دوليات

المنتدى الصيني الأفريقي.. الصين تعزز حضورها في القارة السمراء

بقلم ابتسام الشامي

يتوسع الحضور الصيني المنافس للاستعمار القديم في القارة السمراء، في لحظة تاريخية، يرتكز على موازين القوة فيها، أسس بناء النظام العالمي الجديد.

المنتدى الصيني الأفريقي

بين الرابع والسادس من شهر أيلول الجاري، استضافت العاصمة الصينية بكين، منتدى التعاون الصيني – الأفريقي بنسخته التاسعة، بحضور ممثلين عن ثلاث وخمسين دولة أفريقية، ومشاركة مندوبين عن الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية والدولية الأخرى.

التظاهرة الأفريقية في الصين بمشاركة نحو ثلاثمئة ضيف، لم تشر فحسب إلى ما بلغته علاقة الصين بالقارة السمراء من تطور، وإنما في الأساس إلى نجاح الاستراتيجية الصينية في “اختراقها” والحضور فيها لاعباً قوياً، ينافس الدول الغربية الممتدة جذور علاقاتها بدول القارة عقوداً طويلة في الزمن.

وبعيداً عن الاسباب التي أتاحت للصين فرصة الحضور الفعال والمؤثر في البيئة الأفريقية، يتقدمها استثماراتها الكبيرة في المشاريع الحيوية للدول الأفريقية لاسيما في مجال البنية التحتية، فإن هذا الحضور الآخذ في الاتساع والتعاظم، جعل من الصين الشريك التجاري الأكبر للقارة الأفريقية، فقد بلغ حجم التجارة الثنائية 167.8 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام، وفق ما نشره الاعلام الرسمي الصيني عشية انعقاد المنتدى.

وكانت الصين في إطار مبادرتها العابرة للقارات، قد جذبت عدداُ من الدول الأفريقية لتكون جزءاً من “الحزام والطريق”، ما استدعى من تلك الدول رفع إنفاقها على البنية التحتية من خلال قروض ميسرة قدمتها صاحبة المبادرة، الأمر الذي حول الأخيرة إلى أكبر دائن للقارة الأفريقية. ووفق قاعدة بيانات القروض الصينية لأفريقيا بجامعة بوسطن، فإن جهات الإقراض الصينية قدمت 170 مليار دولار لأفريقيا في الفترة من 2000 إلى 2022. وخلال العام الماضي، وصلت قروض بكين للبلدان الأفريقية إلى أعلى مستوى لها منذ خمس سنوات، وفق المصدر ذاته، وكانت أنغولا وإثيوبيا ومصر ونيجيريا وكينيا أكبر الجهات المستدينة. ومن بين أكبر القروض المقدمة العام الماضي قرض بنحو مليار دولار من بنك التنمية الصيني قُدِّم لنيجيريا من أجل مشروع للسكك الحديد، وتسهيلات نقدية بحجم مماثل مقدمة للبنك المركزي المصري. وبحسب دراسة صادرة عن مركز “سياسة التنمية العالمية” بجامعة بوسطن الأمريكية فإن ما يقرب من عُشر القروض الصينية المقدمة للدول الأفريقية في عام 2023 كانت مخصصة لثلاثة من مشروعات الطاقة الشمسية والطاقة الكهرمائية، وهو ما يوضح بحسب الدراسة ذاتها، رغبة الصين في الانتقال إلى تمويل الطاقة المتجددة بدلاً من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم.

نحو شراكة أعمق

تعميق الاستثمار في البنية التحتية الأفريقية، وتوفير الإمكانات اللازمة لها تعهّدٌ جديد أطلقه الرئيس الصيني في المنتدى الصيني الأفريقي. وفي كلمته الافتتاحية لأعمال المنتدى الذي ينعقد مرة كل ثلاث سنوات، التزم شي جينبينغ بتمويل مشاريع في أفريقيا بقيمة 50 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة، واعداً بتعميق التعاون في مجال البنية التحتية والتجارة مع القارة. وفي خطابه أمام القادة الأفارقة المشاركين في المنتدى، أشاد شي بالعلاقات الصينية الأفريقية التي “تمر الآن بأفضل فترة في تاريخها” وأكد أن بلاده مستعدة لتعميق التعاون مع القارة في مجالات شتى، موضحاً أنه “على مدى السنوات الثلاث المقبلة، فإن الحكومة الصينية مستعدة لتقديم دعم مالي يصل إلى 360 مليار يوان” اي ما يوازي 50,7 مليار دولار. وإلى ذلك كله وعد الرئيس الصيني ضيوفه الأفارقة بالمساعدة في “توفير مليون فرصة عمل على الأقل لأفريقيا”. مشيراً إلى أن أكثر من نصف هذا المبلغ سيكون قروضاً، مع 11 مليار دولار “على شكل مساعدات” بالإضافة إلى 10 مليارات دولار من خلال تشجيع الشركات الصينية على الاستثمار.

غوتيريش: سِجلّ الصين مذهل في التنمية

سياسة بكين في إقراض القارة الأفريقية طرحت في بعض الأوساط الدولية علامات استفهام، واتّخذت ذريعة لاتهام الصين بالتحول إلى مستعمر جديد لقارة تتوق إلى التخلص من الإرث الاستعماري القديم، الذي نهب ثرواتها وأبقى شعوبها في حالة من التخلف والفقر. وعلى خلفية انعقاد المنتدى، نشرت بعض التقارير الإعلامية الغربية المشككة في نوايا الصين. وفي هذا السياق فإن موقع كوين تريبون، حذّر من أن “الصين لا تقدّم القروض لبناء المشاريع فحسب، بل تفرض أيضاً سيطرتها على هذه المشاريع في حال فشلت الدول المتلقية في سداد الديون”. ويقول الموقع “إن الديون المتزايدة ليست التحدي الوحيد الذي تواجهه الدول الأفريقية نتيجة الاستثمارات الصينية، فالمشاريع التي تمولها الصين تثير أيضاً توترات سياسية واقتصادية في المنطقة”. الموقع الإعلامي المروّج للسياسة الفرنسية، تناسى عن عمد ما قامت به فرنسا في القارة السمراء، والذي تدفع ثمنه اليوم طرداً من دولها، وانتفاضة على تواجدها، ذهب بعيداً في اتهام الصين بـ “الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في أفريقيا لمصلحتها، وذلك يترك الدول الأفريقية تعتمد على الاستثمارات الصينية من دون تحقيق تنمية مستدامة حقيقية”.

وأمام الهجوم على دورها في أفريقيا، تعمد بكين إلى توضيح ما تقوم به، وتفكيك ما يصفه إعلامها الرسمي بالمزاعم والتضليل المتعمد. وفي هذا الإطار تعتبر صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية الحكومية، أن “الصين قدمت للقارة الأفريقية منظوراً جديداً للتنمية، مختلفاً عن المنظور الغربي”، ومستفيدة من تجربة النهب الاستعماري الذي عانته، فإنها – أي الصين – تمكّنت من كسر مفارقة التحديث وألغت الخاطئة التي تربط بين التنمية وتبني قيم الغرب”. أما صحيفة “ساوث تشاينا مورنغ بوست” فقد نقلت بدورها عن الممثل الصيني الخاص للشؤون الأفريقية ليو يوشي قوله إن “الصين وأفريقيا يجب أن تعملا معاً للدفاع عن مصالح الاقتصادات النامية ومواجهة الهيمنة المتزايدة وعقلية الحرب الباردة”.

وإذا كان من الصحيح القول إن الصين ليست جمعية خيرية، وإنما دولة كبرى لها مصالحها ونظرتها الاستراتيجية إلى دورها ومكانتها العالمية، فإن ما تقوم به في أفريقيا على مستوى المشاريع وتحديث البنية التحتية، أكسبها رصيداً من الثقة من دول القارة وشعوبها، لاسيما وأنها لا تملك في تاريخها إرثاً استعمارياً، كالدول الغربية الأخرى، فضلاً عن أن استثماراتها هناك تلامس الحاجة الفعلية لتلك الدول، وهو ما أشاد به الأمين العام للأمم المتحدة. وفي خطابه في افتتاح أعمال المنتدى الصيني الأفريقي، أكد انطونيو غوتيريس أنه بإمكان الصين وأفريقيا إذا ما تعاونتا سوياً أن تقودا “ثورة في مجال الطاقة المتجددة”. وأضاف قائلاً إن “سجلّ الصين المذهل في مجال التنمية، خصوصاً في القضاء على الفقر، يُعد مصدراً عظيماً للتجربة والخبرة”. داعياً إلى تصحيح ما لحق بالقارة السمراء من ظلم تاريخي قائلاً إنه “من المخزي ألا يكون للقارة الأفريقية مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي”.

خاتمة

المنتدى الصيني الأفريقي الذي انتهى بمجموعة من الاتفاقات بين بكين وممثلي الدول الأفريقية في مجال الطاقة المتجددة وتطوير البنية التحتية، والموارد المعدنية، وبناء المزيد من سكك الحديد، وتصريف الانتاج الزراعي، أكد مجدداً خصوصية القارة الأفريقية في الاستراتيجية الصينية، وهي استراتيجية تجمع بين البعدين الاقتصادي والسياسي، بما يعزز حضور الصين في القارة السمراء لاعباً منافساً للاعبين تاريخيين، بدأت دول القارة وشعوبها تنتفض في وجههم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *