نظرة استراتيجية لعام 2025 ملخص مناقشة التفكير الاستراتيجي
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
الرؤى والتوصيات – المنهجية
تمر دولة إسرائيل بواحدة من أكثر الفترات المصيرية لمستقبلها، حيث القضايا المرتبطة بالأمن والمناعة الوطنية مترابطة مع بعضها البعض.
من أجل صياغة وتقديم الأفكار والتوصيات ومن أجل وضع الاستراتيجية والسياسة الخاصة بدولة إسرائيل، أجرى معهد السياسة والاستراتيجية جلسة عصف ذهني في جامعة رايخمان بمشاركة كبار المسؤولين الحاليين والسابقين في مجالات الأمن والدبلوماسية والقانون والاقتصاد والتعليم. وكمنصة للنقاش وأساس لصياغة التوصيات، تم طرح الأسئلة على المشاركين مسبقاً بشأن القضايا المركزية.
وفي هذا الإطار، قمنا، من بين أمور أخرى بدراسة: السياسة الموصى بها لتحقيق أهداف الحرب ضد حماس، وفي مقدمتها إعادة المختطفين والمختطفات أحياء وإسقاط حكمها؛ السياسة الموصى بها للتعامل مع التهديد الإيراني، مع التركيز على إمكانية صياغة اتفاق النووي 2.0 أمام الاختراق للحصول على القنبلة النووية؛ السياسة المقترحة لبداية فترة ترامب رئيسا للولايات المتحدة.. كيف ينبغي لإسرائيل أن تتحرك لتعزيز التطبيع مع السعودية وتعزيز التحالف الإقليمي بقيادة الولايات المتحدة؛ المناعة الوطنية كركيزة أساسية في الأمن القومي، وكيفية التعامل مع إضعاف المكونات الأساسية للمناعة الوطنية وفي مقدمتها الانقلاب وقانون التهرب من الخدمة العسكرية.
تم إجراء المناقشة في ثلاثة أجزاء، في الجزء الأول تم تقديم رؤية استراتيجية شاملة للوضع الذي تجد دولة إسرائيل نفسها فيه. وفي الجزء الثاني تم تقسيم المشاركين في المناقشة إلى ثلاث مجموعات، كل منها تناقش قضايا مختلفة تؤثر على الأمن الوطني والقدرة على الصمود. وفي النهاية تم عقد اجتماع شامل تم خلاله عرض وتحليل الأفكار والتوصيات التي خرجت خلال الاجتماع. وفي ما يلي أهم الأفكار والتوصيات التي ظهرت خلال المناقشات:
الرسالة الرئيسية
انتهى عام 2024 بإنجازات عسكرية باهرة حققها الجيش الإسرائيلي في كافة المجالات لذلك، فإن صياغة استراتيجية شاملة أمر ضروري لترجمة النجاحات العسكرية إلى ثمار سياسية، والرد على التحديات غير المسبوقة في الداخل والخارج التي تواجهها دولة إسرائيل.
ويتم التركيز على عودة جميع المختطفين أحياءً في اتفاق شامل، فحياتهم في خطر كل يوم يبقى عدد من الأشخاص في أنفاق حماس وهذه ضرورة أخلاقية وشخصية سياسية وأمنية عليا. وهذا يعني أن إسرائيل يجب أن تعمل أيضاً على التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراحهم بثمن إنهاء الحرب. وإلى جانب ذلك، لا بد من تعزيز نهج سياسي بعيد النظر وواسع النطاق، أولاً وقبل كل شيء، من أجل إنهاء الحرب ومعالجة التهديد المتعدد الأبعاد من إيران، التي تواصل السعي لتحقيق خيار الأسلحة النووية واستعادة حزام النار حول إسرائيل. والذي لا يزال يشكل تهديداً خطيراً للمنطقة. إسرائيل أمام فرصة تاريخية، نتيجة الجمع بين إنجازات الجيش الإسرائيلي وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، ولتشكيل واقع سياسي وأمني أفضل وأكثر راحة لها، وسط إضعاف التهديد الإيراني بشكل كبير.
وثمة أهمية لإمكانية إقامة اتفاق التطبيع مع السعودية وتعزيز المحور الاستراتيجي مع الدول العربية بقيادة الولايات المتحدة والمفتاح إلى ذلك يكمن في وقف الحرب في غزة وتقديم أفق سياسي للسلطة الفلسطينية. وإلا، فإن تفويت الفرصة قد يؤدي إلى تفاقم العديد من الصعوبات المتعددة الأبعاد التي تتعامل معها إسرائيل.
