إقليميات

نتنياهو يَدُقُّ طُبُولَ الْحَرْبِ في لبنان

بقلم توفيق المديني

وعلى الرغم من أنَّ الرئيس بايدن عرض خطة للخروج التدريجي من الحرب في غزَّة يوم الجمعة الماضي، بعد أن باتت الولايات المتحدة و “إسرائيل” على قناعة بأن حرب الإبادة الجماعية التي يقودانها ضد الشعب الفلسطيني قد وصلت  إلى طريقٍ مسدودٍ، وبالتالي لا بدّ من مخرج لها، خصوصاً وأن الرئيس بايدن اعترف ولأول مرة بأنه قد “حان أوان نهايتها”، وهو الذي بقي لأشهر يرفض حتى فكرة الدعوة لوقف إطلاق النار ولو مؤقتاً، فإِنَّ رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو، بدأ يتنصل من هذه الخطة، مشيراً إلى سعيه لتجزئة الخطة وفك الربط بين مراحلها الثلاث في ما يتعلق بوقف النار، بحيث لا ينتهي إلى وقف دائم.

 تعزز هذا التفسير بعد أن قال مسؤول صهيوني، في وقت متأخر من يوم الاثنين 3 يونيو/حزيران 2024، إنَّ توصيف بايدن لما تعنيه “إسرائيل” بكلمة وقف النار التي وردت في الخطة “مغلوط “. أي أنَّها لم توافق على ترتيب لوقف دائم لإطلاق النار. وهو ما دفع إدارة بايدن إلى الردِّ على مغالطة الكيان الصهيوني لها في موضوع وقف النار، مؤكدة أنَّ حكومة نتنياهو وافقت مسبقاً على الصيغة وتفصيلاتها، وبالتالي عليها الوفاء بالتزاماتها.

أما بالنسبة للصفقة المتبلورة، فقد صرح مسؤول حماس أسامة حمدان يوم الثلاثاء 4 يونيو/حزيران 2024بأنَّ “الرد الإسرائيلي لا يستجيب لمسألة وقف النار الدائم والانسحاب الكامل من غزَّة. هذا لا ينسجم مع تصريحات الرئيس الأمريكي. “إسرائيل” تريد فقط مرحلة واحدة تحصل فيها على الأسرى وبعد ذلك تستأنف الحرب. لا نوافق على اتفاق لا يؤكد وقف النار الدائم والانسحاب من غزة. نحن نطلب من الوسطاء تحقيق ردٍّ إسرائيليٍّ واضحٍ يؤكد الموافقة على وقف نار دائم وانسحاب كامل من غزة”.

غير أنَّ رئيس الحكومة الصهيونية نتنياهو يواجه تحدِّياً جديداً من حزب القوة اليهودية بزعامة وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير، الذي أعلن أنه لن يصوّت إلى جانب الائتلاف الحاكم، حتى الكشف عن مسودة المقترح الصهيوني للصفقة مع حركة حماس، والذي تحدّث عنه الرئيس الأمريكي بايدن.

ويأتي هذا الموقف على خلفية تهديدات بن غفير بأنَّه لن يكون جزءاً من الحكومة، وسيعمل على حلّها، إذا اختارت المضيّ في صفقة توصف بأنَّها “سيئةٌ” من طرفه. وكرّر بن غفير تهديداته في الأيام الأخيرة، قائلاً: “أعود وأكرر وأقول لرئيس الحكومة: إذا وقّعت على صفقة سيئة تؤدي إلى إنهاء الحرب بدون القضاء على حماس، فإن عوتسما يهوديت ستحل الحكومة”. لكنَّ سياسة الهروب إلى الأمام، يترجمها نتنياهو بالإصرار على كسب الحرب، والقضاء على حماس، مفترضاً انَّ جيش الاحتلال الصهيوني أقوى من حماس فإنَّ النصر سيكون مضموناً.

