الحافز الأكبر هو مرضاة الله
بقلم غسان عبد الله
إن كنا نُعرّف الحافز الخارجي القادم من البيئة الخارجية، من الآخرين متمثلاً بالثواب أو العقاب عامة، فإن العامل الداخلي داخل الإنسان مثير وعميق وعجيب حيث أنه يمكّن المرء من القيام بعمله بإحسان أو مثابرة أو اتقان..
أيضاً يمكنه من إشعال تفكيره وتحقيق عطائه واستمراره لمجرد إرضاء ذاته أو ضميره، أو لأنه يُشعره بالرضا عمّا يفعل أو لاستمتاعه به دون حاجة لمثير أو حفْز خارجي. ويمكننا القول باتجاه آخر أن هناك حافز آخر أقوى هو الانتماء للجماعة وتحقيق رضاها هي، وهناك حافز الله سبحانه وتعالى.
يقولون هذا الرجل ضميره حيّ لذا فهو يعمل لإرضائه بالسر أو العلن، لا لإرضاء القانون أو خوفاً من تهديد السلطة وسوط السلطان مثلاً، ويقولون عن ذاك الشخص إنه صاحب قيم وأخلاق لأنه بها يتمسك في مواجهة إغراءات جزيل الثروة أو الإغداق بالموقع أو النفوذ والمنصب إن خفض من مستوى قيمه ومبادئه قليلاً وانحنى ومال.
الحافز الداخلي وهو الجوهري مقابل الخارجي لا ينتظر الهدية الثمينة، ولا ينتظر المكافأة المجزية أو الترقية سواء المادية أو حتى المعنوية من الآخرين كمديح أو إعلاء شأن أو شكر أو إشادة على أهميتها وضرورتها نفسياً.
في الأثر الإسلامي حضٌّ وحثٌّ على بعث واستثارة العامل الداخلي في النفس الإنسانية، حيث الأعمال بالنيّات، ولكلِّ امرئ ما نوَى، وكلٌ محاسبٌ شخصياً على ما فعل وليس غيره حتى يوم القيامة.
في الحافز الأكبر أي الخالق سبحانه وتعالى علاقة إيمان متيقن وعلاقة توكل ذات طمأنينة بلا حدود ﴿إنّ الله يحبّ المتوكّلين﴾، بمعنى أن التوكل هنا تسليم واعتماد وثقة، يستدرج عملاً دؤوباً مثابراً، وليس تخلي عن المسؤوليّة، بل آليّة تحدي تحقق الرضا والسّكينة.
لا يجب في كثير من الأمور خاصة التي بها مساعدة للناس (من سار في حاجة أخيه – الحديث)، أن يطلب الشخص الإشادة أو الذكر أو المديح، وإنما يبقى في مساحة العلاقة الثنائية مع ربّه فيُرضي الله سبحانه (وكيله) وهو الحافز الأكبر، وقد يُرضي ضميره الذاتي ويحسّ بالمتعة والسعادة. والثانية تبع الأولى أي إرضاء الذات تبع إرضاء الله، ولا تفترض الأولى وجوب تحقُّق الثانية بمعنى أن تكون اشتراطاً على الله.
السعيُ للمكانة أو الشهرة أو المجد أو أن يكون المرء رقماً بالمجتمع، أو شيئاً مذكوراً أو صاحب بصمة أو للشعور بالرضا والسعادة الذاتية هي حاجات إنسانية مفهومة ومقبولة بحدودها، وقد تمثِّلُ لذاتها حافزاً لتجاوز الواقع، ولكن “الحافز الأكبر” لا يعتبر كل ما سبق بقيمة أعلى أبداً. الحافز داخلي من ذات الإنسان ولِذَاته، أو خارجي من غيره، أو الحافز الأكبر مرتبطاً بالروح وصاحب العزة والجلال.
اعتقد أيضاً أن الحافز قد ينقطع أو يقل إلا إن وجد أداة شحذ متواصلة قد تكون سلبية الظاهر من الشعور بالضيق والألم من القائم المستقر، وهو أي الضيق أو الألم أو المشكلة أو الوقوع في الحفرة ما قد يشحذ الرغبة ويفعّل الإرادة ويعقد النية للتصدي للمشاكل ما يسمونه هنا تحويل المشاكل الى تحديات (وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ*يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر- الشابي).
لاسيما أن الإغراق في اجترار الماضي واستنزاف القدرة العقلية والروحية في تذكّر وتداول إحباطاته وسلبياته يُضعف المقاومة والمناعة الذاتية من جهة ويؤدي لخراب الروح. وهنا نقول إن تدخل الحافز الداخلي، وأيضاً الحافز الأكبر وجعل من هذه المشاكل مادة ثريّة وأصيلة يرتقي فوقها لصنع تقدمه فإنه يؤدي بالشخص لأن يسمو وينمو.
لذلك فإن التراكم للمشاكل وكما تقول العرب قد يكون مفتاحاً لمغاليق كثيرة ضمن عقلية (الصّعاب/الحاجة/المشكلة أمّ الاختراع) أو المشكلة مفتاح التقدم.
إن الحافز الخارجي ثواب وعقاب كليهما أو أحدهما، والحافز الداخلي إرضاء للذات وسعادة خاصة ذاتيه مكتفية بذاتها، والحافز الاجتماعي بوابة انتماء، فيما أن الحافز الأكبر هو مرضاة الله، ولكل أن يكتشف حافزه أو حوافزه ويسير واثق الخطى والله مولانا واليه المصير.