دوليات

ترامب يريد نزع سلاحها النووي.. كوريا الشمالية تتبنى أشد استراتيجية لمواجهة الولايات المتحدة

بقلم ابتسام الشامي

على وقع تهديدات الرئيس الأمريكي الجديد بنزع سلاحها النووي، واصلت كوريا الشمالية، تعزيز قدراتها العسكرية متحسبة لمواجهة ترتفع أسهمها، وفق النوايا المعلنة للولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الدائرة في فلك تنفيذ استراتيجية هيمنتها.

تمهيد أمريكي للتصعيد

لم يُخفِ الرئيس الأمريكي القديم الجديد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، وكذلك في الأيام الأولى له في البيت الأبيض، استراتيجية إدارته للسياسة الخارجية، وهو إذ ادّعى العمل على إطفاء الحروب لا إشعالها، فإن ما أوضحه من أهداف خارجية سيعمل على تحقيقها، تؤشر إلى فترة رئاسية ساخنة جداً، لن يقلل كلامه عن السعي الدبلوماسي لتحقيقها من درجة حرارتها، من توسيع مساحة بلاده الجغرافية ونفوذها السياسي، إلى تفعيل الحروب التجارية والاقتصادية ضد الدول “الصديقة” والحليفة، وصولاً إلى تهديد الدول “المارقة” ليس بالتضييق على نفوذها فحسب، وإنما بتحجيم قدراتها ووقف عجلة تمكينها وتطورها. وضمن التصنيف الأخير هذا، تندرج كوريا الشمالية في استراتيجية ترامب، الرئيس العائد إلى البيت الأبيض، يسعى مجدداً إلى احتواء التقدم العسكري للبلاد التي لا تزال على علاقة عدائية مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ خمسينيات القرن الماضي. ومن تجربة ولايته الأولى في ما يُعتَقَد أنه نجح في تبريد اندفاعة المشروع النووي لكوريا الشمالية، يحاول ترامب صياغة التواصل السياسي مع الدولة النووية. وفي أول تصريحاته المتعلقة ببيونغ يانغ، قال ترامب إنه يريد “إعادة الاتصال بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون” واصفاً إياه بالرجل الذكي”. إلا أن كلام ترامب الدبلوماسي، بدا واضحاً أنه لا يستند إلى أسس يمكن البناء عليها سواء بالنظر إلى التجربة الماضية حيث إن اللقاءات الثلاث التي جمعته مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون لم تحرز أي تقدم بشأن القضية النووية، أو إلى حقيقة التغييرات الجوهرية التي أحدثتها واشنطن في البيئة السياسية في شبه الجزيرة الكورية، ومنها الاستراتيجية التسلحية التي اعتمدتها اليابان إضافة إلى الأحلاف العسكرية التي أنشأتها واشنطن لزعزعة استقرار البيئة الإقليمية  للصين، هذا فضلاً عما هو معلن من مسؤولين في الإدارة الأمريكية الجديدة حول كوريا الشمالية، ومنها ما قاله مسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي من أن “ترامب سيسعى إلى نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية بالكامل، كما فعل خلال ولايته الأولى”.

كوريا الشمالية وتقدير المواجهة الحتمية

وفي مقابل التغييرات الأمريكية، كانت كوريا الشمالية تطور قدراتها العسكرية وصواريخها البالستية، بالموازاة مع تطوير علاقاتها التحالفية لاسيما مع روسيا التي وقعت معها مؤخراً معاهدة استراتيجية. وعلى خلفية العداء الأمريكي غير المخفي بوجهيه الجمهوري والديمقراطي، أكملت كوريا الشمالية استعداداتها لمواجهة التحديات والمخاطر، ومنها ما يراه زعيمها مواجهة حتمية مع القوى المعادية، وخلال تفقده منشأة لإنتاج المعدات النووية، حذر كيم من “مواجهة حتمية مع الدول المعادية والشريرة”، تفقده وأضاف أن  بلاده تواصل العمل على برنامجها النووي “إلى أجل غير مسمى”، مشدداً على أن “عام 2025 سيكون حاسماً لتعزيز قوة بلادنا النووية”. ونقلت وكالة الأنباء الكورية الشمالية عنه قوله، إن “مهمتنا النبيلة الثابتة هي تطوير وضعية رد الدولة النووي إلى أجل غير مسمى”.

