إقليميات

مبادرة أمريكية زائفة لإنهاء حرب “غزة”

بقلم زينب عدنان زراقط

“إسرائيل” التي أسّستها الولايات المتحدة الأمريكية لحماية اليهود، ولتكون بؤرةً عسكرية تحت يديّ “أمريكا” لافتعال الحروب والأزمات واغتصاب الأرض في بلدان الشرق الأوسط، – سقطت – وأُعلِنَ فشلها الفادح عن أداء مهمّتها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بانهزامٍ مُخزي تحت يديّ مُجاهدي المقاومة الفلسطينية من خلف أعمدة وجدران المُخيّم الذي يُحاصرونه في “غزة”، محرومين من الماء والغذاء والدواء وفي حصارٍ كامل.. أعجزوا إسرائيل ومن خلفها أمريكا! فما هي تفاصيل المبادرة الأمريكية في شأن حرب “غزة” ومقدار فعاليتها؟ وماذا عن الواقع الإسرائيلي في اليوم التالي والموقف العالمي حيال إجرامها؟.

كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، إلى الكيان الإسرائيلي بمثابة رسالة إلى الحكومة، مفادها أنها تقترب من مفترق طرق استراتيجي، مع تضييق نافذة اتخاذ القرار مع اقتراب الانتخابات الأمريكية. يجب على “صناع القرار الإسرائيليين” أن يتحملوا مسؤولياتهم. وبدلاً من تأجيل الأمور على الطريق، يتعين عليهم اتخاذ قرارات استراتيجية من شأنها أن تضمن نصراً تاريخياً لإسرائيل والصهيونية. وذلك يشمل قبول الوساطة في صفقة الرهائن وتحقيق التطبيع مع المملكة العربية السعودية ودول إسلامية أخرى، لتحقيق إنجاز ما بعد هذه الحرب الطويلة وعمليات الإبادة الجماعية والدمار الذي اقترفتهُ. 

 أعلن بايدن المبادرة رغبة منه في إنقاذ الكيان الصهيوني وإخراجه من مستنقع الهزيمة الذي يفقد فيه الكيان المزيد من قدراته ومهاراته وصورته يوماً بعد يوم، فيما الضغط الدولي يلتف حول الكيان، ودول كانت صديقة له أخذت تقطع علاقتها به وتغلق سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية وطردت ممثلي الكيان من عواصمها، وكذلك أصابع الاتهام موجهة لأمريكا بالأساس لأنها هي الأول والأخير للصهاينة.

 إنها فرضت هذه التوليفة بهدف إنقاذ إسرائيل خشية أن تجد نفسها منبوذة دولياً ومحاصرة إقليمياً، فيما تربط واشنطن مبادرتها بالتطبيع مع الرياض مع أن الرياض أعلنت صراحة إنها لن تعترف بالكيان قبل قيام الدولة الفلسطينية التي لا تريدها واشنطن، ولا يريدها الصهاينة. فيما أنّ التصريحات التي يطلقها مسؤولو البيت الأبيض تتناقض مع تلك التي تأتي من الصهاينة وتختلف بالمطلق عن تلك التي يتحدث بها الوسطاء وخصوصاً ما حمله بيان الوسطاء الأخير بعد اجتماعهم بالقاهرة…!. حماس التي رحبت بكل إيجابية بما حمله بيان الرئيس الأمريكي، وأكدت على ثبات مطالبها التي أبرزها “وقف إطلاق نار دائم” وتبادل أسرى، وإدخال المساعدات وفتح المعابر والانسحاب الكلي من قطاع غزة..

فالمبادرة قطعاً ملغومة، وعلى الرغم من ذلك تعكس وتعبّر عن حقيقة هزيمة الكيان وجيشه على الرغم من كل هذا الدعم من أمريكا والعالم له، ويدرك الكيان وقادته وجيشه وأجهزته هذه الحقيقة ويعرفون انهم هزموا على يد المقاومة في أكتوبر الماضي، وهزموا في المواجهة الميدانية وطيلة ثمانية أشهر لم يحققوا أيا من بنوك أهدافهم المعلنة.. لكن واشنطن من خلال المبادرة تسوّق لهم نصراً آخر بديلاً وهو التطبيع مع السعودية الذي تحاول تسويقه واشنطن وكأنه نصر للكيان بديلاً عن النصر العسكري الميداني..!.