إن الركيزة الأساسية للأمن القومي هي القدرة على الصمود الوطني ومستقبل دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. بحلول عام 2025، تواجه إسرائيل أزمة مناعة وطنية حادة وهو ما لم تشهده البلاد منذ تأسيسها، على نحو يقود البلاد إلى شفا أزمة دستورية، وصدام مباشر بين السلطات الحاكمة وانقسامات عميقة في المجتمع الإسرائيلي
اللواء (احتياط) البروفيسور عاموس غلعاد رئيس معهد السياسة والاستراتيجية

البرنامج النووي الإيراني – تهديد وجودي محتمل
أثبتت حرب السيوف الحديدية أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي وضعت هدفها النهائي هو تدمير دولة إسرائيل، تشكل التهديد الرئيسي لأمن إسرائيل. لقد أنشأت إيران وتدير جدار نار حول إسرائيل وتستمر في التقدم في مشروعها النووي العسكري، حتى أنها تقف على عتبة دولة نووية.
سياسة إيرانية برأسين
مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض، تقف إيران عند مفترق طرق، ومن الواضح أنها تنتهج حاليا سياسة ذات رأسين. من ناحية أخرى، هي تتقدم بأنشطتها في المجال النووي وتسعى، كما ذكرنا، إلى ترسيخ مكانتها، على الأقل كدولة عتبة نووية. ومن ناحية أخرى، انطباعنا هو أن طهران تدرس إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إدارة ترامب. وتواصل سياسة التقارب مع الدول العربية السنية وفي مقدمتها السعودية ومصر، وتعزيز المحور الاستراتيجي مع روسيا والعلاقات الاقتصادية مع الصين.
في المجال النووي، تنتهج إيران سياسة تهدف إلى السماح لها، رهناً بقرار القائد الاختراق وتحقيق القدرة النووية في أقصر وقت ممكن. إيران تمتلك حالياً كمية من اليورانيوم المخصب إلى مستوى 60%، وهو ما يكفي، إذا تم تخصيبه إلى مستوى عسكري لإنتاج بعض القنابل.
تم الإعلان مؤخراً عن توسعها بشكل كبير قدرات التخصيب. في الواقع، تستطيع إيران، خلال فترة قصيرة من الزمن، تخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم إلى المستوى العسكري بنسبة 90%. السؤال الرئيسي يتعلق بمعدلات التقدم في الركائز الأخرى الأساسية لتطوير القدرات النووية العسكرية، وفي مقدمتها تطوير آلية التفجير. كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الأمريكية يقدرون أن إيران قد تطور أسلحة نووية خلال “بضعة أشهر منذ لحظة اتخاذ القرار”.
حتى وزير الخارجية الإيراني عراقجي قال مؤخراً إن إيران تمتلك القدرة والمعرفة لإنتاج الأسلحة النووية، لكن هذا ليس جزءاً من مفهومها الأمني. والمعنى المقصود من كلامه هو أن إيران لا تعمل على تطوير الأسلحة النووية في هذه المرحلة كقرار استراتيجي. ومن الجدير بالذكر أن إيران كانت منخرطة في الماضي في خطط لتطوير الأسلحة النووية، وهو ما تم الكشف عنه ًفي وثائق الأرشيف النووي الإيراني. ويشير هذا إلى أنه في أسوأ السيناريوهات، يجب الأخذ في الاعتبار أنها قد تمتلك (جهازاً تفجيرياً واحداً على الأقل) في حوزتها يمكن استخدامه للتجريب او بمثابة سلاح غير متطور. وهذا يعني أن مقدار الوقت الذي ستستغرقه إيران لتحقيق قنبلة واحدة قد يكون قصيرا نسبياً.
لقد اتبع النظام الإيراني حتى الآن سياسة حذرة وامتنع عن الاختراق نحو القنبلة النووية. ويجب إعطاء أهمية خاصة للتعيينات التي تتم في قمة النظام على رأسهم اختياره الرئيس بازاكيان (جراح القلب، خريج جامعة هارفارد)، وتعيين وزير الخارجية (الذي كان أحد مهندسي الاتفاق النووي (قبل نحو عقد من الزمان) نائباً الرئيس للشؤون الاستراتيجية، وتعيين عراقجي (الذي كان اليد اليمنى لظريف في منصب وزير الخارجية إلى جانب كلام الزعيم الإيراني بأنه من الممكن الحفاظ على المفاوضات مع الغرب كل هذا قد يشير إلى أن التوصل إلى اتفاق في الوقت الراهن هو الخيار المفضل لدى النظام، للحفاظ على وضع إيران كدولة عتبة نووية عسكرية.
ومن ناحية أخرى، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه في السيناريو الذي تفشل فيه المفاوضات، قد يتخذ الزعيم قراراً بالاقتحام نحو قنبلة نووية اعتقادا منه أن هذا قد يشكل شهادة التأمين الوحيدة للنظام وضمانة مستقبله لاستعادة حزام النار حول إسرائيل.
