دوليات

السباق التكنولوجي العالمي.. بكين تتقدم وواشنطن متخوفة على أمنها القومي

بقلم:  ابتسام الشامي

أمريكا خائفة على أمنها القومي

سجّلت الصين خلال الأعوام القليلة الماضية قفزة نوعية في المجال التكنولوجي مهددة التفوق الأمريكي في ميدان لطالما احتكرته الولايات المتحدة وشكّل أحد أدوات هيمنتها الاقتصادية والسياسية وتفوّقها العسكري في العالم. قطاع التكنولوجيا والالكترونيات، يواصل إرسال إشارات “مقلقة” لواشنطن عن المستوى الذي بلغه التقدم الصيني في هذا المجال، على الرغم من الإجراءات والخطوات التي اتخذتها للحد من مسارعة الصين لتقليص الفجوة التكنولوجية معها، وهو تقدم بحسب كبار الخبراء الأمريكيين لا تقتصر مفاعيل تأثيره في الاقتصاد وإنما في الأمن القومي الأمريكي، وهنا مكمن الخطورة كما يراه بريان جيه. كافاناو. الخبير الأمريكي الذي شغل مناصب عدة في إدارة المرونة في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال الفترة الممتدة من عام 2018 إلى 2021، يقول في مقابلة مع موقع مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، إن “السيطرة الصينية المتزايدة على صناعة الإلكترونيات لا تهدد فحسب الحالة الاقتصادية لقطاع الإلكترونيات الأمريكي، وإنما تنطوي كذلك على مخاطر كبيرة على الأمن القومي للولايات المتحدة”.

ويضيف أنه عمل 3 سنوات في مجلس الأمن القومي الأمريكي فكان شاهد عيان على الطرق المعقدة، وغير المرئية، في كثير من الأحيان التي تؤثر بها سلاسل التوريد العالمية على الأمن القومي.

وما أشار إليه كافانو الذي عمل تحت إدارة كل من الرئيسين السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن حول مخاطر التقدم التكنولوجي الصيني على الأمن القومي الأمريكي، يوضحه

الأدميرال المتقاعد مارك مونتجومري بتحذيره من ان الصين تتفوق ببطء على تميز الجيش الأمريكي في مجال التكنولوجيا. الأدميرال الذي شغل منصب مدير أول لمركز الابتكار السيبراني والتكنولوجي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، نشر في موقع “ذا هيل” الأمريكي مقالاً لفت فيه إلى أن “مستقبل الحروب وما يتطلبه من قدرات عسكرية بدأ يحتل مكانة مركزية في ظل احتدام الحرب بأوكرانيا”، محذراً من أن بكين “عقدت العزم على تحديث جيشها بالكامل بحلول عام 2027، حتى مع اتخاذ واشنطن خطوات للحد من وصول هذا البلد إلى التكنولوجيا الأمريكية التي من شأنها أن تساعد في جعل ذلك التحديث ممكنا”.

بالنسبة للأدميرال الأمريكي، تكمن أحد المخاطر في الصراع التكنولوجي، “في قيام أعداء الولايات المتحدة بتطوير بنية تصميم شرائح مفتوحة المصدر، يمكنها أن تخدم مجموعة متنوعة من تطبيقات الاستخدام النهائي، وتحتوي هذه التقنية على تقنيات ذات استخدام مزدوج تتولى تشغيل أدوات مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذاتية وتقنية المراقبة”. وهو إذ ينبه صنّاع السياسات الأمريكيين بضرورة العمل باستمرار على “تقييم الكيفية التي يمكن بها الحفاظ على المزايا التكنولوجية التي تتميز بها بلادهم على الخصوم”، يرى أن الخطوات الأمريكية المتخذة في سبيل السيطرة على وصول بكين إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة لا تزال غير كافية، وهو لذلك يدعو “الحكومة الأمريكية إلى وضع الخطوط العريضة لإستراتيجية تعمل على سد الثغرات الموجودة بشأن التكنولوجيا المفتوحة المصدر”.

الصراع على الذهب الأسود العصري

وإذا كان الأدميرال المتقاعد مارك مونتجومري يعتقد بإمكانية احتواء التقدم الصيني في المجال التكنولوجي، فإن بريان جيه. كافاناو، يعترف بأن “الولايات المتحدة لن تستطيع هزيمة الصين بمفردها في هذا المجال”، لاسيما في ضوء ما تخصصه الصين من موارد وإمكانيات للتقدم في الميدان التكنولوجي ضمن رؤية لدى القيادة الصينية بدأت تطبيقها منذ مطلع القرن الحالي، عرفت باسم مبادرة “صنع في الصين 2025”. وفي إطار هذه المبادرة “ضخت الحكومة الصينية دعماً بمليارات الدولارات في الشركات التي تنتج كل شيء من الهواتف الذكية حتى شاشات العرض الرقمية، وسمح هذا الدعم للشركات الصينية بزيادة حصتها السوقية في سوق شاشات عرض البلور السائل (إل سي دي) بشدة من 13% في عام 2016 إلى 45% في عام 2023”.

وفي مؤشر يعكس حجم الاهتمام الصيني بالتقدم التكنولوجي بما يمثله من استراتيجية في الصراع المتعدّد الأوجه مع الولايات المتحدة الأمريكية وفي تعزيز المكانة العالمية للصين، تعهّدت بكين في شهر أيار الماضي بتقديم مبلغ 48 مليار دولار لمصلحة صندوق أشباه الموصلات الوطني، من ضمن إنفاق أكبر من المتوقع أن يصل إلى 143 مليار دولار، في محاولة لتعزيز صناعة الرقائق على مستوى البلاد.

ولتوضيح معنى المنافسة في مجال صناعة الرقائق الالكترونية التي تعد الوقود لعصر الذكاء الاصطناعي الجديد، كتبت صحيفة ليبراسيون الفرنسية عن الموضوع واصفة الرقائق أو أشباه الموصلات بـ”الذهب الأسود” في القرن الـ 21، وبناءً على أهميته هذه، تذكر الصحيفة ذاتها أن “الصين أنفقت عام 2021 أكثر مما أنفقت على النفط، لأنها موجودة – أي الرقائق الالكترونية – في كل شيء، من الهواتف إلى وحدات التحكم في الألعاب، ومن مراكز البيانات إلى الألواح الشمسية، ومن مصابيح الليد إلى أنظمة المراقبة، ومن الطائرات إلى السيارات، وهي فوق ذلك تعمل على تعزيز نمو الذكاء الاصطناعي، ودعم ظهور شبكات الجيل الخامس، والمركبات”.

خاتمة

ليست كل الحروب والصراعات تخاض بالصواريخ والمدافع والدبابات. في عصر الثورة التكنولوجية، حروب من نوع آخر، صامتة في الظاهر لكنها صاخبة في التأثير وعلى نتائجها يتحدد مسار النظام العالمي الجديد الآخذ في التبلور. خلال السنوات الماضية حضر الصراع التكنولوجي في الإعلام العالمي على شكل تنبيهات وتحذيرات من تقدم الصين، قبل أن تتواتر المعلومات عن جسر الأخيرة الهوة التي كانت تفصلها عن الولايات المتحدة، في وقت انتقلت فيه واشنطن إلى مرحلة احتواء هذا التقدم بإنفاق المزيد من المليارات. وفي آخر المعلومات المنشورة عن حجم الإنفاق في هذا الصراع، تستعد بكين لإنفاق 143 مليار دولار لتعزيز تصنيع الرقائق الإلكترونية، بينما تشير بيانات رابطة صناعة أشباه الموصلات إلى أن الشركات الأمريكية استثمرت ما يقرب من 200 مليار دولار في 40 مشروعاً منفصلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *