ترامب والدعوة إلى تهجير فلسطينيي غزَّة
بقلم توفيق المديني
في الوقت الذي يعاني فيه سكان قطاع غزَّة من دمار حرب الإبادة الجماعية التي شنَّها الكيان الصهيوني ومعه الإمبريالية الأمريكية منذ سنة وأربعة أشهر، إذْ يعيش حوالي 1.8 مليون فلسطيني من دون مأوى، وهم في أمسِّ الحاجة إلى تنظيم توزيع المساعدات الإنسانية..
وحسب تقدير الامم المتحدة فإنَّ حجمَ الضرر المباشر للبنى التحتية في قطاع غزَّة يقدر بنحو18.5 مليار دولار، وتكلفة الاخلاء لحوالي 50 طن من الأنقاض قُدِّرَ بنحو 1.2 مليار دولار، وإعادة إعمار غزَّة تحتاج الى 40 مليار دولار، وهي يمكن أن تستمر حتى العام 2040 وربما أبعد من ذلك بكثير، ها هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعو إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع عزَّة إلى كل من مصر والأردن.
خطة ترامب تخدم اليمين الصهيوني المتطرف
وتأتي تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أدلى بها مؤخراً، والتي تتذرع بالوضع الإنساني في غزّة، لخدمة أهداف المخطط الصهيوني التأسيسي لحرب الإبادة الجماعية باعتبارها حرباً صهيونية – أمريكية، كانت تستهدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة، ولا تزال. فهو تطهير عرقيّ مدفوع هذه المرّة بالإبادة الجماعية الصريحة، فإنْ لم تدفع الإبادة السكان للهجرة، وكان التساوق مع الأمر عربيّاً بالغ الصعوبة، يمكن تالياً دفع الفلسطينيين إلى الهجرة بالدمار والبؤس.
يوم الأحد الماضي، اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة توطين مليون ونصف المليون من الفلسطينيين من سكان غزة في الأردن أو في العراق، كجزء من خطة غايتها “فقط تنظيف” القطاع. بل لقد اقترح مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إعادة توطين جزء من سكان غزة في إندونيسيا. وقال ترامب في تعقيب على اتصاله السبت بالعاهل الأردني الملك عبد الله “قلت له أود أن تستقبل المزيد (من سكان غزة) لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وهو في حالة من الفوضى، إنها فوضى عارمة. أود منه أن يستقبل السكان”. وأضاف “أود أن تستقبل مصر أيضاً أشخاصاً”، مشيراً إلى أنه سيتحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ووصف غزة بأنها “موقع مهدّم”، وقال: “نحن نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص تقريباً، وسنقوم فقط بتنظيف كل هذا المكان”. وأضاف أن هذه الخطوة “يمكن أن تكون مؤقتة” أو “قد تكون طويلة الأمد”. وفي حديثه للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية “إير فورس وان” السبت الماضي، قال ترامب إنَّه رفع القيود عن إرسال قنابل وزنها 2000 رطل (طن واحد) إلى الكيان الصهيوني.
فقد نقل موقع أكسيوس الإخباري عن الرئيس الأمريكي ترامب أنَّه تحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن نقل الفلسطينيين من غزَّة إلى مصر، وذلك بعد يومين من دعوته إلى “تطهير” القطاع. ونسب الموقع إلى ترامب قوله إنَّه يريد لفلسطينيي غزة أن يعيشوا في مكان خالٍ من العنف، وإنَّ القطاع كان بمنزلة الجحيم على مدى سنوات عديدة. وأضاف ترامب – حسب المصدر نفسه – أنَّه يرجح قبول الرئيس المصري وملك الأردن استقبال الفلسطينيين من غزة.
وفي ردٍّ على سؤال بشأن تأييده حل الدولتين، قال الرئيس الأمريكي إنَّه سيناقش ذلك مع رئيس الحكومة الصهيونية نتنياهو عندما يزور البيت الأبيض، حسب ما نقله أكسيوس. وفي الإطار نفسه، قالت الخارجية الأمريكية إنَّ وزير الخارجية ماركو روبيو بحث – يوم الاثنين الماضي – مع ملك الأردن عبد الله الثاني تنفيذ وقف إطلاق النار في غزَّة، والإفراج عن “الرهائن”، ورسم مسار للأمن والاستقرار في المنطقة، من دون أن تشير إلى مقترح ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين. وتأتي التصريحات الجديدة التي نسبها موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي لترامب، بعد أن رفضت مصر والأردن مقترحه بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

اليمين الصهيوني المتطرف وسياسة التطهير العرقي
سارع وزير المالية في حكومة الاحتلال، المستوطن بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي المستقيل المتطرف إيتمار بن غفير لمباركة ترامب والثناء عليه. ما قاله ترامب أخيراً مطابق لما قاله سموتريتش، فترامب يتحدث عن تهجير نصف سكان قطاع غزّة، ويتذرع بالوضع الذي خلقته الحرب الصهيونية لتسويغ ذلك.. في تغريدة عبر منصة إكس، أعرب إيتامار بن غفير، اليميني المتطرف ووزير الأمن الوطني السابق في الكيان الصهيوني، عن تأييده لمقترح ترامب.
سوف يمهد هذا التطهير العرقي السبيل أمام مشاريع الاستعمار اليهودي وتحويل غزة إلى مركز تكنولوجي لكل ما يتعلق بالمستقبل، وهو ما لم يزل نتنياهو يحلم به.يتماهى ترامب من خلال هذه الخطة مع الحركة طويلة المدى للصهيونية، وبشكل أدق، مع غايات الحرب التي وضعها اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني .
في العشرين من ديسمبر (كانون الأول)، كان بن غفير قد ذكر مجدداً مقترحه الذي يقضي “بتشجيع الهجرة الطوعية” لسكان غزة حتى يتسنى إعادة استعمار هذه المنطقة الفلسطينية التي انسحب منها رئيس الحكومة الصهيونية السابق آرييل شارون في عام 2005. وذلك من وجهة نظره يعتبر ضرورة ملحة للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، كما أنه حل أفضل للسكان المقيمين في غزة، وعن ذلك قال: “غزة غير صحية، بينما تحتاج البلدان الأخرى إلى الأيدي العاملة، ولذلك من الأفضل لهم أن يكونوا هناك”. في المناسبة ذاتها، ذهب إلى أبعد من ذلك عضو البرلمان الإسرائيلي زفي سوكوت، عضو الحزب الصهيوني الديني، حين قال: “أخبر بلدان العالم التي تتعاطف بأخلاقية منافقة مع الغزيين أنهم – أي فلسطينيو غزة – سوف يكونون أكثر أمناً معهم في البلدان الأخرى. إذا كانوا يحبونهم إلى هذا الحد، ينبغي على جنوب أفريقيا أن تأخذ إليها سكان جباليا”. كما هو واضح من تصريحات يوم الأحد، لم يغير وقف إطلاق النار جوهرياً من هذه الرؤية، والتي تعود إلى منشأ الصهيونية.
رفض مصري وأردني لسياسة التهجير
يوم الأحد الماضي، قالت الخارجية المصرية إنَّ مصر ترفض أي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل الفلسطينيين من أرضهم. وفي الأردن، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن رفض بلاده لتهجير الفلسطينيين هو أمر “ثابت لا يتغير”. وبيّن في مؤتمر صحافي إنَّ “الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين”. ورفضت حركة “حماس” تصريحات الرئيس الأمريكي، وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم “إن تصريحات ترامب خطرة ومتناسقة مع مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف”، وشدَّد في ذات الوقت على أن مقترح ترامب “لن يمر ولن يقبل به أي فلسطيني”. وأدانت “حركة الجهاد الإسلامي”، التصريحات، وكذلك فعلت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، ونواب عرب في “الكنيست” الصهيوني.
الكيان الصهيوني والتطهير العرقي في فلسطين
يشير مصطلح التطهير العرقي إلى الإزالة المنظمة والقسرية لمجموعات عرقية أو دينية من المناطق التي يعيشون فيها. وفيما يتعلق بالتطهير العرقي في فلسطين، فإنَّه بدأ منذ نشأة الكيان الصهيوني في عام 1948، الذي قام بإخلاء السكان الفلسطينيين من أراضيهم عن طريق القتل الجماعي والتهجير القسري، ومحو وإزالة كل ما يثبت الوجود الجسدي والتاريخي والثقافي للشعب الفلسطيني المهجر، وبالتالي محو تاريخهم الثقافي من المنطقة.
وينقض الكاتب إيلان بابيه الرواية الإسرائيلية عن حرب 1948 ليؤكد أن طرد الفلسطينيين لم يكن مجرد هروب جماعي وطوعي للسكان بل خطة مفصلة جرى وضع اللمسات النهائية عليها في اجتماع عقده دافيد بن غوريون في تل أبيب يوم 10/3/1948 بحضور عشرة من القادة الصهيونيين، وتضمنت أوامر صريحة لوحدات الهاغاناه باستخدام شتى الأساليب لتنفيذ “الخطة دال” التي وضعتها “إسرائيل” سنة، 1948، وتحتوي على سلسلة منظمة من وسائل التطهير، التي يتطابق كل منها مع الوسائل الواردة في تعريف الأمم المتحدة للتطهير العرقي، كما أنها تشكّل الخلفية للمذابح التي رافقت مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ النهائية، يشكل حسب هذه التعريفات، حالة تطهير عرقي ثابتة.