أمام الفشل العسكري الذي يواجهه جيش الاحتلال الصهيوني في الجبهة الجنوبية للقضاء على المقاومة الفلسطينية، وإصرار نتنياهو على عدم قبول صفقة الأسرى، وبالتالي عدم قبوله إنهاء الحرب في غزَّة، لم يبق له سوى إمكانية واحدة ألا وهي توسيع رقعة الحرب الإقليمية، من خلال إعلان الحرب على أوسع نطاق في الجبهة الشمالية ضِدَّ حزب الله والدولة اللبنانية. فَإِنهاء الحرب في غزَّة، هو الذي يضمن وقف إطلاق النار في الشمال، على الرغم من أنَّ هذا وحده غير كافٍ، لأنَّ ازالة التهديد الذي يمثله حزب الله كقوة مقاومة للكيان الصهيوني، تقتضي تسوية سياسية مع الدولة اللبنانية، حسب وجهة النظر الأمريكية – الصهيونية.

هل يُكَرِّرُ نتنياهو حرب تموز 2006 في لبنان؟

تزداد حدَّة المواجهات العسكرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الصهيوني في الجبهة الشمالية، حيث أنَّ المستوطنين الصهاينة يتركون المنطقة بشكل دائم. في مساء يوم الثلاثاء 4 حزيران/يونيو 2024 بدأت تشتعل حرائق في الجليل نتيجة الهجوم الكثيف للصواريخ والمسيرات التي أطلقها حزب الله، أعضاء طواقم الطوارئ ورجال إطفاء وقوات الجيش الصهيوني ومتطوعون كافحوا بيأسٍ هذه النيران التي هدَّدتْ الصف الأول للبيوت في المستوطنات، من بينها كريات شمونة وكفار جلعادي.

في الحكومة وفي الجيش الصهيوني، قرَّرُوا إخلاء أكثر من 100 ألف مستوطن صهيوني من القطاع القريب من الحدود مع لبنان منذ اللحظة التي بدأ فيها حزب الله بمهاجمة الجليل في أعقاب هجوم حماس في الجنوب. منذ ذلك الحين و”إسرائيل” موجودة في شرك استراتيجي آخذ في التفاقم في الشمال. فهي لا تنجح في فرض وقف لإِطلاقِ النارِ على حزب الله طالما أنَّ القتالَ في غزة مستمرٌ. وقد نجح حزب الله في أن يفرضَ عليها نوعاً من الحزام الأمني الفارغ من المستوطنين الصهاينة داخل فلسطين المحتلة.

من يتجول في الوقت الحالي في كريات شمونة سيجد مدينة شبه فارغة، وفي حالة استعداد دائمة لتلقي الضربات. حزب الله يدير سياسة إطلاق نار قاتلة ودقيقة جدّاً، بالأَساسِ بواسطة المسيرات الهجومية.

خلال زيارته لمستوطنة كريات شمونة على الحدود مع لبنان، التي اندلعتْ فيها الحرائق بفعل قصف حزب الله المكثف على المستوطنة، قال رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء 5 حزيران/يونيو2024، إنَّ جيش الاحتلال الصهيوني جاهزٌ لشنّ عملية “مكثفة للغاية” في لبنان، مضيفاً أنًّ الحرائق التي اندلعت، أمس الثلاثاء، قابلتها حرائق أخرى اندلعت في مناطق بجنوب لبنان.

وفي خطاب له، أكد نتنياهو أنَّ حكومته كانت تقول “في بداية الحرب إنَّنا سنعيد الأمن إلى المنطقتين الجنوبية والشمالية على حدٍّ سواء، وهو ما سنفعله. اليوم أَحْضُرُ إلى الحدودِ الشماليةِ مع مقاتلينا وقادتنا، وأَحْضُرُ هنا أيضاً مع رجال الإطفاء. لقد احترقتْ الأرض هنا يوم الثلاثاء الماضي، ويسرني أنَّكم تمكنتم من إخمادها، لكنَّ الأرضَ احترقتْ في لبنان أيضاً”. وأضاف نتنياهو في تهديدٍ واضحٍ لحزب الله اللبناني، أنَّ “من يفكر في أنَّه سيعتدي علينا ونحن سنقف مكتوفي الأيدي فهو يرتكبُ خطأً كبيراً (…) نحن جاهزون لشنّ عملية مكثفة للغاية في الشمال. وبهذه الطريقة أو بأخرى سنعيد الأمن إلى المنطقة الشمالية”.