إسرائيل تتفكّك

الحكومة الإسرائيلية أصبحت على شفير الهاوية بعد انشقاق عدد من المتطرفين شركاء رئيس الوزراء “نتنياهو” والمباشرة في مساعي جدية لحل “الكنيست” وإجراء انتخابات مبكرة، ما أثار غضباً واسعاً داخل حزب الليكود اليميني الحاكم في دولة الاحتلال واعتبر حل ما يسمى بحكومة الوحدة بأنه يمثل مكافأة لحماس وقائدها “يحيى السنوار” واستسلاماً للضغوط الدولية وضربة قاتلة لجهود إطلاق سراح الرهائن حسب ما ورد في بيان الحزب الأكثر تطرفاً في دولة الكيان.

وهدّد وزير الدفاع الإسرائيلي “غانتس” الشهر الجاري بالاستقالة من حكومة الحرب في حال لم يوافق بنيامين نتنياهو على خطة ما بعد الحرب على قطاع غزة. وكان نتنياهو قد واجه مؤخراً هجوماً من وزير الحرب يوآف غالانت لعدم استبعاده احتلالاً إسرائيلياً لقطاع غزة بعد الحرب.

اليوم، وبعد ما يقارب 8 أشهر على حرب “طوفان الأقصى”، أي إعلان الحرب الشاملة على قطاع غزة، يبدو الكيان الصهيوني في وضع لا يحسد عليه على الإطلاق، فقد أصبح هذا الكيان عاجزاً تماماً، ليس عن تحقيق أي من الأهداف التي سعى لتحقيقها من وراء هذه الحرب فحسب، وإنما عن التصدي أيضاً لعوامل التفكّك والانهيار التي بدأت تهبُّ عليه من الداخل بسبب ما لحق به من هزائم متتالية على المستويات العسكرية والسياسية والقانونية والأخلاقية.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ صمود فصائل المقاومة الفلسطينية هو الذي سمح بتوسيع نطاق المواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني وامتدادها إلى الجبهات اللبنانية واليمنية والعراقية التي قررت القيام بعمليات مساندة فعالة، وبالتالي إحباط استراتيجية الردع التي حاولت الولايات المتحدة فرضها على مختلف الأطراف من خلال وجودها العسكري الكثيف في المنطقة.

وعلى الصعيد السياسي، حققت القضية الفلسطينية عقب “طوفان الأقصى” وبسببه إنجازات هائلة، بعكس ما كان الكيان الصهيوني يأمل، فقد بدأت هذه القضية تتصدر من جديد جدول أعمال النظام الدولي، بعدما كانت قد أوشكت على التصفية، واتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبأغلبية ساحقة بلغت 144 صوتاً ضد 9 أصوات فقط، قراراً يدعو إلى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على أرضه المحتلة عام 1967م، ويؤكد توافر كل العناصر اللازمة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويحثّ مجلس الأمن على إزالة كل العقبات التي تعترض قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. وإذا أضفنا إلى ما تقدم أن عدداً من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج، اعترفت مؤخراً بدولة فلسطينية مستقلة، وقرر تبادل التمثيل الدبلوماسي معها، ليتبين لنا حجم المكاسب التي حققتها القضية الفلسطينية بسبب الصمود العسكري للمقاومة الفلسطينية المسلحة.

في الختام، المبادرة الأمريكية هذه لا تحقق إنهاء العدوان على غزة ولا انسحاب العدو الإسرائيلي منها ولا إدخال المساعدات إلى كل أنحاء قطاع غزة وهي بعيدة عن إجراء صفقة تبادل كاملة وشاملة وجُلُّ هدفها هو تقديم غطاء ودعم إضافي سياسي للعدو الإسرائيلي أمام الحَرَجِ الأمريكي والعزلة أمام بقية دول العالم. فحتى متى ستبقى أمريكا تُكابد هوان خسارة كيانها الإسرائيلي في غياهب “غزة” وضغط المجتمع الدولي ونبذه إيّاها كونها الراعي والمُمول لحرب الإبادة هذه؟.