتبادل بحسب المقترح الصهيوني:
انسحاب القوات الصهيونية شرقاً، والابتعاد عن المناطق المكتظة بالسكان، إلى منطقة قريبة من الحدود في كل أنحاء قطاع غزة (باستثناء وادي غزة). عودة النازحين إلى مناطق سكناهم.
في اليوم السابع (بعد إطلاق سراح جميع النساء)، تتراجع قوات الاحتلال الصهيوني من شارع الرشيد باتجاه الشرق بمحاذاة شارع صلاح الدين، بما يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية وبدء عودة المدنيين النازحين العزل إلى مناطق سكناهم.
تفرج حماس عن ثلاثة محتجزين صهاينة في اليوم الأول من الاتفاق، وبعد ذلك تفرج عن ثلاثة محتجزين إضافيين كل ثلاثة أيام، بدءاً من جميع النساء (مدنيات ومجنّدات) حتى اليوم الثالث والثلاثين. وفي المقابل، تطلق إسرائيل العدد المتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، بحسب القوائم التي سيتم الاتفاق عليها.
بحلول اليوم السابع (على الأكثر) تقدّم حماس قائمة بأسماء جميع المحتجزين المتبقين (بالإضافة إلى الـ 33 المذكورين) من الفئات المذكورة أعلاه، على أن يتم إطلاق سراحهم في اليوم الرابع والثلاثين. ويجري تمديد اتفاق وقف العمليات العسكرية بضعة أيام بحسب عدد المحتجزين المتبقين (يوم إضافي لكل محتجز)، ومقابل ذلك، يطلق الجانب الإسرائيلي العدد المتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بحسب القوائم التي يُتفق عليها.
الجدول الزمني للتبادل في المرحلة الأولى بحسب مقترح حماس:
في اليوم الثالث (بعد إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين الثلاثة)، تنسحب قوات الجيش الإسرائيلي بالكامل من شارع الرشيد شرقاً إلى شارع صلاح الدين، وتبدأ عودة النازحين، بما في ذلك حرية الحركة للسكان في جميع أنحاء قطاع غزة.
في اليوم الـ 22 (بعد إطلاق سراح نصف المحتجزين الأحياء)، تنسحب قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي من وسط قطاع غزة (بصفة رئيسية من ممر نيتساريم وميدان الكويت) شرقي صلاح الدين. طوال أيام الاتفاقية سيتم إدخال 600 شاحنة يومياً إلى غزة، منها 50 شاحنة وقود، تتوجه 300 منها إلى شمال قطاع غزة. في اليوم الـ 22، يتم إطلاق سراح جميع أسرى “صفقة شاليط” الذين أعيد اعتقالهم.
تمتنع إسرائيل عن اعتقال الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم بالتهم نفسها التي اعتقلوا بسببها سابقاً. وحتى اليوم الـ 16 من المرحلة الأولى، تبدأ مناقشات غير مباشرة بين الجانبين بشأن العودة إلى وقف إطلاق النار.
البدء بإعادة الإعمار الشاملة للمنازل والمرافق المدنية والبنى التحتية المدنية التي دُمّرت في الحرب وإدخال المعدات اللازمة للدفاع المدني ولإخلاء الأنقاض.
تسهيل إدخال الإمدادات والمعدّات اللازمة لإنشاء مخيمات لإيواء النازحين الذين فقدوا منازلهم خلال الحرب، ما لا يقل عن 60 ألف غرفة متنقلة (كرفان) و200 ألف خيمة.
إزالة الإجراءات والعقوبات المتخذة بحق الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وتحسين أوضاعهم.
اعتباراً من اليوم الأول لهذه المرحلة، سيُسمح لعناصر المقاومة الجرحى (ما لا يقل عن 50) بالخروج عبر معبر رفح لتلقي العلاج.
خاتمة
لم يكن الكيان الصهيوني يتوقع أن توافق حركة حماس على مقترح الصفقة المصرية بشأن وقف إطلاق النار في غزة، مساء الاثنين الماضي، ولم يمض وقت قصير حتى بدأ هجوماً مكثفاً على معبر رفح. وينقل موقع “والاه” الصهيوني أراء المسؤولين الصهاينة الذين تحدّثوا للموقع إلى شعور الكيان الصهيوني بأنّ الأمريكيين والمصريين والقطريين “خدعونا”، عندما صاغوا مسوّدة صفقة جديدة ولم يتصرفوا “بشفافية” مع المسؤولين الصهاينة، وفق ادعائهم.
يرى الخبراء أنَّ كفاءة أداء المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، وصمودها، والتفاف الحاضنة الشعبية حولها، سيمكنها من أن تفرض شروطها في النهاية من خلال صفقة تبادل واسعة، تتضمن انسحاباً صهيونياً كاملاً من القطاع، وفتح المعابر وعودة النازحين، وبدء الإعمار، مع عمل ترتيبات مناسبة ضمن توافق داخلي فلسطيني يحافظ على سلاح المقاومة، دون ضرورة أن يكون لها دور ظاهر مباشر في إدارة القطاع.
وتتمثل المهمة الأصعب على الصعيد الفلسطيني في إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني المقاوم المتوافق عليه بشأن مسألة “اليوم التالي” في حرب غزة، مع التركيز على مجالات الاتفاق المحتمل بين مختلف المكونات الفلسطينية، على قاعدة المحافظة على الثوابت، والمصالح العليا للشعب الفلسطيني.