اغتيال قادة “حزب الله” ما بين الترقّب والتوعّد
بقلم: زينب عدنان زراقط
حرّكت الولايات المتحدة الأمريكية مسار التفاوض بشأن وقف الحرب في غزة، في مقترحات تتضمن أفكاراً حول البند المتعلق بوقف دائم للحرب والانسحاب من القطاع، سلّمتها لـ “حماس” ويجري التفاوض عليها عبر الوسيطين القطري – رئيس الوزراء – والمصري – رئيس المخابرات – في مُناوشاتٍ يُقدّر لها بأسابيعٍ طويلة متوقعة، بمشاركة رئيس الموساد ورئيس الشاباك ورئيس وكالة المخابرات المركزية CIA من طرف العدو..
إلاّ أنَّ طبيعة الغدر في نوايا الإسرائيلي سوّلت له المُضيّ في عمليات الاغتيال ما داموا يُدرِكون هوانهم عسكرياً، فما هي رسائل العدو التي يبُثها من خلال هذه المرحلة الجديدة في مواجهة المقاومة باعتماده على سياسة الاغتيالات وكيف تعامل “حزب الله” مع هذا التهديد؟.
سياسة اغتيال قادة المقاومة
في وقتٍ قد رفع فيه العدو الإسرائيلي مجدداً وتيرة التصعيد وتكرار عمليات اغتيال القيادات الميدانية في المقاومة، في خطوة تُعدّ تصعيداً نوعياً، إذ إن عمليات كهذه يستغرق التحضير لها وقتاً غير قصير، والكثير من عمليات الرصد والتعقّب، ويسبقها محاولات عدّة فاشلة، فمثل هكذا قرار لا بُدَّ لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أن يوافق عليه، إذ أنَّ الاغتيال وعلى الرغم من ارتباطه بعناصر المعركة القائمة، يعكس قراراً من جانب العدو، على صلة بما هو مطروح من خيارات على الطاولة، ربطاً بما يطلق عليه المرحلة الجديدة من العمل العسكري للعدو في غزة وانعكاس ذلك على الجبهة مع لبنان.
مؤخراً تدحرجت معطيات معركة طوفان الأقصى وتطورت من قصف متبادل وغارات على المنازل ومن ثم خطورة ما أتى به الهُدهد من معطيات حسّاسة وخطيرة داخل الكيان الصهيوني، فانصرف العدو إلى سياسته المعروفة بالغدر، “إستراتيجية اغتيال الأدمغة” والتي يعتبرها المحرك الأساسي للمواجهة ضمن الحافة الأمامية للقتال حيث لها التأثير على مجريات الحرب؛ هذا البنك من الاغتيالات أعدّ له العدو بشكل مكثف وأعطى له جهداً استخباري؛ باختياره بدقة للأهداف وليس عشوائياً؛ أهدافه كانت قياديين عسكريين؛ خبراء وأدمغة؛ من هندسة الاتصالات إلى علوم الكمبيوتر؛ ومن المعلوم أن هذه الادوار القيادية هي رأس المعركة مع العدو ولا يخفى أنّ الأهداف كانت مهمة كالشهيد “وسام الطويل” ومهندس الاتصالات “علي حدرج” الّذَيْن شكلا عامل ضرر كبير للإسرائيلي؛ والشريحة الميدانية الأخرى نجل النائب “محمد رعد” ورفاقه؛ الذين نفذوا ضربات موجعة للعدو.