المعاني والتوصيات
إن إمكانية حصول إيران على القدرة النووية العسكرية تحمل العديد من المخاطر بالنسبة لدولة إسرائيل. إنها، في المقام الأول، مزيج من القدرات التدميرية والأيديولوجية المتطرفة مما قد يشكل تهديداً وجودياً محتملاً لإسرائيل.
علاوة على ذلك، فإن وجود أسلحة نووية في أيدي إيران ستضر بمكانة إسرائيل الإقليمية وتزيد من ثقة النظام وحلفائه في مختلف أنحاء الشرق الأوسط على تحدي إسرائيل على المستوى التقليدي. قد يؤدي ذلك إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، بل ويشجع حتى الدول على الساحة العالمية (مثل اليابان وكوريا الجنوبية) على القيام بالسعي لامتلاك الأسلحة النووية العسكرية. ومن المرجح أن تركيا ومصر وخصوصاً المملكة العربية السعودية ستسعى أيضاً إلى تحقيق هذه القدرات. ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صرح بالفعل في عدة مناسبات أنه إذا امتلكت إيران أسلحة نووية، فإن المملكة العربية السعودية سوف تمتلكها أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك، قد تسعى الدول العربية إلى تعميق عمليات المصالحة والتقارب مع إيران، ربما على حساب إسرائيل، في محاولة لتقليص التهديد من قبلها على أمنها القومي.
وفي العام الماضي، نجحت إسرائيل في إلحاق أضرار جسيمة بالحزام الناري الذي بنته إيران من حولها والآن أصبحت لدى إسرائيل الفرصة لتركيز جهد خاص على وقف المشروع العسكري النووي. ولتحقيق هذه الغاية، من المهم والضروري أن تحدد دولة إسرائيل هدفها النهائي بمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، وبناءً على ذلك تصميم مفهوم استراتيجي شامل ومحدث، بالتعاون الكامل مع الادارة الأمريكية.
هناك ركيزتان رئيسيتان لذلك، الأولى هي السعي إلى التوصل إلى اتفاق نووي 2.0 مع إيران، والذي من شأنه أن يشمل وتتضمن مكوناته ضمانات وإجراءات وقائية تمنعها من الحصول على الأسلحة النووية.
إسرائيل تحتاج الضمان بأنها ستكون مشاركة منذ البداية في المفاوضات بين إدارة ترامب وإيران للتأثير على عناصر الاتفاق. على سبيل المثال، ينبغي لإسرائيل أن تطالب كخط أحمر بان تكف إيران عن جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 5%، ودون حد زمني، وأن تقلل بشكل كبير من كميات اليورانيوم التي بحوزتها، وتمكن من مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك عمليات التفتيش المفاجئة، دون قيود أما الركيزة الثانية فهي المحور الإقليمي.
إسرائيل تواجه فرصة للتقدم نحو اتفاق التطبيع التاريخي مع السعودية وتعميق التحالف الإقليمي مع الدول العربية، بقيادة الولايات المتحدة ضد المحور الإيراني، وقد أثبتت فعالية هذا التحالف في احتواء الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل في نيسان وتشرين الأول 2024. وفي الوقت نفسه، يتعين على إسرائيل أن تستعد لموقف تفشل فيه المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد، وتقرر تحقيق اختراق لتحقيق القدرة النووية العسكرية.
لذلك، إلى جانب المسار السياسي، يقترح أن تتبنى إسرائيل سياسة من شأنها أن تعطي مضموناً حقيقياً لكلمات الرئيس ترامب، الذي أعلن أن كل الخيارات ضد إيران مطروحة على الطاولة، ومن ضمنها الخيار العسكري والمعنى هو إن إسرائيل بحاجة إلى دراسة مجموعة واسعة من الاعتبارات الاستراتيجية، مع ضمان التعاون وتنسيق العمل الكامل مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، يجب توخي الحذر والحساسية في التصريحات الإعلامية الضارة ما قد يدفع إيران فعلياً إلى تحقيق اختراق في الحصول على الأسلحة النووية كبطاقة تأمين، انطلاقاً من شعور كبير بالتهديد.
وعلى المدى المتوسط والطويل، ومع إدراك أن أيديولوجية النظام المتطرفة والقاتلة لن تتغير، والبعد الزمني له أهمية ثانوية بالنسبة له، من المستحسن أن تتقدم إسرائيل بخطة لإسقاط النظام أو على الأقل تقويض استقراره ولتحقيق هذه الغاية، يجب من بين أمور أخرى، الاستفادة من نقاط الضعف الاقتصادية والبنيوية في المجتمع الإيراني، بالتعاون مع حلفائنا في الساحتين الدولية والإقليمية.