إقليميات

محطات من حياة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي

بقلم نوال النونو

واحدة من هذه القصص التراجيدية، الممزوجة بالآلام، والأحزان، والمليئة بالكثير من الدروس، والعبر، كانت للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رحمه الله – مؤسس المشروع القرآني في مديرية مران بمحافظة صعدة أقصى شمال اليمن.

في البداية، كان الشهيد العلامة الحسين بدر الدين الحوثي، وهو أيضاً نائب في البرلمان اليمني، وسياسي من الطراز الأول، قد استشرف قراءة المستقبل، بعد التحركات الأمريكية في المنطقة واحتلال أفغانستان والعراق، وكان ينتابه الحزن لحالة الخضوع والذل والاستكانة التي أصابت الأمة، وعدم تحركها لمناهضة أمريكا، ومواجهة مشاريعها الاستكبارية، وكان يرى أن بلاده اليمن لن تكون في منأى عن هذه المخاطر، وأن الأمريكيين يتحضرون لاحتلالها كبقية البلدان.

كذلك، كان يحزن لحال رجال الدين الذين فضلوا الانزواء في المساجد، ويكتفون بتدريس طلابهم جوانب من الفقه في كيفية الوضوء والتيمم ومبطلات الصلاة، دون أن يكون لهم أي دور في توعية الأمة وتثقيفها نحو المخاطر التي تواجهها، وتبيين العدو الحقيقي للناس.

لذلك سلك السيد حسين بدر الدين الحوثي – رحمه الله – مساراً مغايراً، وبدأ في إلقاء محاضرات مكثفة في قريته “مران” بصعدة، مركزاً على التثقيف والتوعية للناس بالخطر الأمريكي المحدق على الأمة، محاولاً استنهاض الناس، وإخراجهم من حالة الصمت والخنوع التي كرسها في نفوسهم نظام علي عبد الله صالح، ولهذا قال ذات مرة في حشد كبير من الناس: أقول لكم أيها الإخوة اصرخوا، ألستم تملكون صرخة أن تنادوا: [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

أليست هذه صرخة يمكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟ بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة، وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد – بإذن الله – ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم – إن شاء الله – في مناطق أخرى.

لم يكن يتوقع الكثيرون في ذلك الوقت أن يتحول مشروع السيد الحسين الحوثي إلى قنبلة مزعجة للأمريكيين، فبعد أشهر من إطلاق الناس للصرخة في صعدة، تحرك السفير الأمريكي بصنعاء، وزار المحافظة، وبدأ بشراء كميات كبيرة من الأسلحة كانت بحوزة المواطنين، وهي أسلحة خفيفة، ثم تسارعت الأمور، وتم الضغط الأمريكي على نظام صالح لاعتقال مؤيدي هذا المشروع وقمعهم.

سقطت كل دعايات النظام التي كان يتفاخر بها عن الحرية والديمقراطية، وسخر كل جهده لمواجهة المشروع السلمي للشهيد القائد السيد حسين الحوثي، متخذاً أساليب متعددة، منها الاعتقال والتعذيب الشديد لأنصار السيد، وفصل المؤيدين لهذا المشروع من وظائفهم الحكومية، والتحريض الكبير عليهم بدعايات كاذبة وسوداء، وأرسل الوساطات إلى السيد الحسين بن بدر الدين للتوقف عن نشر فكره ومنهجه، ودخل النظام في حالة طوارئ، كل همه كيف يقضي على هذا المشروع ويوقف تمدده.

وبعد زيارة للرئيس صالح إلى أمريكا، عاد الرجل بمشروعه الخاص، حيث حرك الجيش اليمني للتوجه نحو منطقة “مران” لاعتقال السيد حسين بدر الدين بطريقة فجة، ومفاجئة، وبطغيان لا مثيل.

لم يكن الشهيد القائد يفكر بالدخول في حرب مع النظام، كان همه هو كيفية إقناع اليمنيين لمواجهة الخطر الأمريكي الذي يتربص بهم، وكان يأمل أن يتم توعية الجيش اليمني وتهيئته للدخول في الحرب الحقيقية مع الأمريكيين، لكن النظام والأحداث سارت بعكس ما تشتهي السفن.

تقدم جيش الرئيس صالح صوب “مران” مستخدماً كل الأساليب القتالية، وكأنه يخوض حرباً مع دولة أخرى، وليس مع قرية بسيطة يتواجد فيها المئات من المواطنين، ولهذا بدأ الطيران الحربي في القصف العشوائي للقرية، كما لجأ إلى قصفها بصواريخ الكاتيوشيا، وقذائف المدفعية، والدبابات، بالتوازي مع حصار غاشم على القرية، ومنع دخول كل شيء إليها.

لم يجد سكان “مران” أية فرصة للخروج، وفرض النظام عليهم الأمر الواقع، وبات عليهم القتال، وعدم الاستسلام، لكنهم في الوقت ذاته لا يملكون الأسلحة، ولا الذخائر، فهم في الأساس لم يجهزوا أنفسهم لحرب كهذه، بل لم تكن تخطر على بالهم.

تقدم الجيش نحو القرية، وقاتل الناسُ بضراوة وعنفوان، مستمدين العزيمة من همة وشجاعة السيد القائد الحسين بن بدر الدين الحوثي، ومن مشروعه الذي بدأ ينير قلوبهم، فانكسر الجيش المدجج بكل هذه الأسلحة أكثر من مرة، وتحمل المجاهدون معاناة الحصار، والقصف، ومداواة الجرحى، واضطر الكثيرون لأكل أوراق الشجر، لملء بطونهم الخاوية.

استمر القصف بوتيرته العالية لأكثر من شهرين، واضطر الشهيد القائد للخروج من منزله الذين كان يتعرض للقصف المتواصل مع أسرته، والانتقال إلى جرف في أحد جبال القرية، وتم توصيل مياه إلى الجرف بطريقة مليئة بالتعقيد، كما انتشر أبناء المنطقة في الجبال، يتصدون لجحافل الجيش الكثيرة بكل بسالة وإيمان.

ومع نفاد ذخيرة المجاهدين، ومعاناتهم التي وصلت حداً لا يطاق، وصل جيش النظام إلى القرية، وكل همهم البحث عن مكان السيد القائد، وحين علموا أنه في الجرف، وأن هناك أنابيب مياه تصل إليه، تم فصل المياه عنها، وتعبئتها بمادة (البترول) المشتعلة، ثم أشعلوها، لتصل النيران إلى مكان الشهيد القائد، وأسرته، ولتحترق ملابسهم وتسبب لهم الإيذاء الكبير.

تقدم الجيش بعد ذلك صوب الجرف، مطلقين القذائف عليه، لتسقط صخرة على ظهر السيد القائد الحسين الحوثي، وتسبب له إصابة معينة، وحين نادى الجنود المحاصرين للجرف بالأمان للسيد القائد وأسرته، خرج إليهم، لكن سرعان ما أطلق أحدهم النار عليه، لتصعد روحه الطاهرة إلى بارئها شهيداً كريماً عزيزاً، أمام أطفاله الصغار وأسرته.

ظن النظام أنه قضى على مشروع السيد حسين بدر الدين الحوثي، مقدماً قرباناً لأمريكا وهدية لها بهذا الإنجاز، لكنه تحول إلى رمز للأحرار في اليمن، الذين حزنوا لهذا المصاب، فتحركوا من كل أنحاء اليمن إلى صعدة، ملتفين حول شقيقه الصغير السيد عبد الملك الحوثي الذي تمكن بجدارة وحنكة من قيادة المعركة بعد أخيه لفترات متقطعة استمرت لأكثر من 7 سنوات، وتمكن ومعه كل الأحرار من نقل هذا المشروع من إطاره الضيق إلى العالمية، ولولا هذا المشروع كما يقول اليمنيون لما تمكن اليمن من التنكيل بالأمريكيين في البحار، ومن توجيه أقسى الضربات للكيان الصهيوني، ومن هزيمة نظام صالح، وكل الموالين له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *