أول الكلام

شهادة.. في يوم الولادة

بقلم غسان عبد الله

كان هناكِ موكبُ ملائكة تتهيأ لوفادةِ هذا الإمام العظيم.. وتُعدُّ أفراح الخلقِ.. وكان هناك جحفلٌ من القادةِ الذين غادروا ينتظرون رؤيتكَ وأنتَ تمسكُ بطرف القماش وتطويه بكل إجلال لتضع آخرَ تعطّر من أريجِ يديك.. كان.. وكان.. لكنكَ.. ولأن عشقكَ وهواكَ يأخذانكَ إلى حيثُ تهوى.. صعدتَ إلى عليائهم هناك.. واصطحبتَ معكَ وزيراً يعاينُ مراسم الاستقبال في حفلٍ مَهيبٍ يقيمُه الشهداءُ والصالحون.

الرياحُ الباردةُ تمزِّق صمتَ ليلِ أيار‏.. تؤنسُ الأشجارَ.. وتسامرُ الأحجارَ التي تسهرُ بانتظارِ أمنيةٍ عاشتْ بصدرٍ متلهِّفٍ للقيا..‏ والعصافيرُ التي أغفت ملتحفةً ببقايا الزقزقات.. بارَحتْ أعشاشها لتنامَ لُحيظةً في حناياكْ.. كنتُ أكسرُ وقتَها صمتَ المرايا‏ حين على ظلالها يرتسِمُ وجهي شاحباً‏ متعباً حتى الانحناء‏ أمام هيمنة الذكريات!‏.. أسألكُ عنكَ..‏ تسألُني عنا‏.. ومعاً نسألُ عنا المعابر والبيادر والأزقةَ والمدى‏.. وعن ظلالنا القديمة المتَّحدَةَ على مرايا القدسِ حتى رفيفِ الينابيع‏..

ارتديناكَ نوراً جميلاً نوزّعُ نصفَهُ على الحلفاء‏.. ترتدينا قميصاً من سوسنٍ جبليٍّ‏ تنشرُهُ أمام وجهٍ فريدٍ مضيءٍ‏ يلقيه قمرٌ عابرٌ روحَكَ على بيادرِنا الخضراء‏.. تحتفي به لفرحٍ واحدٍ..‏ ثم تغيبُ خلفَ ركبِ المهاجرينَ إلى الفردوسِ في قصيدةِ الرحيلِ الأخيرة‏.. وتعود إلينا مغسولاً بالكوثرِ‏.. تقرأ لنا دعاءاتِكَ ليلاً‏ ونحن كالأطفال نريدُ المزيدْ.. والله يفعلُ ما يريدْ.. تعودُ مرَّةً كلَّ ربيعٍ لتتحدث عن عينين متعبتين وإكليلِ وجدٍ غارَ في كبدِ الأرضِ عطشاً لغيث سوف يجيء.. تضع رأسَكَ على راحةِ ضريح الرضا إضمامةَ عطرٍ تنثُرُها ثم‏ تبكي رحيلكَ حين تأبى المكوثَ كي لا تفقدَ الحياةَ كونَكَ وحدَكَ القادرُ على إعطائها وهَجَ العطرِ.. وألقَ الحياةْ.

“سيد العزة”

كنا على شفا الاحتفال بيوم التحرير المبارك.. فأدْرَكَنا ماردُ القهرِ ليفجعنا بك.. كم تاقت لك السماء لترفعها فوقنا ظلالاً.. يا رجلَ الله في الميدان..

قادك العشق إلى عوالم لا يرتادها غيرك.. إلى برزخٍ أُعدَّ لوفادتك.. تستنزلُ الماءَ إلى أرضٍ لم تعرفِ الماءَ ولم تسقَ بقطرةٍ من حياة.. شغلتَ العالمَ بهذا الرحيل المفاجئ.. في يوم الولادةِ لسلطان طوس وأنيس النفوس كانت الشهادة لتأنس برفقته في عليائه كما كنت تأنسُ في قربِ ضريحه تحدِّثه عن أشجانك.. فتارةً يكون ترحالكَ غيثاً بُفتِّح أكمام الورد في حقول الحياة.. وأُخرى تكون الشهادةُ جدولَ نميرٍ يُشعلُ الحياةَ في التراب والشجر.. هكذا أنت تقتحم عتمةَ أيام المستضعفين.. لتنتزعَ حُزَم الضوء المأسورةِ خلف قضبان الظلام.. تخترعُ أبجدياتكَ الفريدةَ وفقَ توجيهات الإمام.. تعرفُ تماماً إلى أين تسير.. وعلى أنغام ترانيم الدعاءِ يتراقصُ سربُ الملائكةِ ليهديكَ أعطر التحيات.. ثم.. تتلقفكَ أيدي التبريك من جدك الرسول حين تكملُ سجدتكَ الأخيرةَ على ترابٍ سيعود إلى أهله.

يا سيد العزة..

يا سيد إبراهيم رئيسي ألف تحيةٍ وسلامٍ على روحك الطاهرة