إقليميات

أمريكا تفاوض “حماس” مباشرة وقلق إسرائيلي

بقلم زينب عدنان زراقط

فهل نجحت المفاوضات المباشرة بين أمريكا والمقاومة الفلسطينية “حماس” وإلى أين وصلت؟ وماذا عن موقف إسرائيل ومما أبدت قلقها؟. 

في مبادرةٍ رعتها الجهود القطرية، بناءً على طلب الادارة الأمريكية بالاجتماع المباشر مع حماس في الدوحة للتفاوض حول جندي أمريكي وجثامين عسكريين آخرين محجوزين لدى حماس، مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل… “ترامب” لا يساوم على جمهوره وسوف يفعل المستحيل كي لا يطلق عليه هو الآخر صفة “مجرم حرب” كما لُقِّبَ سلفه “بايدن”، وإضاعة الجنود الأسرى الأمريكان لدى المقاومة الفلسطينية بسبب المعرقلات الإسرائيلية وغوغائية نتنياهو الأنانية.

ترامب يعترف بصراحة بقوة الطرف الآخر، ولأنه مدرك بالضعف والوهن الإسرائيلي على الرغم من تزويده بكل عتاد الحرب وأسلحته – المحرمة منها دولياً – والرضوخ الدولي أمامه والإجازة له بالإبادة، إلا أنه عجز عن صدّ فئةٍ قليلة بعتادها المحلي والبسيط وتحت الحصار.. فلا إبادة ولا حرب عسكرية ولا حصار ولا تجويع ولا تهديد، كل هذا لم ينفع مع هذه المقاومة وحاضنتها الشعبية، وإن أعاد ترامب الكرة مع نتنياهو، لن يفيده ذلك بشيء لأنه بات مدركاً بالعجز الإسرائيلي أمام هذه المقاومة. وفي المقلب الآخر، سلّم بقدرة حماس وكينونتها واعترف بوجودها الكامل كمقاومة وجيش وعسكر فلسطيني حرّ، وجلس الموفد الأمريكي قبالة عناصر حماس على طاولة واحدة للتفاوض، “هاتِ ما لديك، وهذا ما عندنا”، والحسم بالنهاية “للقوي” الذي بيده زمام العقدة، “حماس” هي من تفرض شروطها على أمريكا!.

فيما تسعى إسرائيل بشكل أساسي لتمديد المرحلة الأولى، بهدف استعادة مزيد من الأسرى بغزة، من دون أن تقدِّم ضمانات واضحة بالتزامها بالانسحاب من “محور فيلادلفيا” الذي كان من المقرر أن يبدأ مع انتهاء المرحلة الأولى، التي انتهت فعلياً منتصف ليل السبت – الأحد الماضي. وبعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والضبابية التي تخيم على مفاوضات المرحلة الثانية. وأمام هذا العناد المدفوع بضغوط قوية من اليمين المتطرف، أجرت الإدارة الأمريكية، في سابقة لم تحدث من قبل، مباحثات مباشرة مع مسؤولي حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” في الدوحة، وصفت بالإيجابية، وكانت على وشك الخروج بصفقة ثنائية، وهو ما أثار حفيظة الحكومة الإسرائيلية التي رأت في هذا التحرك تطوراً استثنائياً قد ينسف ما سعت لترسيخه منذ عقود طويلة.

في أول اتصال مباشر ما بين حماس وأمريكا بشأن الأسرى، انطلقت المباحثات المباشرة بين الولايات المتحدة وحماس بناء على طلب من إدارة الرئيس دونالد ترامب، وأوضحَ “آدم بوهلر” المبعوث الأمريكي الخاص بشؤون الرهائن أن محادثات واشنطن مع حماس لا تعني وجود تحالف بل لضمان تقدم المفاوضات، مؤكِّداً على أنه “سنعيد بناء غزة، لكن حماس لن تكون جزءاً من ذلك”. وجرت على 4 جولات بالعاصمة القطرية الدوحة، حيثُ طلبت الإدارة الأمريكية من الحركة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الذين يحملون الجنسية الأمريكية وهو ما رفضته حماس بشكل قاطع، لافتة أن الأسرى المحتجزين لديها والمجنسين بالجنسية الأمريكية هم في الأصل جنود إسرائيليون ومن ثم لا يمكن تحريرهم دون ثمن، فيما كان مقترح المقاومة على واشنطن وقف إطلاق نار لمدة 5 إلى 10 سنوات، مع التزامها بعدم التدخل عسكرياً أو سياسياً” واعتُبُرَ المقترحُ جيداً من جهة أمريكا.

