كندا وغرينلاند وقناة بنما في دائرة مطامع الرئيس الأمريكي الجديد ترامب وسياسة التوسع الاقليمي
بقلم ابتسام الشامي
على مسافة أيام من توليه مقاليد الرئاسة في البيت الأبيض، دونالد ترامب يثير عاصفة مخاوف في جوار بلاده الاقليمي، مع كشف نواياه في ضم كندا وجزيرة غرينلاند وقناة بنما، ما يشي بولاية رئاسية عاصفة وحامية.
لم ينتظر الرئيس الأمريكي المنتخب دخوله البيت الأبيض للكشف عن السياسة الخارجية التي سيعتمدها، صحيح أن ملامح هذه السياسية عادة ما تبرز في الخطابات الانتخابية والمناظرات الرئاسية، وكذلك في اختيار فريق العمل السياسي والأمني والاقتصادي للإدارة، إلا أن دونالد ترامب اختار أن يعبّر ومن دون قفازات دبلوماسية عن تلك السياسة، بما تنطوي عليه من تهديدات وجودية لدول حليفة لبلاده، بذرائع اقتصادية تارة وأمنية تارة أخرى. وإذا كانت ولايته الرئاسية الأولى قد تميزت بتسعير الحرب التجارية ضد الأعداء والأصدقاء على حدٍّ سواء، فإنه في ولايته الرئاسية الثانية يفعل منطق الصفقات ليس في بناء شراكات تجارية مع دول الجوار، وإنما في شراء الدول ذاتها أو ضمها بالقوة العسكرية والاقتصادية. وهنا يُحْدِق الخطر الوجودي بكندا، ويطال التهديد أيضاً الدنمارك حيث عينُ ترامب على جزيرة غرينلاند، وبنما التي يسعى لضم قناتها المائية إحدى أبرز القنوات الاصطناعية في العالم، وثاني أهم قناة بعد قناة السويس.
فقد جدد الرئيس الأمريكي المثير للجدل تعهده باستخدام القوة الاقتصادية ضد كندا لضمه إلى أراضي الولايات المتحدة. وأضاف مبرراً تهديده الدولة الحليفة لبلاده، بأن اندماج “كندا والولايات المتحدة سيكون خطوة إيجابية. تخيلوا ما سيبدو عليه الوضع عند التخلص من هذا الخط المرسوم بشكل مصطنع. وسيكون ذلك أيضاً أفضل كثيراً على صعيد الأمن القومي”. وفي أعقاب إعلان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو استقالته.
قال ترامب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي “إذا اندمجت كندا مع الولايات المتحدة، فلن تكون هناك تَعْرِفَات جمركية، وستنخفض الضرائب بشكل كبير، وستكون كندا آمنة تماماً من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بها باستمرار”.
وإذا كان ترامب قد أكّد استخدام القوة “الاقتصادية” في دفع كندا إلى الانضمام إلى بلاده، فإنه لم يستبعد استخدام القوة العسكرية إلى جانب الاقتصادية، لما سماه إنهاء المخاوف المتعلقة بقناة بنما وغرينلاند. وعندما سُئل في مؤتمر صحافي عما إذا كان يستطيع أن يؤكد للعالم أنه لن يستخدم القوة العسكرية أو الاقتصادية في محاولة السيطرة على هاتين المنطقتين، رد ترامب “لا أستطيع أن أؤكد لكم، أنتم تتحدثون عن بنما وغرينلاند. لا، لا أستطيع أن أؤكد لكم شيئاً عن الاثنتين، ولكن يمكنني أن أقول هذا، نحن بحاجة إليهما من أجل الأمن الاقتصادي”.
ردود الفعل
وعلى خلفية مواقفه المعلنة، توالت ردود فعل الدول المستهدفة بالضم أو الاقتطاع على أقوال ترامب وتهديداته، وفي هذا السياق، ردّ رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، على ما سماها “سخرية” الرئيس الأمريكي المنتخب، المستمرة منذ أكثر من شهر على وسائل التواصل الاجتماعي، بشأن انضمام كندا إلى الولايات المتحدة، وأن تصبح الولاية الأمريكية الحادية والخمسين، بالقول إن ذلك “أشبه بفرصة بقاء كرة ثلج في الجحيم”.
وأضاف ترودو في تغريدة على منصة “إكس”: “لا توجد فرصة، ولا حتى فرصة بقاء كرة ثلج في الجحيم، أن تصبح كندا جزءاً من الولايات المتحدة. العمال والمجتمعات في بلدينا يستفيدون من كوننا أكبر شريك أمني وتجاري واحدنا للآخر”.
بدورها أعربت بنما عن رفضها تهديد ترامب باستعادة السيطرة على قناة بنما، بعد اتهامه لها بفرض رسوم باهظة مقابل استخدام القناة، وتلويحه باستعادة سيطرة بلاده عليها إذا لم تُدِرْها بنما بطريقة “مقبولة”، كما كان الوضع قبل عام 1999 زمن الإدارة المشتركة للقناة. وقال رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو في تسجيل مصور إن “القناة لا تسيطر عليها الصين أو المجموعة الأوروبية أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى، لا بشكل مباشر أو غير مباشر، وبصفتي بنمياً، أرفض بشدة أي تعبير يشوه هذه الحقيقة”. وطالب الرئيس البنمي باحترام بلاده، مؤكداً أن “كل متر مربع من قناة بنما والمناطق المتاخمة لها هو ملك لبنما وسيظل تابعاً لها”، مضيفاً أن سيادة بلده واستقلاله أمر غير قابل للتفاوض.
أما رئيسة وزراء الدنمارك، ميتي فريدريكسن، فقد جددت التأكيد خلال الأيام الماضية، أن جزيرة غرينلاند “ليست للبيع”، بعد إبداء الرئيس الأمريكي اهتمامه بشراء الجزيرة القطبية الشمالية، قبل أيام من بدء ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة. وقالت فريدريكسن، في تصريحات نقلتها محطة التلفزيون الدنماركية 2TV، إن رئيس غرينلاند، موتي إيجيدي “كان واضحاً للغاية.. جرينلاند ليست للبيع، ولن تكون كذلك في المستقبل أيضا”.
تحول في السياسة الخارجية الأمريكية
تهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب بضم كندا وجزيرة غرينلاند وقناة بنما، لاقت تفاعلاً كبيراً في أوساط المحللين السياسيين في تحليل أبعادها وقراءة أهدافها. وفي ما أشارت وكالة رويترز إلى أن كلام ترامب يعتبر “مثالاً نادراً للغاية لرئيس أمريكي يقول إنه يستطيع الضغط على دولة ذات سيادة لتسليم أراض تابعة لها. كما يؤكد التحول المتوقع في الدبلوماسية الأمريكية في عهد ترامب، الذي لم يتردد من قبل في تهديد الحلفاء واستخدام الخطاب العدواني عند التعامل مع النظراء”، رأت صحيفة واشنطن بوست أن تصريحات ترامب تشير إلى أن نظرته للقوة الأمريكية مبنية على التوسع الإقليمي، وهو ما يمثل تحولاً صارخاً عن الأعراف الدبلوماسية السائدة. مشيرة إلى أن منهجية ترامب غير التقليدية في الدبلوماسية – التي تتسم بالخطاب التوسعي والتكتيكات غير المتوقعة – قد تعيد تشكيل العلاقات الخارجية الأمريكية.
وعكست الصحيفة الأمريكية آراء عدد من الشخصيات السياسية والخبراء في نوايا ترامب حيال الدول الثلاث، حذّر النائب السابق كارلوس كوربيلو وهو نائب جمهوري عن ولاية فلوريدا، من أن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى توتر العلاقات الدولية، قائلاً إن “هذا النوع من الإهانات يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة” وإن أستبعد ذلك حالياً”. بدوره أشار ريان بيرغ، من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، إلى أن تركيز ترامب على شؤون نصف الكرة الغربي – مثل قناة بنما – يعكس اعتقاده بأن نفوذ الولايات المتحدة أقوى فيها مقارنة بمناطق أخرى متنازع عليها مع روسيا والصين، حيث النفوذ الأمريكي أضعف.
وفيما رجح خبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك أن يكون “ترامب يستخدم هذه الأشياء كتكتيك تفاوضي للاستفادة من التنازلات في أشياء مثل الصفقات التجارية والإنفاق الدفاعي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)”، إلا أنه يرى في حديث لموقع الجزيرة نت، أنه “من الصعب فصل طموحات ترامب الشخصية عن أجندة إدارته التي يعبئها بالموالين. وهناك تناقض بين النبرة العدوانية لتصريحاته بشأن السياسة الخارجية، وانعزالية جناحه في الحزب الجمهوري”. وفي حديث للموقع ذاته، قال غريغوري كوغر أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة ميامي إن “ما يكرره ترامب من رغبته في توسع بقعة الأراضي الأمريكية يعكس هدفين مشتركين: الأول: طموح شعبوي لتوسيع حدود البلاد. والثاني: طموح شخصي لزيادة الأراضي الأمريكية كجزء من إرثه الرئاسي”.
أما ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأمريكي فقد شدد في حديث للجزيرة نت على أن “لدى ترامب نظرة تجارية للغاية للعالم والعلاقات بين الدول بشكل عام”. وأضاف “يبدو أنه يبني أفكاره حول استخدام القوة العسكرية من مصطلحات القرن الـ 19. لقد بنى علامة تجارية حول مفهوم أن الولايات المتحدة تقع ضحية لدول أخرى، بما في ذلك حلفاؤها، ولا يحب أن يقال لها لا”.
خاتمة
ينذر خطاب ترامب ونواياه المعلنة، بتصعيد التوترات في جوار الولايات المتحدة الأمريكية ومع أصدقائها وحلفائها، ولئن وُضِع ذلك في إطار حفظ المصالح الأمريكية والدفاع عنها في مواجهة تحديات متعددة من بينها تعاظم النفوذ الصيني، فإنه يخاطر بحسب الخبراء بفتح جبهات جديدة وجر العالم إلى مواجهات لن يكون قادراً على ضبط إيقاعها.