دوليات

يو أس أس أيزنهاور في مرمى الصواريخ اليمنية .. صفعة قوية لهيبة القوة العسكرية الأمريكية

بقلم ابتسام الشامي

المسألة هنا لا ترتبط بما تمتلكه تلك القوات من قدرات عسكرية نوعية فحسب، وإنما في جرأتها على تفعيل تلك القدرات على الرغم مما يترتب عليه من مخاطر وتداعيات.

ما هي حاملة الطائرات أيزنهاور؟

مع إعلان القوات المسلحة اليمنية استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “يو اس اس دوايت أيزنهاور” تكون صنعاء قد ارتقت في مستوى مساندتها المقاومة الفلسطينية في غزة، بالاشتباك المباشر مع الطرف الأصيل في الحرب العدوانية على القطاع أي الولايات المتحدة الأمريكية. صحيح أن هذا الاشتباك فتح منذ أن قررت واشنطن بالقوة كسر الحظر اليمني على السفن المرتبطة بالكيان المؤقت وشكلت “حلفاً” عسكرياً تحت اسم حارس الازدهار نفّذ عدداً من الاعتداءات على اليمن، إلا أن استهداف حاملة الطائرات هذه يعد تطوراً لافتاً في سياق الردود اليمنية على العدوان الذي يتعرض له، وذلك بالنظر إلى أهمية هذه القطعة البحرية العملاقة، ومميزاتها العسكرية والحربية، فضلاً عن كونها رمزاً للقوة البحرية الأمريكية.

تحمل “يو إس إس أيزنهاور “USS Eisenhower” اسم الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية “دوايت أيزنهاور”، وهي حاملة طائرات مشغلة بالطاقة النووية. جرى تشغيلها للمرة الأول عام 1977، وهي واحدة من عشر حاملات تنتمي إلى فئة “Nimitz” الموجودة حالياً في الخدمة في القوة البحرية الأمريكية.

حاملة الطائرات يو إس إس أيزنهاور التي جرى بناؤها بتكلفة تقدر بحوالي 4.7 مليار دولار، تعتبر واحدة من السفن الحربية المتقدمة والقوية في البحرية الأمريكية، نظراً إلى عدد من المميزات المهمة التي تتمتع بها. ولعلّ أبرزها، حجمها الضخم، حيث يصل وزنها إلى 95 ألف طن. وسرعتها التي تصل إلى أكثر من 30 عقدة، أي ما يوازي 34.5 ميلاً في الساعة.

تضم السفينة طاقماً يتألف من حوالي 5000 فرد، بما في ذلك الطيارين والفنيين. أما حمولتها من الطائرات فتصل إلى 60 طائرة، بما في ذلك مقاتلات إف-18إي وإف سوبر هورنيت F/A-18E/F Super Hornet وطائرات الهجوم أيه -6 إي إنتربرايز. EA-   6 B Prowler. اضافة الطائرات الإلكترونية المناورة (Growlers)، والطائرات المراقبة (Hawkeyes) وطائرات النقل (Greyhounds) والمروحيات.

وإلى ما تقدم، تحمل السفينة مجموعة متنوعة من الأسلحة، من أهمها، الصواريخ المضادة للطائرات والمدافع بحرية وكذلك طوربيدات. وتتمتع بأنظمة دفاع جوي وأجهزة رادار متقدمة. وعلى متنها أيضاً نظام أسلحة قريبة ونظام صواريخ Sea Sparrow المشترك بين حلف شمال الأطلسي ووحدة مضادة للغواصات.

ولا تقتصر حمولة “يو إس إس أيزنهاور” المعروفة بقوتها ومرونتها في التنقل، على الطائرات فحسب، وإنما تشمل أنواعاً من السفن أيضاً. منها حاملة طائرات مشغلة بالطاقة النووية، وسفينة إعادة التزويد، وطراداً، ومدمرات، وغواصة.

الردع يتحطم

حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة هذه، بما تحتويه من قدرات عسكرية فائقة التطور، كانت قد تحركت مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، من قاعدة نورفولك البحرية في ولاية فرجينيا، إلى شرق البحر المتوسط، في إطار الدعم الأمريكي للكيان المؤقت في حربه العدوانية على غزة، وكان الهدف من وجودها إلى جانب حاملة الطائرات جيرالد فورد “Gerald Ford” التي سبقتها في التحرك نحو المنطقة، ردع أطراف محور المقاومة عن تفعيل انخراطهم في الدفاع عن غزة. بمعنى آخر، هدف البنتاغون من إرسالها، أَخْذُ أطراف محور المقاومة لاسيما إيران وحزب الله بالرعب بما يشغلهم، ويعطّل قدرتهم على فتح جبهات مساندة تضغط على العدو وترفع مستوى التحدي الأمني معه، بما يدفعه إلى وقف الحرب.

بعد ثمانية أشهر من الحرب المتواصلة، يو أس أس أيزنهاور لم تحقّق الهدف المرجو منها، وبدل أن تكون قوة ردع، يكاد اليمنيون يحولونها إلى قوة مردوعة، بعدما وصلتها صواريخهم وأصابتها إصابة محققة. صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية نفت أن تكون حاملة الطائرات قد تعرّضت للإصابة، إلا أن اضطرار قائد الحاملة إلى نشر فيديو حول “الوضع السليم” لها تبين أنه يعود إلى شهر آذار الماضي يؤكد إنها تعرضت إلى “مكروه” تريد واشنطن إخفاءه عمداً.

إهانة لأمريكا وقوتها العسكرية

وبمعزل عن اعتراف الولايات المتحدة من عدمه، يعدُّ أصل القرار اليمني في توجيه ضربة لحاملة الطائرات يو أس أس أيزنهاور تطوراً مهماً يعبر عما بلغته الجرأة اليمنية في استهداف أصل العدوان، والتعامل معه بما يتناسب وتظهير تراجع قدرته الردعية، ومحدودية خياراته في مواجهة قوى قررت مواجهته بعزم وتصميم. وهذا ما لفتت إليه بعض الكتابات في الإعلام الأمريكي.

في هذا السياق، رأت مجلة ذا كريدل الأمريكية، أن القوات المسلحة اليمنية أظهرت جرأة ملحوظة من خلال استهداف حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور في البحر الأحمر مرتين خلال 24 ساعة. وإذ لفتت المجلة إلى أن صنعاء دأبت طوال الفترة الماضية، على استهداف البوارج والمدمرات بالصواريخ والطائرات المسيرة، إلا أن الضربة التي تعرضت لها أيزنهاور تمثل نقلة نوعية في المواجهة، بغض النظر عما إذا كانت الولايات المتحدة تعترف بها أم لا.

وبحسب المجلة، فإن صنعاء بدأت تدريجياً في ضرب السفن الأمريكية والبريطانية في المنطقة، واستهدفت في النهاية البوارج والمدمرات وفقاً لقدراتها، مشيرة إلى أن الردود لم تكن فورية، وإنما جاءت على مراحل، وهذا يعني أن القوات المسلحة اليمنية كانت تعمل على تحسين استراتيجيتها بعناية. وفي ردّها الأخير، بعد فترة وجيزة من سلسلة من الغارات على مناطق مختلفة من اليمن وما تلاها من خسائر في الأرواح، ردّ اليمنيون على الفور بصواريخ مجنحة وباليستية استهدفت حاملة طائرات أيزنهاور. وتعتبر “ذا كريديل” أن هذا الرد كان كبيراً من ناحيتين، الأولى حجم الهدف، والثانية سرعة الرد وتكراره، ويشير هذا، بحسب تقديراتها إلى أن الاعتداءات المستقبلية قد تؤدي إلى ردود فعل انتقامية أكثر إثارة للدهشة، على غرار الإجراء السريع الذي اتخذ فجر يوم الجمعة في الثلاثين من أيار الماضي، تاريخ استهداف أيزنهاور.

الانكار الأمريكي للاستهداف من دون أن يكون مستنداً إلى أدلة دامغة، أكد حقيقة الاستهداف، وخطورة هذا الأمر الرسالة التي يقرأها الأعداء. في هذا السياق سخر الإعلام الصيني من تعرض حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة لاستهداف صاروخي من القوات العسكرية اليمنية، ورأى في ذلك إهانة كبيرة للولايات المتحدة وصفعة لقوتها العسكرية. وحول هذا الموضوع نشر موقع “غوانتشا” الصيني، تقريراً حول الموضوع، اعتبر فيه أن الهجوم تسبب في تراجع مكانة الولايات المتحدة على مستوى العالم. مضيفاً أنه حتى لو لم تغرق أو تفقد قدرتها القتالية فمجرّد استهدافها يعني تدمير صورة الهيمنة الأمريكية في العالم. وأوضح التقرير أن أي دولة أو كيان لم يجرؤ، منذ الحرب العالمية الثانية، على استهداف حاملة طائرات أمريكية بهجوم مفتوح. وما فعله الحوثيون بأيزنهاور، يعد إهانة كبيرة للولايات المتحدة، “فقد ثقب الحوثيون الطوطم الروحي للولايات المتحدة، تماماً كما يوخز البالون بإبرة”

خاتمة

لا تكمن أهمية الحدث في استهداف اليمن حاملة الطائرات الأمريكية يو اس اس أيزنهاور، على أهمية ما كشفه من قدرات عسكرية لدى اليمنيين، وإنما تنبع أهمية ما جرى من أصل اتخاذ القرار وجرأة التنفيذ ومن ثم إبداء الاستعداد لتحمّل التبعات. ضربة أيزنهاور دلالة جديدة على تراجع قوة الردع الأمريكي ومحدودية الخيارات الأمريكية في التعامل مع جبهة عريضة تبلورت لديها قناعة بقدرتها على تحجيم قوة الولايات المتحدة الأمريكية وكسر يد هيمنتها.