كلام كيم جاء بعد أيام قليلة من تجربة صاروخية جديدة أجرتها القوات المسلحة للبلاد لأول مرة منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. علماً أنه وقُبَيل حفل تنصيب الرئيس الأمريكي، كانت كوريا الشمالية قد أطلقت صواريخ باليستية عدة قصيرة المدى. ووفقاً للوكالة نفسها، فإن الصواريخ الموجهة من البحر إلى السطح في التجربة الأخيرة، قطعت مسافة 1500 كيلومتر وحلّقت مدة تتراوح من 7507 إلى 7511 ثانية قبل أن تصل إلى أهدافها. موضحة أن عملية الإطلاق لم يكن لها أي تأثير سلبي على أمن الدول المجاورة.

وعلى خلفية التجربة الصاروخية الجديدة التي وضعتها، وكالة الأنباء المركزية في إطار “خطط لبناء قدرات الدفاع الوطني ضد الأعداء المحتملين بما يتماشى مع ظروف السلامة المتغيرة في المنطقة”، قال الزعيم الكوري الشمالي إن وسائل الردع الحربية لكوريا الشمالية يجري “تطويرها وإتقانها بشكل أكثر شمولا”، متعهداً بمواصلة الجهود الرامية لتعزيز قدرات الجيش.

الرد على النوايا الأمريكية المعادية المعلن منها والمضمر، عبّرت عنه أيضاً خارجية بيونغ يانغ، تعهدت وزارة الخارجية في كوريا الشمالية باتخاذ “أشد الإجراءات المضادة صرامة” تجاه الولايات المتحدة ما دامت واشنطن تنتهج موقفاً يتعارض مع سيادة البلاد. وتابعت “هذه هي أفضل طريقة للتعامل مع الولايات المتحدة”. وقالت الوزارة في بيان نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية إن تزايد حدة التوتر في المنطقة أساسها المناورات المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة وتحالفهما العسكري.

الحزب الحاكم يتبنى أشد استراتيجية للمواجهة

وتأتي التجارب الصاروخية الجديدة لكوريا الشمالية ترجمة عملية لقرار اتخذته القيادة العليا بتعزيز القدرات النووية وتطويرها. وفي هذا السياق كانت وكالة الأنباء المركزية قد كشفت عن اجتماع حزبي عقد نهاية العام الماضي تحت إشراف زعيم البلاد، تبنت بيونغ يانغ خلاله إطلاق “أشد” إستراتيجية لها لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. وبحسب الوكالة فإن الاجتماع العام السنوي للجنة المركزية لحزب العمال الكوري الحاكم استمر مدة 5 أيام كجزء من حملة لرسم مسار البلاد لعام 2025. وقال تقرير الوكالة “إن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر رجعية التي تعتبر معاداة الشيوعية سياسة دولة ثابتة. وخلال الاجتماع انتقدت اللجنة العليا للحزب الحاكم العلاقات المتنامية بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان، قائلة إنها “توسعت إلى كتلة عسكرية نووية عدوانية، تحولت معها كوريا الجنوبية إلى موقع متقدم معاد للشيوعية”. مشيرة إلى “أن هذا الواقع يظهر بوضوح الاتجاه الذي يجب أن نتقدم فيه وما يجب أن نفعله وكيف”. وعلى هذه الخلفية تقول وكالة الأنباء المركزية لكوريا الشمالية، أوضح خطاب كيم أمام كبار المسؤولين “إستراتيجية أقوى عمل مضاد للولايات المتحدة يجري إطلاقه بقوة”. كما أمر كيم خلال الاجتماع نفسه بتطوير التكتيكات الحربية لتلبية متطلبات الحروب الحديثة ومحاولات الحروب المتغيرة من قبل “الأعداء”، داعياً إلى استمرار تحسين قدرات الجيش الحربية.

خاتمة

تؤشر المواقف الأمريكية المعلنة اتجاه كوريا الشمالية، واستعدادات الأخيرة للمواجهة إلى تصعيد في التوتر بين الجانبين، ومسار هذا التصعيد ومآله يبقى رهناً بالخطوات التي ستقدم عليها الإدارة الأمريكية الجديدة، فهل تنفع دبلوماسية اللقاءات، أم أن التطورات تجاوزتها؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *