إقليميات

مؤتمر الرياض الإقليمي ومستقبل سوريا

بقلم توفيق المديني

كما شارك في هذا الاجتماع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، والممثلة السامية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بسوريا جير بيدرسون. وشارك أيضاً وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني في هذا الاجتماع الوزاري الموسع بشأن سوريا.

من الناحية الإعلامية والسياسية، سعى اجتماع الرياض إلى تقديم العون لسورية في هذه المرحلة، من خلال دعم العملية السياسية لمرحلة انتقالية سورية – سورية، جامعة لكل الأطياف التي تمثل القوى السياسية والاجتماعية في سوريا. وأيضاً التضامن مع سوريا في الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها وسيادتها، وسلامة مواطنيها.

اجتماع الرياض استكمال لاجتماع العقبة

يُعَدُّ اجتماع الرياض استكمالاً لما جرى التوافق عليه في “اجتماع العقبة” الذي عُقِدَ في 14 ديسمبر / كانون الأول 2024، ودعا إلى بلورة موقف جامع يساند سوريا في جهودها لبناء المستقبل الذي يستحقه الشعب السوري. وضمّ البيان المشترك لاجتماع العقبة 17 بنداً بشأن تطورات المشهد السوري وملامح خارطة طريق تهدف إلى خروج سوريا من المرحلة الحالية إلى بناء دولة يتوافق عليها كافة السوريين، وفق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والمرجعيات ذات الصلة.

ودعا بيان العقبة إلى بدء عملية سياسية تشكل من خلالها هيئة حكم انتقالية وفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته، تعمل على إشراك كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني، تفضي إلى الانتقال لنظام سياسي جديد يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة استناداً إلى دستور جديد يقره السوريون ضمن جدول زمني واضح.

 وكان مجلس الأمن الدولي اتخذ في 18 ديسمبر 2015، بالإجماع، القرار رقم (2254) بشأن وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا. ويتضمن القرار 16 بنداً تضع رؤية بشأن إيجاد حل للصراع في سوريا، وصولاً إلى تحقيق الانتقال السياسي.

طموح السعودية في لعب دور إقليمي رئيسي في المنطقة

تأتي استضافة الرياض لهذا الاجتماع الإقليمي لمناقشة مستقبل سوريا لتأكيد طموح المملكة السعودية في لعب دورٍ محوريٍّ إقليميٍّ في منطقة الشرق الأوسط في ضوء التطورات الحالية التي شهدتها سوريا، وفي إعادة إعمار سوريا إلى جانب تركيا وقطر ودعمها لكل ما من شأنه تحقيق أمن جارتها الشقيقة واستقرارها بما يصون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. والجدير بالذكر أن السعودية وتركيا كانتا في السابق تدعمان الفصائل المعارضة في الحرب الأهلية السورية.

 وكان اجتماع أحمد الشرع مع الائتلاف الوطني السوري السابق قبل خطوة إيجابية أخرى، إذ كان الائتلاف يمثل الجسم الرئيسي للمعارضة السورية ضد النظام السابق، المعترف به دولياً، ودعا في وقت سابق إلى الاستناد إلى القرار الدولي 2254 خلال المرحلة الانتقالية، وهو القرار الذي اعتبر الشرع أن التطورات في سوريا قد تجاوزته، مطالباً بتعديله. كما رفض الائتلاف موقف الإدارة في دمشق بأن يتم دعوة أعضاء الائتلاف إلى مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده خلال الفترة المقبلة كأفراد، وليس كجسم سياسي واحد.

وفي تصريحات له في 4 الشهر الجاري، قال رئيس الائتلاف هادي البحرة، إن أهم عمل للائتلاف الوطني في المرحلة الحالية، هو التأكد من عقد المؤتمر الوطني على أسس سليمة وأن يفرز جمعية تأسيسية تمثل كل أطياف الشعب السوري، حيث سيقوم الائتلاف الوطني بتسليم الملفات التي لديه لهذه الجمعية لمتابعة إنجاز المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة للشعب السوري، لاختيار قياداته عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة سواء الرئاسية أو البرلمانية وفق الدستور الجديد. وأوضح البحرة أن الائتلاف الوطني “ليس حزباً سياسياً ولم يسع للسلطة، ولا أن تنتقل السلطة إليه، أو طرح نفسه في الانتخابات القادمة، وسوف ينتهي دوره مباشرة بعد انتخاب جمعية تأسيسية والتي ستصبح هي من تمثل تطلعات الشعب السوري ومسؤولة عن تحقيقها”.

يأتي طموح المملكة السعودية في لعب دور إقليمي رئيسي في منطقة الشرق الأوسط  بعد سقوط نظام الأسد، وتسلّم المعارضة المسلّحة السلطة، ما شكّل صدمة كبيرة أجبرت الدول العربية والغربية على محاولة رسم صورة واضحة لما حدث، وبالتالي وضع خطط سريعة للتحرّك والتفاعل، وهو أمر حصل أيضاً مع القوى المحلّية، إضافة إلى تزايد قلقها من النفوذ التركي والقطري في سوريا الجديدة.

لقد شكَّلَ انهيار نظام الأسد بهذه السرعة، رُعْباً حقيقياً للمملكة السعودية، التي استفاقتْ على وقائع مختلفة جذرياً في المنطقة، إذ رأتْ فيها الرياض إنجازاً قطرياً – تركياً استراتيجياً في سوريا، هو أخطر على المملكة وحلفائها، بمرّات، من سقوط نظام حسني مبارك في مصر، وتسلّم “الإخوان المسلمين” السلطة.

ضمن هذا السياق بادرت المملكة السعودية بالتنسيق مع الولايات المتحدة إلى التحرك بسرعة في لبنان ثم الأردن، كونهما ساحتي التأثّر الأساسي بالتحوّل السوري. فدعمت المملكة انتخاب قائد الجيش اللبناني رئيساً للبنان، في إمكانية تحويله إلى عنصر توازن مع سوريا، وقاعدة سعودية في “بلاد الشام”، ومحاصرة المدّ القطري – التركي. وقد كان الدور سوري مرتبطاً دائماً بمشاركة سعودية في “إدارة” الملف اللبناني. اليوم، تعود السعودية لتقتحم المشهد، ومن البوابة السورية أيضاً، وكان دعمها انتخاب الرئيس جوزيف عون خطوة “افتتاحية” عودتها إلى بلاد الشام.

من الناحية التاريخية كانت المملكة السعودية أهم حليف إقليمي لسورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومع فشل السعودية، ودول عربية أخرى، في السابق، على إعادة تأهيل نظام بشار الأسد بإعادة مقعده إلى جامعة الدول العربية، وتبادل فتح السفارات معه، في مقابل أن يقطع علاقته الاستراتيجية مع إيران، أرسل الحاكم الجديد لسورية أحمد الشرع رسائل إيجابية تجاه المملكة السعودية، وكانت الأخيرة محطّةً لأوّل زيارة رسمية للوفد السوري الجديد بقيادة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، قبل أن يُكمل طريقه إلى قطر والإمارات والأردن؛ وتبدو كل هذه الدول مرحِّبة بالحكومة الجديدة.

خاتمة

بعد أن كان قائداً لهيئة تحرير الشام (المعروفة بتاريخها المتطرف العنيف وعلاقاتها العميقة التي تحافظ عليها مع الجماعات المسلحة الأخرى، وبجذورها السلفية الجهادية الضاربة في أعماق تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية “داعش”، وهي عندما تمرّدَتْ على “داعش” تحوّلتْ إلى “القاعدة” باسم “جبهة النصرة” في 2016، ثمّ عندما انفكّت من القاعدة تحوّلت لهيئة تحرير الشام؛ في  فترة حكمها في إدلب منذ عام 2017 ولغاية سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024)، تسلّم أحمد الشرع إدارة شؤون الدولة السورية، وأصبح العالم يتعامل معه كرجل دولة، وبدأت الفعاليات والوفود الدبلوماسية والإعلامية بزيارته، والتعرّف إلى أفكاره وسياساته، وقد ارتدى البذلة وربطة العنق.

تتخوف المملكة السعودية والإمارات والأردن ومصر من سيطرة الإخوان المسلمين على دمشق، ومن أن تصبح سوريا منطقة نفوذ لتركيا، وقد أُشِيعَ عن نِيَّةِ الأخيرةِ بناء قاعدتَين عسكريتَين وسط سوريا، وهي كانت داعمةً عمليةَ “ردع العدوان” منذ انطلاقتها. كما أنَّ رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو حذَّر من تنامي الوجود التركي في سوريا ومن تمكين أنقرة من تحريك قوَّاتها العسكرية داخل سوريا. وعلى ذلك، هناك توافق بين هذه الأطراف على تحجيم النفوذ التركي المتضخِّم في سوريا.

على الرغم من أن سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا يمثل نقطة تحول تاريخية بالنسبة للشعب السوري، فإنَّ المستقبل أمام السوريين يظل محفوفاً بالمخاطر والصعوبات، بسبب طغيان الجغرافيا السياسية فيما وراء الأزمة السورية، وصراع القوى الإقليمية والدولية على سوريا، وترك نظام الأسد دولة ذات مؤسساتٍ ضعيفةٍ، وبنية تحتية مدمرة، وسكاناً منقسمين على أسسٍ طائفيةٍ وإثنيةٍ وسياسيةٍ.

أمام الطبيعة المنقسمة للبلاد التي تفاقمت بسبب عقود من الحكم الاستبدادي في سوريا، ودور التنوع الديني والعرقي والطائفي في تأجيج التوترات السياسية، والتفاعل بين المنافسات الإقليمية، والدور المتطور للقوى العالمية، كل هذا يشير إلى أنَّ الفترة المقبلة، يصعب على أحمد الشرع ومعه هيئة تحرير الشام أن يمثلا قطيعة نهائية مع الماضي، وأن يتمكنا من التغلب على التفتت والشقوق ذات الجذور العميقة المستمرة في سوريا، في ظل تنافس القوى المحلية والدولية المختلفة على النفوذ في سوريا، أوْ أنْ يُبَلْوِرَا مشروعاً وطنياً ديمقراطياً لإعادة بناء هُويَّة الدولة السورية الجديدة القائمة على المواطنة، واحترام الحرِّيات العامة والفردية، وحقوق الإنسان، وعلاقات متساوية بين الأفراد، بغضّ النظر عن الدين والقومية والجنس والطبقة، حيث إنَّ الإعلان عن هذه المواضيع في بلدٍ مثل سوريا متعدّد قومياً ودينياً ومذهبياً وسياسياً، سيعطي شعوراً هائلاً بالثقة في النظام الجديد، وسيغلق النوافذ والأبواب أمام التدخّل الخارجي، الذي يستغلّ هذه القضايا لوضع الشروط على النظام الجديد التي عبّرت عنها الوفود الأجنبية في دمشق.

كما أنَّ المحافظة على هوية الدولة السورية: الحضارية والتاريخية، يقتضي من الحكم الجديد في دمشق، الاستثمار في العروبة المقترنة بروح الحداثة في كل أبعادها الفكرية والثقافية والسياسية، والإيمان بأنَّ الإسلام التاريخي المستنير يحتاج وعاءً قومياً يحمله، يتمثل في العروبة المتجددة القائمة على التعددية، وفكرة المواطنة، وبناء دولة القانون، أي دولة المؤسسات الدستورية، والتأكيد على أنَّ الثقافة العربية الحديثة لا تزال ثقافة واحدة، ولا يزال التواصل فيما بينها عبر الأقطار العربية أقوى تأثيراً في حركتها من التواصل داخل كل قطر من أقطارها، وليس أمام الدول سوى الاختيار بين مرجعية العدمية الوطنية( بشقيها الأنجلوسكسوني والفرنكوفوني) التي تعني اليوم خيار التغريب الذي يعزز تبعيتها وتخارج بنياتها وتطلع أبنائها الدائم إلى الهجرة والاندراج في الغرب الإمبريالي، أو العودة إلى الاستثمار في مفهوم العروبة التي تشكل وحدها منطلقاً لحداثة أصيلة عالمية ومرتبطة في الوقت نفسه بثقافة محلية عميقة وفاعلة.

على الرغم من أن المطالب التي يدعو إلى تحقيها الغرب الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا من قبل الإدارة السياسية الجديدة الحاكمة في دمشق، مثل قيام نظام حكم تمثيلي تشاركي أساسه المواطنة، يحترم حقوق الأقلّيات ومكوّنات المجتمع السوري المتكون من تيارات فكرية وثقافية متعدّدة المشارب، وهي مطالب تبدو محقة وتتماهى مع مطالب الشعب السوري، فإنَّ مطالب الغرب الإمبريالي هذا تدخل في سياق الابتزاز والضغوط والاستعلاء والصلف الاستعماري الأوروبي الأمريكي، لأنَّ الإمبريالية الأمريكية هي من أسقطت الدولة الوطنية العراقية، وهي التي فتَّتَتْ المجتمع العراقي على أساس عرقي ومذهبي بذريعة الديمقراطية. فالغرب الإمبرياليِّ الأوروبي – الأمريكي، هو الذي هندس دستور بريمر الطائفي للعراق، ودَعَّمَ نظام المحاصصة الطائفية في لبنان.

ليس من شكٍّ، أنَّ هذا الغرب الإمبريالي بزعامة أمريكا، ومعه الكيان الصهيوني، يريدان تقسيم سوريا إلى دويلات قائمة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، ويرفضان رفضاً قاطعاً قيام دولة وطنية ديمقراطية في سوريا ذات سيادة كاملة على ترابها الوطني، وغير خاضعة للتدخلات الإقليمية والدولية، وتعبّر في الوقت عينه عن تطلعات الشعب السوري الموحد في الاستقلال والتقدم الاجتماعي والتنموي، بل إنَّهما يشترطان لنيل القيادة السياسة الجديدة في دمشق المشروعية منهما، أن تمارس صمت القبور إزاء احتلال العدو الصهيوني لهضبة الجولان، والاحتلالات الصهيونية الأخيرة داخل المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة، وجنوب غرب محافظة درعا، التي تصل مساحتها لنحو 500 كيلومتر مربع باعتبارها احتلالاً وعدواناً ينتهك القانون الدولي واتفاق فض الاشتباك المبرم بين سوريا والكيان الصهيوني في العام 1974، بينما لا يطالب هذا الغرب الإمبريالي قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب الفوري من الأراضي السورية المحتلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *