تحالف دفاعي إقليمي ضد إيران بقيادة الولايات المتحدة – أضغاث أحلام
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
ترى الإدارة الأمريكية الحالي بالحرب في غزة فرصة لبناء حلف دفاعي إقليمي ضد إيران من أجل زيادة الاستقرار في الشرق الأوسط ومنع التصعيد لحرب إقليمية. وفي رأيها، بعد توقيع تحالف دفاعي مع الولايات المتحدة، ستعمل المملكة العربية السعودية على تطوير قدرة عسكرية للوقوف في وجه إيران والانضمام إلى اتفاقيات أبراهام.
وهذا سيعبد الطريق أمام دول إسلامية أخرى لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. هذه هي الحلوى بالنسبة للقدس التي سيتعين عليها أن تلتزم بمسار إقامة الدولة الفلسطينية، وسيتعين على الفلسطينيين إجراء اصلاحات كبيرة في نظامهم السياسي. وسيُطلب من إسرائيل أيضًا مساعدة إدارة بايدن على تمرير خطة التحالف الدفاعي، وخاصة المكون السعودي، في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون. وبحسب إدارة بايدن فإن هذا هو السبيل لمنع إيران من الاستمرار في السيطرة على الشرق الأوسط.
ولكن من المؤسف أن بعض الافتراضات التي تقوم عليها هذه الخطة الأمريكية خاطئة، ومعظم تصرفات واشنطن لا تخدم الغرض.
يعتمد كل تحالف دفاعي على قدرة الردع التي يتمتع بها قائد التحالف واستعداده لاستخدام القوة العسكرية. وكما رأينا خلال الحرب في غزة، لم تتمكن الولايات المتحدة، على الرغم من كل قوتها، من ردع إيران عن استخدام حلفائها ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا. كما بدأ حزب الله حرب استنزاف ضد حليف الولايات المتحدة، إسرائيل. وفتح الحوثيون النار على السفن في مضيق باب المندب، وهو طريق شحن دولي، ولم يتراجعوا حتى بعد الهجمات الأمريكية المحدودة. أكثر من ذلك، على الرغم من التحذيرات الرئاسية، هاجمت إيران مباشرة إسرائيل بالصواريخ والطائرات بدون طيار. من استعداد أمريكي للتصادم مع إيران، عملية ضرورية لإنشاء الردع، الحلف الدفاعي الذي يحاول بايدن إنشاؤه مبني على الاستسلام (الخوف). ويبدو أن الدول العربية غير مقتنعة بأن الولايات المتحدة سوف تهب للدفاع عنها في حالة وقوع عدوان إيراني، كما أشار قادة التحالف ضمناً.
وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن رأى في البداية أن الحرب ضد حماس هي صراع الثقافة الغربية ضد الشر، فإنه خلال الحرب غير رأيه. أدت الاعتبارات الانتخابية والدوافع الأيديولوجية للتقدميين في الحزب الديمقراطي إلى سياسة تهدف إلى تقييد خطوات إسرائيل ومنع هزيمة حماس، وهي منظمة إسلامية معادية للثقافة الغربية والولايات المتحدة. من المؤكد أن المحاولة الأمريكية لوقف الحرب لا تضيف إلى الثقة الهشة لدى الدول العربية المعتدلة، المهتمة بانتصار إسرائيلي، في الولايات المتحدة. وفي الثقافة السياسية في الشرق الأوسط، حيث يشكل استخدام القوة جزءاً من الأدوات التي تستخدمها أي دولة، فإن الخوف من التصعيد والحاجة المحتملة إلى مواجهة عسكرية مع إيران من شأنها أن تلحق الضرر بصورة الولايات المتحدة باعتبارها حليفاً مرغوباً فيه. علاوة على ذلك، تبدو الضغوط الأمريكية على إسرائيل أثناء الحرب محيرة، ولا توحي بالدعم المتين للحلفاء أثناء الحرب.
كما أن الهوس الأمريكي بمسألة الدولة الفلسطينية لا يخدم بناء التحالف، خاصة إذا بقيت حماس جزءاً من النظام السياسي الفلسطيني. إن حماس، حليفة إيران، لديها فرصة جيدة للسيطرة على الدولة التي يرغب الأمريكيون في تأسيسها كجزء من تحالف مناهض لإيران. هذه الدولة ستكون حصان طروادة. علاوة على ذلك، فإن فرصة حدوث تغيير جذري في السياسة الفلسطينية نحو إنشاء كيان سياسي يحتكر استخدام القوة وغياب الجماعات المسلحة، ضئيلة. فهل يمكن للدولة الفلسطينية أن تختلف كثيراً عن العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن، وكلها في حرب أهلية؟! هل يمكن للدولة الفلسطينية في جيلنا أن تتحرر من اتهامات الكراهية لليهود وإسرائيل؟! وفي هذا الأمر يخطئ الأمريكيون في أوهام خطيرة.
وتحتاج واشنطن إلى مباركة إسرائيل لتأمين الأغلبية في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون للتوصل إلى اتفاق يريده السعوديون في إطار التحالف الدفاعي. إن الافتراض بأن السعوديين، الذين اشتروا النفوذ حتى الآن بأموالهم الكبيرة، سوف يصبحون مقاتلين شرسين هو أمر مثير للإشكالية. علاوة على ذلك، يصر السعوديون على نقل تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم إلى أراضي المملكة، كما فعلت إيران. وإذا حدث ذلك فإن سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط سوف يتصاعد، وسوف تشارك فيه تركيا ومصر، وهذا بالطبع يتعارض مع المصلحة الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة في الحد من الانتشار النووي. ومن المؤكد أن إسرائيل ليست بحاجة إلى الاستجابة للطلب الأمريكي بإعطاء دعمها للخيار الذي يحول الشرق الاوسط إلى منظومة نووية متعدد الأقطاب، وهذا كابوس استراتيجي بالنسبة لها، حتى لو كانت المكافأة عبارة عن علم سعودي في تل أبيب. لأسفنا، فإننا نشهد سياسات خارجية مرتبكة ومتناقضة لزعيم العالم الحر.
معهد القدس للاستراتيجية والأمن – البروفيسور أفرايم عنبار (رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن)