أول الكلام

يدورُ الزمانُ ولا ينتهي.. لا شيء جديد تحت الشمس!

بقلم غسان عبد الله

لا تقُلْ للذاهبِ أبداً: عُدْ إلينا.. فما سيبقى منهُ كثيرٌ أيضاً.. العينُ تشتغلُ بالموجةِ في البحرِ.. فيما الغيمةُ تحجُبُ القمرَ.. ولكلٍّ منا شجَرَتُهُ التي سوف تُزْهِرُ يوماً ما في الحياة.

يا صاحبي أعودُ إليكَ لأصلَ إليَّ ولا شيء يفصلُني عنك حتى في الرحيل.. وها أنذا أرْقُبُ ولادةَ أفراحٍ في برجِ روحي.. مياهٌ كثيرةٌ جَرَتْ في الأنهارِ.. فجلَسْتُ على شواطئها أرصدُ الأمواجَ.. والنارُ سرَتْ في الغاباتِ مخلِّفةً لي الرمادَ.. فكَنَسْتُهُ بالمِغرَفةِ.. ثم نثرْتُهُ في الرياح.. وأنت تعرفُ يا صديقَ الحياة.. ويا حبيبَ المسافات.. وأنيسَ السهرات.. تعرفُ أن كلَّ مركبٍ صعَدْناهُ أغرَقَتْهُ العاصفة.. والأمواجُ جرَفَتْنا إلى آخر العالم.. إذاً.. ماذا يَهُمُّنا بعدَ ذلكَ إنْ بَنَيْنا ممالِكنا في العراء.

ثِقْ يا صاحبي.. أنني لن أحزَنَ إن تساقَطَ شعرُ رأسي قليلاً.. أو اقتَلَعَ الزمانُ بمِلْقَطِهِ المُخيفِ أضراسي.. ما دامَ أصدقائي يُحبُّونني كما أنا!!.. حتى وأنا ألتَهِمُ الحجَرَ سأظلُّ يافعاً أبداً.. المنفى وحدَهُ يا حبيبَ العمرِ يَهْرَم.. عندما تهبِطُ الموجةُ العارمةُ في ظلامِ المُحيط.. وتنْبَثِقُ الذكرياتُ من الكوَّةِ المُعتِمةِ للزمان.. وقد جرَفَتْها السيولُ إلى ساحلِ الواقفينَ على الصخرةِ النَّابتة.. سترى أيها السائرُ في الطريقِ الطويلِ أن ما تكتُبُ الآن من كلامٍ في أولِّه أو آخِرِهِ على الرملِ ستمحوهُ كفُّكَ يوماً.. وأن الطريقَ الذي مشيتَهُ قديماً سوفَ تسْلُكهُ مرَّةً بعدَ مرّةٍ.. عائداً في النهايةِ نحو البدايةِ.. إذ يدورُ الزمانُ ولا ينتهي.. مثلَ خيطٍ رفيعٍ بمِغْزَلِهِ الأزليِّ.. فتمضي إلى قلْعَتِكَ الشَّامخةِ فاتحاً لنفْسِكَ بابَها الموصدَ.. ماشياً في دهاليزٍ تعرفُها مثلَ راحةِ كفِّكَ.. لتبدأ حيثُ انتهيتَ.. فكلُّ الذي قد رأيتَ.. ستنساهُ في زحمةِ السَّالكين.

يا صاحبي.. هوذا المساءُ يُطلُّ عليَّ من كوِّةِ المَغيب.. ولا شيءَ جديدَ تحت الشمسِ.. المرارةُ ذاتُها.. العشقُ الممنوعُ نفسُه.. الأشياءُ من حولِنا.. لا شيءَ يشي بأن صباحاً جديداً سيعودُ بالعشقِ المُضيّعِ أزماناً خلفَ سُرادِقِ الوريدِ المُباح.. لا شيء يا صاحبي.. وها أنذا أُدْمِنُ وَجَعَ الغُربةِ منتظراً ولوجَ العمرِ محاقَ الذُّبول.. وها هو المُحيطُ الذي يتوسّطُ الأحلامَ والأوجاعَ لا يزالُ بلا نوارِسِه يُمعنُ في الموجِ والصَّخَبِ والهدير.. لا شيء جديدَ تحت الشمسِ يا حبيبَ العمرِ.. لا شيء يُنبي بأنَّ اللقاءَ باتَ لزاماً على الأقدار.. لا شيء.. فكَفَاكَ جلوساً هنا.. أيُّها القلِقُ الأبديُّ المَلولْ.. كفاكَ دموعاً على الوجدِ الساهرِ على ربى المحيطِ الموَّزعِ على الشطآن.. كفاكَ صهيلاً.. باكياً شاكياً في رِهانِ الخيولْ، ساهياً راثياً مثلَ طفلٍ يتيمٍ.. تعالَ إليَّ أحمِلُكَ الآنَ على كتفيَّ عائدَيْنِ إلى بيتنا في العذاب المقيم.. في الحزنِ الذَّميم.. وحتى إذا ما أضَعْنا الطَّريقَ.. فسوفَ نقولُ إنا ثمِلْنا بماءِ الحياة.. وماذا يهمُّ الذي جَرَعَ الكأسَ حتى الثّمالةِ أن يُضَيِّعَ الطريق؟!!.. ماذا يهمُّ يا صاحبي؟.

هوذا المساءُ يُشرعُ نافِذَتَهُ الأخيرةَ على الروحِ.. وهذه موجةٌ نائيةٌ في ظلامِ المُحيطِ سوفَ تَحْمِلُنا نحنُ.. نحنُ غرقى المحبَّةِ والإنسان.. غرقى العشقِ والتلظِّي والانتظارِ المرير.. سوفَ تحْمِلُنا هذه الموجةُ يا صاحبي عالياً.. عالياً مرَّةً أخرى.. ثم تُلقي بنا على حافةِ الشطآن.. فنعودَ من جديدٍ نواصِلُ سيرنا في الدروب الصَّعبة.. نعيدُ سيرةَ الجراحات والعذابِ المرِّ.. سوفَ تحمِلُنا الموجةُ إلى زحمة هذا الانتظار المَقيت.. سوفَ نبقى ها هنا على حافة الانتظار.. علَّ المحيطَ يملُّ مكوثَنا.. أو عساها الريحُ تأخُذنا في لحظةِ شوقٍ صوب موانئ الأفراح.. نزاولُ طقوسَ التَّجلِّي.. ونصعدُ تُخومَ الأمان.. عسانا نستعيدُ ما انقضى من فرحٍ لم نُزاوِلْهُ شراعاً جديداً للحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *