فنزويلا تجدد ثقتها بقيادة مادورو.. المعارضة ترفض وواشنطن تهدد كاراكاس بالمجتمع الدولي
بقلم ابتسام الشامي
بين المحافظة على التشافيزية ومحاولات اجتثاثها، يدور الصراع السياسي في فنزويلا وعليها، وما نزول الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها “الناعم” في الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى جانب المعارضة أملاً بتغيير المعادلة السياسية من الداخل، سوى محطة جديدة كاشفة لحجم الصراع وحدته.
إعادة إنتاج الأزمة
انتهت الانتخابات الرئاسية في فنزويلا من دون أن تنتهي مفاعيلها. بل يمكن القول إنها فتحت البلاد على فصل جديد في الصراع الممتد على هويتها السياسية، مذ قررت الولايات المتحدة الأمريكية الانخراط في مواجهة مباشرة مع الخط الاستقلالي التحرري للزعيم هوغو تشافيز، الذي شكل وصوله إلى الرئاسة عام 1998، تهديداً حقيقياً لواشنطن ومصالحها، ليس في بلاده فحسب وإنما في عموم أمريكا اللاتينية، بفعل تبنيه خطاً مناهضاً لها، كان من أبرز تجلياته، “تطهير” المؤسستين السياسية والعسكرية من الموالين للولايات المتحدة الأمريكية، والانطلاق بخطة نهوض اقتصادية، تستنقذ البلاد وثرواتها، من المصادرة الخارجية والفساد الداخلي.
الانتخابات التي أفضت إلى فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية رئاسية ثالثة، كانت المعارضة وبدعم خارجي مكشوف، قد هيئت المسرح السياسي الفنزويلي لرفض نتائجها مسبقاً، عندما نظمت دعاية سياسية محكمة لمصلحة مرشحها غير المعروف الدبلوماسي المتقاعد إدموندو غونزاليس، وصناعة شعبية خارقة له. وعلى مدار أسابيع عدة سبقت الانتخابات، غزت وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل الاجتماعية نتائج استطلاعات للرأي أمريكية المصدر، أظهرت تقدمه بنحو عشرين نقطة على منافسه الرئيس مادورو، علماً أن غونزاليس لم يكن المرشح الأصيل للمعارضة التي اضطرت إلى ترشيحه، بعدما منعت زعيمة المعارضة النائبة ماريا كورينا ماتشاد من الترشح بسبب شبهات فساد.
وفي نسخة مكررة عن أدائها مع نتائج انتخابات عام 2018، سارعت المعارضة إلى رفض نتائج الانتخابات الجديدة وادّعاء الفوز. ومن دون تقديم أدلة، زعمت ماتشادو أن مرشحها الرئاسي فاز بنسبة سبعين في المئة من أصوات الناخبين، متهمة السلطات الرسمية بعدم التعامل بشفافية في عملية فرز الأصوات وصولاً إلى التلاعب بها.
انتصار على الحصار والعقوبات
أهمية الانتخابات الرئاسية الفنزويلية لا تكمن في نتائجها التي كرست زعامة مادورو بوصفه وريث شافيز والأمين على مسيرته السياسية فحسب، وإنما في رفض العودة إلى الوصاية الأمريكية، على الرغم من أن هذا الرفض، تسبب وما زال في عقوبات اقتصادية خانقة، أدت إلى حرمان فنزويلا من الاستفادة من ثرواتها النفطية، وتعطيل قدرتها على إنتاج النفط واستهلاكه لاحتياجات سوقها الداخلية فضلاً عن تصديره، وهو ما أدى عملياً إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي في البلاد التي تضم أكبر احتياطات نفطية في العالم بنسبة 75% حتى عام 2021، إضافة إلى تراجع غير مسبوق في قيمة العملة الوطنية. وقد أدى فرض واشنطن نحو 350 عقوبة اقتصادية على كاراكاس، إلى جانب مصادرة أصولها الضخمة لدى البنوك الأمريكية، وكذلك رصيدها من الذهب لدى بنك إنكلترا، إلى تردّي الوضع الاقتصادي لقطاعات واسعة من الفنزويليين، ما رفع معدلات الهجرة في أوساطهم.
المعارضة ترفض نتائج الانتخابات
على هذا الواقع الاقتصادي المأزوم، بنت المعارضة ورعاتها الخارجيون وفي مقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية، خطتهم للإطاحة بالنظام القائم واستعادة فنزويلا إلى الكنف الأمريكي، قبل أن تصطدم بنتائج صناديق الاقتراع، التي أعطت مادورو نسبة تأييد بلغت بحسب لجنة الانتخابات الرسمية 51.2% من الأصوات مقابل 44.2% لمرشح المعارضة. ومع إعلان هذه النتائج، سارعت زعيمة المعارضة إلى رفضها، لكونها “تتعارض مع استطلاعات للرأي منحت أفضلية ظاهرة لغونزاليس”، وإذ اشتكت من مخالفات، وصفتها بالخطيرة شابت العملية الانتخابات، أعلنت ماتشادو أن “غونزاليس هو الرئيس الشرعي لفنزويلا”، وادّعت أنه فاز بنسبة 70% من الأصوات. وفي تعليقها على نتائج الانتخابات قالت زعيمة المعارضة: “لم نهزمهم سياسياً وأخلاقياً وروحياً فحسب، بل هزمناهم اليوم بأصواتنا في كل فنزويلا”.
بدوره شكك غونزاليس في إعلان هيئة الانتخابات، وقال “لن نرتاح حتى تحترم إرادة شعب فنزويلا”.
وإذ لاقى جمهور المعارضة موقف قادتها بتظاهرات احتجاجية تخللتها مواجهة مع الشرطة، احتفى مادورو وأنصاره بالفوز في حفل أقيم في باحة قصر ميرافلوريس الرئاسي في كاراكاس. وفي مستهل خطاب الفوز الذي افتتحه بمخاطبة الحشود بعبارة “أنا نيكولاس مادورو موروس، الرئيس المعاد انتخابه لجمهورية فنزويلا البوليفارية”، حرص مادورو على توجيه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل في شؤون بلاده، قائلاً “ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها الأمريكيون تهديد السلام في فنزويلا”، مندداً بهجوم الكتروني استهدف هيئة الانتخابات الوطنية”، وتوعّد بقبضة حديدية بسحق الإرهابيين الذين تآمروا ضدّ حكومته.
رعاة المعارضة يشككون بالنتائج
رفض المعارضة نتائج الانتخابات وادّعاء الفوز فيها، لاقاها رعاتها الخارجيون بالتشكيك فيها. وفي هذا السياق، جاء تعليق وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن. الوزير الذي زاحمته الانتخابات الفنزويلية في زيارته اليابان، عبّر من طوكيو عن “مخاوف جدية من أن النتيجة المعلنة لا تعكس إرادة أو أصوات الشعب الفنزويلي”. وبلغة السيد الآمر، طالب الوزير كاراكاس تقديم حساب مفصل وشفاف حول التصويت، مهدداً بأن “المجتمع الدولي يراقب هذا الأمر عن كثب، وسيرد وفقاً لذلك”.
وبالموازاة مع الموقف الأمريكي، سارع حلفاء واشنطن في أمريكا اللاتينية إلى إطلاق تصريحات مؤيدة لموقفها من الانتخابات. وفي هذا الإطار، قال وزير خارجية تشيلي، ألبرتو فان كلافيرين، إن بلاده ستنتظر تقارير المراقبين الدوليين للتحقق من النتيجة، فيما رفض رئيس كوستاريكا، رودريغو تشافيز، نتيجة الانتخابات الفنزويلية.
بدورها، كاراكاس التي وجدت نفسها في دائرة حملة سياسية على خلفية الانتخابات الرئاسية، ردت على التدخل في شؤونها، معلنة سحب موظفيها الديبلوماسيين من سبع دول في أمريكا اللاتينية. وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية الفنزويلية، قالت الوزارة إن قرار سحب الموظفين جاء “احتجاجاً على تدخّل حكومات تلك البلدان في إعادة انتخاب مادورو”. مشيرة إلى أن موقف حكومات الأرجنتين وتشيلي وكوستاريكا وبنما والبيرو وجمهورية الدومينيكان والأوروغواي يقوّض السيادة الوطنية. وفي سياق متصل بالرد على التدخل في شؤون البلاد الداخلية، أعلنت وزارة النقل الفنزويلية “تعليق الرحلات الجوية من بنما وجمهورية الدومينيكان وإليهما”.
خاتمة
تشي المواقف المعلنة من المعارضة الفنزويلية ورعاتها الخارجيين بأن البلاد مقبلة على سيناريو شبيه بسيناريو عام 2018 عندما اندفعت إلى تنصيب خوان غوايدو رئيساً لفنزويلا وتعاملت معه بوصفه رئيساً شرعياً لها بخلاف نتائج صناديق الاقتراع. صحيح أن المفاعيل السياسية لهذا الاعتراف لم تؤد غايتها في تحقيق الانقلاب المرجو في هوية البلاد، إلا أنها شكلت عامل ضغط قوي على الحكومة، وذريعة لمزيد من العقوبات والخنق الاقتصادي، وهو ما تأمل واشنطن في أن يؤدي المزيد منه إلى تحقيق ما عجزت عنه سابقاً.