وذلك ما أقدم عليه أيضاً باغتيال الشهيد القائد محمد نعمة ناصر “أبو نعمة”، في محاولة لفرض معادلة الاغتيالات في لبنان أيضاً، – بعد محاولات اغتيال فاشلة عدة خلال الأشهر القليلة الماضية -، نجح العدو في الوصول إلى القائد الجهادي في المقاومة محمد نعمة ناصر “أبو نعمة” الذي استهدفته صواريخ أطلقتها طائرات إسرائيلية على سيارة كانت تقلّه، ما أدى إلى استشهاده هو ومرافقه. الخسارة الكبيرة التي أصابت الجسم الجهادي في حزب الله باستشهاد “أبو نعمة”، تطرح أسئلة حول خلفية قرار استهدافه، أضف إلى ذلك أن الشهيد قائد ميداني على رأس وحدة “عزيز” التي تتولى قيادة جانب رئيسي من الجبهة من غرب القطاع الأوسط حتى رأس الناقورة، وهو أوجع العدو في أكثر من مواجهة وأكثر من موقع في سياق المعركة القائمة، إلى جانب “تصفية حساب قديم” للعدو معه لمشاركته في مئات العمليات التي استهدفت العدو وعملاءه قبل التحرير في عام 2000 وبعده، إلى جانب دوره الكبير في حرب 2006.
رسائل العدو وردّة فعل “حزب الله”
الواضح أيضاً أن رسالة العدو الأهم هي أنه قرّر المضي في برنامج الاغتيالات، وأنه يقول للمقاومة بأنه مستعد لتحمّل نتيجة أفعاله، مراهناً في الوقت نفسه على أن رد المقاومة على الاغتيال لن يكون بطريقة تدفع الأمور نحو حرب مفتوحة. وبمعزل عن كيفية تعامل المقاومة مع الحدث الكبير، ونوعية الرد المتوقّع على عملية الاغتيال، يسعى العدو أيضاً إلى استثمار العملية في السياق السياسي المتصل بالبحث حول ما يُسمى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة.
بينما إذا كان في جبهة العدو من يعتقد أن هذا النوع من الاغتيالات سيدفع حزب الله إلى التنازل في أي مفاوضات مقبلة، فإن الحزب يؤكدّ دوماً بأنَّ “الطريق الوحيد المؤكد لوقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية هو وقف إطلاق النار الكامل في غزة”، في حالةٍ من الغموض حول طريقة تصرُّف حزب الله مع المرحلة المقبلة، حتى وإنّ شنّت إسرائيل عملية محدودة في لبنان دون نية دحرجتها إلى حرب شاملة، “فلا يجب أن تتوقع أن يبقى القتال محدوداً”.
بالمحصلة إنّ هذا النوع من الحروب الذي يجتمع عليها عدة دول بأكبر تقنياتها المتطورة؛ وضعت المقاومة أمام تحدٍّ نجحت من خلاله في تحقيق الأمور التالية:
1- الرد على الاغتيالات بهجمات نوعية استخبارية مهمة وصائبة لأهدافها كهدف عرب العرامشة وغيرها.
2- حافظت المقاومة على نوعية الأهداف الحسّاسة والأكثر أهمية بالنسبة للعدو.
3- التطوير الدائم بأسلوب العمليات وزخمها، من نوعية السلاح المستخدم إلى العدد والعمق الجغرافي.
في الخلاصةِ، إنّ مُحافظة المقاومة على تشكيلاتها بشكلٍ مُتكامل ومُتراصف على الرُغم من جسِيمِ التضحيات التي تبذِلُها، أثبتت أنها جسدٌ مُتماهي لا يؤثر فيها الثغرات. بينما يتزامن الاغتيال مع جولة اتصالات جديدة بدأتها واشنطن حول جبهة لبنان، عبر محادثات المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتين في باريس، بحثاً عن “الصيغة الأكثر مقبولية” لعرضها على “حزب الله”، انطلاقاً من اعتقاد لدى رعاة الاحتلال، بأن دخول الحرب على غزة مرحلتها الجديدة قد يفتح الباب أمام فرصة للتسوية على جبهة لبنان، علماً أن العدو يكثر من الحديث عن قرب انتقال الثقل النوعي الميداني والسياسي إلى جبهة لبنان. أما بالنهاية مهما أضفنا على الكلام واستدلينا بالشواهد، فواقع القوّة بالمعركةِ القائمةِ محسومٌ لصالح مَن؟، إلاّ أنّ الرهان على عدوٍ لا منطق له ولا رادع، فلا يسعُنا عندما يهدد بالدخول إلى جنوب لبنان إلاّ أن نقول له “يا هلا ومرحبا”!.