في سياق الاستعداد لخوض حربٍ كبيرةٍ ضِدَّ حزب الله في لبنان، قرَّر جيش الاحتلال الصهيوني مؤخراً استدعاء 50 ألف جندي احتياط، مشيراً إلى أنَّ 300 ألف جندي احتياط ينخرطون حالياً في عمليات عسكرية داخل قطاع غزة وعلى الحدود الشمالية، من منطلق أنَّ هذه الخطوة لا بُدَّ منها لمواجهة التحدِّياتِ على الجبهة الشمالية. وقال إيال بن رؤفين، القائد السابق للفيلق الشمالي في جيش الاحتلال، إنًّ دولة الاحتلال ليس بوسعها مواجهة التحدي الذي يمثله حزب الله في الشمال في الوقت الذي تواصل فيه الحرب على غزة. ودحض بن رؤفين، في مقابلة نشرها موقع “معاريف”، يوم الأربعاء5حزيران/يونيو2024، مزاعم رئيس الموساد السابق يوسي كوهين بأنَّ “إسرائيل” بإمكانها “حسم” المواجهة ضد حزب الله، مشدِّداً على أنَّ النجاح في تحقيق هذا الحسم يتطلب توجيه كل قوات الجيش إلى الجبهة الشمالية. وحذر من أنَّه بخلاف المواجهة ضد حماس في الجنوب، فإنَّ مواجهة مع حزب الله ستفضي منذ بدايتها إلى “ضرر هائل” في العمق الإسرائيلي، مشدداً على أن المواجهة مع حزب الله تتطلب تضافر جميع أذرع جيش الاحتلال الجوية والبحرية، وتحديداً البرية.

وحسب بن رؤفين، فإنَّ حملة عسكرية ضد حزب الله تتطلب شن عملية برية تشارك فيها كل القوات، محذراً من أن جيش الاحتلال ليس بوسعه تنفيذ هذه العملية، في الوقت الذي يواصل فيه العمليات العسكرية بغزة “وهذا ما يوجب وقف الحرب على غزة”، وضمان إطلاق سراح الأسرى الذين تحتجزهم حركة حماس، مشدداً على أن هذا يُعدُّ مطلباً أساسياً قبل التورط في مواجهة شاملة مع حزب الله.

موقف حزب الله من التهديد الصهيوني

نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، قال في مقابلة على “الجزيرة”: “قرَّرْنَا ألاَّ نُوَسِّعَ الحرب لكِنَّنا سنخوضها إذا فُرِضَتْ علينا”. وأضاف، بأنَّ حزب الله غير معنيٍّ بحربٍ شاملةٍ، ولكنَّه لا يخشى من الدخول إليها إِذَا تصرفتْ “إسرائيل” بهذا الشكل. إنَّ الحِزْبَ لا يسعى لتوسيع دائرة الصراع مع الاحتلال الصهيوني، لكنَّه مستعِدٌ لخوض أيِّ حربٍ تُفْرَضُ عليه، وذلك في وقتٍ تزيد فيه الأعمال القتالية عبر الحدود اللبنانية مع الاحتلال الصهيوني. ويرى الشيخ قاسم أنَّ الجبهة التي أقامتها المقاومة في جنوب لبنان تُحَقِّقٌ أهدافها بِالْكاملِ، حيث نصرتْ غزَّة، وعطلَّتْ أكثر من ثُلثِ الجيش الصهيوني عن توجيهِ عدْوانِهِ على القطاعِ، كما أجبرَتْ أكثر من 100 ألف مستوطنٍ على تركِ منازلهم شمالي فلسطين المحتلة.

الدكتور شمعون شبيرا، المختص في شؤون حزب الله قال للصحيفة الصهيونية: بأنَّه على الرغم من خسائره، فإِنَّ حزب الله لا يشعرُ بأنَّه هُزِمَ، بل هو حصل على التشجيع من خلال شكاوى رؤساء المجالس في المستوطنات عن تدهور الوضع الأمني. وحسب قوله فإِنَّ حزب الله يصدرُ اشاراتٍ بأنَّه مستعدٌ لزيادة النيران من أجل مساعدة حماس في ابتزاز تنازلات من اسرائيل في المفاوضات حول الصفقة في الجنوب.

خاتمة

وضع مقترح الرئيس الأمريكي بايدن، لوقف إطلاق النار في غزة، رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو على مفترق طرقٍ، قد يدفعه إلى استخدام الورقة الأخيرة لشنِّ الحرب ضد حزب الله. فالاقتراح الأمريكي يعرضُ إمكانية إنهاء العدوان على غزة، وإعادة عشرات الأسرى الصهاينة الذين تحتجزهم حركة حماس، وتهدئة الحدود الشمالية مع لبنان، وربما الدفع باتفاقية تاريخية لتطبيع العلاقات مع السعودية.

غير أنَّ خطة بايدن إذا ما كُتبَ لها النجاح، ستقود إلى تحطيم الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو الحاكم، ما قد يرسل هذا الأخير إلى المعارضة ويجعله أكثر عرضة للإدانة في محاكمة تتهمه بالفساد، وبالتالي فإنَّ مصيره هو السجن.

وعلى صعيد العدوان على غزة، يبقى وقف إطلاق النار “ضرورة أساسية”، وفق ذات التحليل، وذلك لمنع توسع رقعة الحرب في الشمال، تشمل حزب الله اللبناني. ويدرك نتنياهو جيداً أنَّ الجيش لا يملك أي حيلة لإخضاع حزب الله في لبنان، وأنَّ شنَّ حربٍ شاملةٍ ضدَّه من شأنه أن يجلب دماراً واسع النطاق على المراكز السكانية الصهيونية والبنية التحتية والاقتصاد.

هل سيخضع نتنياهو لخطة بايدن الذي يعرض عليه مخرجاً: “ادعاء النصر بالقول إنَّ حماس المنهكة لم تعد قادرةً على شنِّ هجومٍ على غرار هجوم 7 أكتوبر، وإعادة جميع الأسرى إلى الكيان الصهيوني، ثم العمل مع الولايات المتحدة والدول العربية لتسوية الصراع العربي – الصهيوني وفق حَلِّ الدولتين، وتسريع التطبيع بين الكيان الصهيوني والدول العربية، وعلى رأسها المملكة السعودية.

 الادارة الامريكية تُقَدِّرُ أنَّ التوقيعَ على صفقةِ التبادلِ ووقفِ اطلاقِ النارِ في الجنوب ستسمح بوقفٍ فوريٍّ لإطلاق النار في الشمال، الذي خلاله يتمُّ تحريك مفاوضاتٍ سريعةٍ حول اتفاق جديدٍ يشمل إِبْعَادِ قُوَّةِ “الرضوان”، وحدة الكوماندوس في حزب الله، عن منطقة الحدود.

في الجانب الصهيوني، انتقد الجنرال الصهيوني، اسحق باريك، عدم الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار، بين حكومة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، حتى هذه اللحظة، بالقول: “إذا واصلنا هذا الطريق، فلنْ يكون هناك طريقٌ للعودةِ، وسنسيرُ بأمانٍ في الظلامِ والكآبةِ”.

وأشار باريك، إلى أنَّ “المقاومة ستطلق يومياً ما يزيد عن 3000 صاروخ وطائرات بدون طيار على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، كما سيفعل كل ما في وسعه لتدمير البنية التحتية للمستوطنات، أي محطات المياه والكهرباء وخزانات الوقود والغاز والنقل، البنية التحتية والصناعات، بما في ذلك معسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي في البر والجو والبحر”.

قبل بضعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية في ‏الولايات المتحدة، يواصل نتنياهو جهوده لإفشال بايدن من أجل تمهيد الطريق أمام فوز خصمه دونالد ترامب ‏بالانتخابات في الخريف المقبل، على أملٍ أنْ يسمحَ له بمواصلةِ إدامةِ الْحَرْبِ، والحفاظ على كرسيه، بجانب الأثمان ‏الباهظة التي سيتعين على الصهاينة دفعها.

فنتنياهو والائتلاف الحكومي الذي يرأسه، يريدُ إغلاقَ البابِ أمام نهاية حرب ‏الإبادة الجماعية في غزة، وتركَ حربِ الاستنزافِ مع حزب الله في الشمال، ومَحْوَ فرصة إعادة الأسرى الصهاينة، وإقامةَ مراسمِ عزاءٍ للصفقة الإقليمية ‏بين أمريكا والسعودية، التي تتطلب مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني إقامة دولة فلسطينية، يرفضها نتنياهو وبإطلاقيةٍ.