وتتمثل هذه الخطة في إثارة الرعب، وقصف القرى والمراكز السكنية، وحرق المنازل، وهدم البيوت، وزرع الألغام في الأنقاض لمنع المطرودين من العودة إلى منازلهم. وقد استغرق تنفيذ تلك الخطة ستة أشهر. ومع اكتمال التنفيذ كان نحو 800 ألف فلسطيني قد أُرغموا على الهجرة إلى الدول المجاورة، ودمرت 531 قرية، وأخلي أحد عشر حياً مدنياً من سكانه. وهذه الخطة، بحسب ما يصفها إيلان بـابـيه، تعتبر، من وجهة نظر القانون الدولي، “جريمة ضد الإنسانية”.

مخطط بن غريون للتطهير العرقي
إنَّ استراتيجية الجيش “الإسرائيلي” خلال حرب 1948، كانت تنفيذاً للخطة التي وضعها دافيد بن غوريون و18 من كبار مساعديه السياسيين والعسكريين. وقد كتب بن غوريون الوثيقة بيده في 10/3/1948 قبل بدء الحرب. وشملت الخطة توزيع فلسطين إلى مناطق جغرافية وأوكل لقادة الهاغاناه مهمة تنفيذها عندما تبدأ الحرب. ولخّص بن غوريون الخطة بكل صراحة، عندما قال: يجب استحواذ الجيش اليهودي على أكبر مساحة من أرض فلسطين مع أقل ما يمكن من الفلسطينيين. وكان واضحاً، أن الاحتلال يجب أن يرافقه الطرد الجماعي للفلسطينيين المحليين، مع أعمال قتل لدفع الناس للرحيل، خوفاً على حياتهم.
ركز بن غوريون عمله على تنفيذ خطة التطهير العرقي ومقاومة المحاولات العربية لمنع اليهود من الاستيلاء على فلسطين، معتمداً على قدرة القوات اليهودية، بدأ تنفيذ خطة تطهير فلسطين من سكانها – الخطة دال (د) – أوائل شهر نيسان/أبريل من عام 1948م. وقد حددت الأوامر العسكرية لتنفيذ الخطة وهي تدمير القرى العربية وطرد سكانها كي يصبحوا عبئاً اقتصادياً على القوات العربية العامة.
وتتذكر شولاميت ألوني المجندة حينذاك برتبة ضابط كيف كان المفوضون السياسيون يأتـون إلى الجنود ويحرضونهم؛ فيصورون الفلسطينيين شياطين، ويستحضرون الهولوكوست وضرورة العمل على منع تكرارها في إشارة إلى العمليات المتوقعة. صدرت الأوامر بنسف مباني الشيخ جراح في نيسان / إبريل 1948؛ لكن البريطانيين أوقفوا تنفيذ الأمر.. “بيّن الموقف البريطاني كم كان مصير كثير من الفلسطينيين سيختلف لو أن القوات البريطانية تصرفت نفس الشيء في أمكنة أخرى.
فالقوات البريطانية وقفت تتفرج على أعمال القتل الجماعي والتدمير في مدن حيفا ويافا وصفد وطبرية”. في الحقيقة، امتنع البريطانيون عن القيام بأي تدخل جدي منذ تشرين أول / أكتوبر 1947، ولم يحركوا ساكناً بوجه محاولات القوات اليهودية للسيطرة على المخافر الأمامية، كما لم يحاولوا إيقاف تسلل متطوعين عرب بأعداد قليلة. لقد سمحت بريطانيا بحدوث تطهير عرقي جرى تحت سمع وبصر جنودها وموظفيها.. كما أعاقت جهود الأمم المتحدة للتدخل بطريقة كان من الممكن أن تؤدي إلى إنقاذ كثير من الفلسطينيين. أما الأمم المتحدة فلا يمكن تبرئتها من ذنب التخلي بعد 15 أيار عن الشعب الذي قررت تقسيم أرضه وسلمت أرواحه وأرزاقه إلى اليهود، الذين كانوا منذ القرن التاسع عشر يريدون اقتلاعه والحلول مكانه في البلد الذي اعتقدوا أنه ملك لهم.
خاتمة
تعدُّ الإمبريالية الأمريكية الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية التي يقودها منذ سنة وأربعة أشهر، ولا سيما الدعم العسكري والاستخباراتي والدبلوماسي، وهذا يعود إلى طبيعة “إسرائيل” بوصفها قاعدة أمريكية استراتيجية متقدمة مغروسة في قلب العالم العربي. فقد كانت العلاقة بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الصهيوني فريدة منذ قيامها في سنة 1948، وبعد 11 دقيقة فقط جعل الرئيس هاري ترومان الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف بتأسيس الكيان الصهيوني في 15مايو1948.
وعلى الرغم من أنَّ معظم الرؤساء الأمريكيين يتحدثون عن حل الدولتين، فيما يتعلق بتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فإنَّ الولايات المتحدة، في سياستها الخارجية ترفض رفضاً قاطعاً إنشاء دولة فلسطينية. وسياسة ترامب تنتهج السياسة عينها، أي رفض حل الدولتين، وإجبار الأنظمة العربية على إقامة علاقات تطبيعية مع الكيان الصهيوني، لا سيما المملكة السعودية وسورية الولايات المتحدة الأمريكية.