التهديد اليمني وتأثيره على مجريات حرب غزة
بقلم: زينب عدنان زراقط
إن صدمة أمريكا من معركة “طوفان الأقصى” والتي شكلت هزيمة قاسية لكيان الاحتلال الصهيوني واضعةً إيّاه في مأزق وخطر وجودي، وأدخلت أمريكا مرحلة سقوط الهيبة والفقد التدريجي للقوة وقيادة العالم وانحسار النفوذ وازدياد المشاكل داخلياً وخارجياً، هو انجازٌ ما كان ليوصَلَ إليه لولا مساندة محور المقاومة كَكُلّ.
جُلُّ الحديث ها هُنا عن اليمن – سُلطان الملاحة – الذي فرض سيطرته في البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي واعتبره العدو قوة إقليمية قوية ومؤثرة في المنطقة لا يُستهان بها وعائقاً لا يمكن اجتيازه بتقييد كل شاردة وواردة تنطلق من وإلى الكيان المحتل وتحرك بحري تقوم عن الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي خضمّ المفاوضات المحتدمة والتهديدات الصهيونية باجتياح رفح، في هذا التوقيت الحسّاس جداً، وباعتبار آخر التقارير الأمريكية الجديدة أن القوات المسلحة اليمنية لديها القدرة على ممارسة عمليات عسكرية لها التأثير على قرارات “إسرائيل” في الحرب… وفِعلاً، لأجل ما تُقاسيه فلسطين ومُساندةً لأهل “غزة”؛ استطاعت اليمن بقواتها المسلحة، أن تمنح المقاومة الفلسطينية ورقة مهمّة، بإعلان السيد القائد عبد الملك الحوثي في خطابه الأسبوعي الأخير، عن بدء المرحلة الرابعة من التصعيد والتوسيع في عملياتها العسكرية ضد السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأبيض المتوسط، التي أشار فيها إلى أنها تأتي في إطار إسناد الشعب الفلسطيني. فما هي عناصر المرحلة الرابعة من التصعيد من النواحي الزمانية والمكانية وأيضاً الإجرائية، وانعكاسُها على الموقف الأمريكي الإسرائيلي في شأن مفاوضات وقف إطلاق النار في “غزة”؟.
عناصر التصعيد اليمني ضد العدو
تنفتح إسرائيل على العالم بنسبة 90% عبر هذا المسار البحري المتوسطي – من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر فالمتوسط -، كما يؤكد خبراء استراتيجيون أن الهيمنة الأمريكية على العالم هي عبر المتوسط وعبر البحر الأحمر والمحيط الهندي، حيث يتمركز الأسطول السادس!. وبهذا القرار الاستراتيجي يمكن القول إن القوات المسلحة اليمنية فرضت حصاراً اقتصاديا بحرياً كاملاً سيؤثر على مختلف النواحي الاقتصادية والجيوسياسية لدى الكيان الصهيوني بالذات ومسار تطورات المنطقة بشكل عام.
وبدايةً مع عنصر المكان من التصعيد اليمني، فقد أشار بيان قوات المسلحة اليمينية أنه سيتم استهداف السفن أينما طالت أيديهم، وسابقاً كان هناك إعلانه أن القدرات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية يمكن أن تصل إلى أي مكان في المياه اليمنية، أو في البحر الأحمر، وعمليّاً وصلت الضربات في مراحل التصعيد الثلاث السابقة إلى المحيط الهندي، وتشير الأرقام إلى أن المسافة إلى أبعد نقطة وصلت إليها القوات المسلحة تبعد 314 كم من جزيرة سقطرى، ونقلت فايننشال تايمز عن مجموعة الأمن البحري البريطانية أن الطائرات اليمنية يصل مداها إلى 2000 كم.
أما بالنسبة للزمان، فإن التصعيد الرابع قد دخل حيز التنفيذ مُذ أُعلِنَ عنه – الأسبوع الماضي -، حسب بيان القوات المسلحة، وهو بطبيعة الحال منقسم إلى جزئين، الأول المتعلّق باستهداف “كافة السفن المخترقة لقرار حظر الملاحة “الإسرائيلية” والمتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من البحر الأبيض المتوسط في أي منطقة تطالها أيدينا”. والجزء الثاني يبدأ في حال “اتجه العدوّ “الإسرائيلي” لشن عملية عسكرية عدوانية على رفح”، عندها يؤكد البيان أنه سيبدأ بفرض “عقوبات شاملة على جميع سفن الشركات التي لها علاقة بالإمداد والدخول للموانئ الفلسطينية المحتلة من أي جنسية كانت”.
ومن هنا فإن العنصر الثالث في المعادلة الجديدة، سيضيف إلى جانب السفن الأمريكية والبريطانية و”الإسرائيلية” أي سفينة من أي جنسية كانت، لها علاقة بإمداد الكيان، سواء كانت متجهة إلى أم الرشراش “إيلات”، أو إلى أي ميناء في فلسطين المحتلة على البحر المتوسط، وسيتم التعامل مع هذه السفن، في أي مكان تطاله القوات المسلحة اليمنية. البيان أشار أيضاً إلى عنصر التدرج في التصعيد، وهو عامل مهم، فالمرحلة الأولى بدأت مع إعلان المشاركة اليمنية بإسناد غزّة ومقاومتها، ثمّ انتقلت إلى مرحلة استهداف السفن الأمريكية والبريطانية، واعتبرت المرحلة الثالثة بالانتقال إلى المحيط الهندي، وضرب السفن “الإسرائيلية” المتجهة عبر الرجاء الصالح. وعلاوةً على ذلك فإن البيان يؤكد الاستعداد للتحضير لمراحل أخرى من التصعيد، بحسب المقتضيات الميدانية في غزّة.
انعكاس المعادلة اليمنية على مجريات الحرب
أما بالنسبة لما يُشكّله تهديد “أنصار الله” اليمنيين على الإسرائيلي الذي بدوره يُريد التمادي في توسيع رُقعة حربه في “غزة” ودخول “رفح” ولم يوافق حتى الساعة على قرار “وقف إطلاق النار”… ولكن زِمام الوضع الراهن ليست بورقةٍ عالقة عند رئيس الوزراء “نتنياهو” فقط كما يصوّر لها إعلامياً، فمصيره واستمراره السياسي كُلّه، إنما هو بإمرة “البيت الأبيض” وما يصدر عنه من قرار.
من جهته أشار رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب مايك روجرز إلى أن البحرية الأمريكية تقوم بتنفيذ العمليات بوتيرة أسرع بكثير من المخطط لها، حيث تستهلك الصواريخ بسرعة، وتحرق الوقود، وتمدد فترات الانتشار أثناء الدفاع في البحر الأحمر وحماية “إسرائيل”. فيما قال السيناتور أنجوس كينغ مخاطباً قائد البحرية الأمريكية: “نحن ننفق 4 ملايين دولار لإسقاط طائرة بدون طيار من الحوثيين قيمتها 20 ألف دولار.. ماذا بحق الجحيم تعتقدون يا رفاق؟” واعترف السيناتور دان سوليفيان أن حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس دوايت أيزنهاور والمدمرة يو إس إس غيرفلي غادرتا البحر الأحمر مطرودتين من قبل اليمن!. وكانت البحرية الأمريكية على موقعها الإلكتروني أعلنت، الجمعة قبل الماضية، أن حاملة الطائرات “أيزنهاور” والمدمرة “غيرفلي” عبرتا قناة السويس إلى شرق البحر الأبيض المتوسط بعد مغادرتهما البحر الأحمر.
وخلال جلسة مجلس الشيوخ الأمريكي، قلل السيناتور مايك والتز من قوة واشنطن في عهد الرئيس بايدن، قائلاً إن “أمريكا باتت أقل أماناً بعد ثلاثة أعوام من حكم بايدن”. وعرض والتز في مساءلته لوزير الدفاع أوستن قائمة فيها عدد من إخفاقات الولايات المتحدة من بينها الفشل في ردع الهجمات البحرية اليمنية، مشيراً إلى أن أعداء وخصوم الولايات المتحدة لم يعودوا يحترمونها وهذا يعد فشلاً ذريعاً لواشنطن وضربة موجعة توجهها صنعاء التي تساند الشعب الفلسطيني في غزة.
في الخلاصةِ، إن إعلان اليمن عن تأهّبه عسكرياً وجهوزية أساطيله البرّية وما أثبته بحراً باعتباره سيّد البحرين الأحمر والهادي، والمسؤول المباشر عن ملاحة كافة السفن التي تبغي العبور – حصراً بإذنه -، يعكس الجدية والإصرار عند اليمني في إسناد غزّة، وأن خيار اليمن بقيادته وشعبه وجيشه، هو قرار وليس مجرد شعار، لا سيما وهي تدخل شهرها السابع من العدوان والحصار والمجازر الوحشية، والتهديد أيضاً باجتياح رفح، وما يمكن أن يتسبب به من كارثة إنسانية مضاعفة، وبما أن الانتخابات الأمريكية اقترب أوانها وفي الشهر القادم تُعلن الحملات الانتخابية، فهل يتحمل “بايدن” خسارته الرئاسية مقابل استمراره بحرب “غزة” وما يتعرّض له من ضغط بالحِركات الطلابية الجامعية في أمريكا وأوروبا وتكبّده كل هذه الخسائر الاقتصادية جرّاء التهديد اليمني على بلاده…؟!.