كما تظهر الأوساط السياسية أن 2 من الجولات الأربعة جرت مع وفد رفيع من الحركة بقيادة رئيسها خليل الحية، وحاول الطرفان خلالهما التوصل لصفقة جزئية يتم بموجبها الإفراج عن 5 جنود (جندي حي و4 جثث) يحملون الجنسية الإسرائيلية، وفي المقابل طالبت حماس بالإفراج عن 250 أسيراً فلسطينياً (100 من ذوي المؤبدات و150 من ذوي المحكومات العالية).

وعلى الرغم من الاعتراض بداية الأمر إلا أن المبعوث الأمريكي الذي قاد المفاوضات أبلغ الحركة في النهاية بالموافقة على هذا الطلب، وتم الاتفاق على ذلك في انتظار الرتوش الأخيرة، لولا تحفّظ حكومة الاحتلال على 50 اسماً من ذوي المؤبدات المشمولين بالاتفاق، وهو ما رفضته حماس، التي قالت إنها قد تقبل بالتدخل في 10 أسماء فقط.

الموقف الإسرائيلي والمخاوف

عندما أذاعت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الخبر، معنونةً عددها باجتماع سري ما بين الأمريكان وحماس في الدوحة وضعت نتنياهو في موقف محرج، في إشارةٍ إلى غياب الطرف الإسرائيلي عن هذه المفاوضات. ليتبين أن الإسرائيلي لم يكن على علم بها من أصلها، وبعد تسرّب الخبر لتتناوله جميع الصحف الأمريكية والإسرائيلية، استشاط نتنياهو غضاباً وشكّل ذلك صدمةً بالنسبة له، لأن نجاح المفاوضات سيُملي عليه إنهاء المرحلة الأولى بشروطها والانسحاب من محور فيلادلفيا للتقدم نحو المرحلة التالية والالتزام بكل ما تشترطه حماس على واشنطن ويبقى على الإسرائيلي التنفيذ.

اليوم الوضع تغير بشكل مقلق، فالمفاوض الأمريكي يجلس على طاولة واحدة مع زعيم حركة حماس وبعض قادتها، أربع جولات كاملة، يتبادلان فيها الرؤى ويستعرضان وجهتي النظر المختلفة دون وسيط، فلأول مرة تقدم الحركة رؤيتها للجانب الأمريكي وجهاً لوجه، وهو الأمر الذي أقلق الإسرائيليين من جانبين:

الأول: أن مجرد التفاوض مع حماس على طاولة واحدة وبشكل مباشر هو اعتراف ضمني بالحركة ككيان رسمي له حضوره وكينونته، وممثلاً عن الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو ما ينسف السردية الإسرائيلية التي حاولت الترويج لها لسنوات طويلة بشيطنة حماس واعتبارها منظمة إرهابية لا يمكن الجلوس معها وجهاً لوجه، هذا بخلاف الإقرار بسيطرتها على المشهد كقوة ذات حضور وثقل، ما يفند بشكل جذري مزاعم الاحتلال بالقضاء عليها خلال الحرب.

الثاني: الجلوس مع حماس والاستماع بشكل مباشر من قادتها، بمعزل عن الكيان الإسرائيلي، خطوة تعكس دلالتين، أولها فقدان ثقة الإدارة الأمريكية في المفاوض الإسرائيلي الذي يتعمد وضع العراقيل أمام أي مسار للتهدئة، وهو ما يضع ترامب وإدارته في مأزق ويظهره بمظهر الضعيف في مواجهة نتنياهو، أمام عائلات الأسرى والشارع الأمريكي بصفة عامة.

هذا بخلاف القلق الإسرائيلي من إبرام اتفاقات ثنائية بين أمريكا وحماس، تجد تل أبيب نفسها مرغمة على تنفيذها، بعد أن تجبر عليها كأمر واقع، ما يزيد من حجم الضغوط الممارسة على حكومة نتنياهو، والتي تعاني حتى اليوم من تداعيات اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته مع المقاومة عبر الوسطاء كانون الثاني/يناير الماضي، وتحاول التنصل منه بأي طريقة كانت.

في الختام، على الرغم من الزعم بأنَّ المفاوضات الأمريكية – الفلسطينية لم تنتهِ باتفاقٍ مشترك، إلاَّ أن آخر تصريحات الرئيس الأمريكي الأربعاء 12 مارس/آذار، قال إنه “لن يُطرد أي فلسطيني من قطاع غزة”، ما يعني من حيث الشكل تراجعاً ملحوظاً عن تصريحاته السابقة التي دعا فيها إلى تهجير سكان القطاع لبعض البلدان المجاورة من أجل “تحويله إلى ريفييرا الشرق الأوسط” بعد إعماره بأحدث طرق المعمار العصرية.

نلاحظ أن الرئيس الأمريكي ترامب يعتمد أسلوب الضرب بأرقام كبيرة ليُعاود التفاوض بمعادلات أبسط منها، وها هو بعد أن كان يريد تهجير كل سكان غزة وانتفض العالم واستهجن قراره، خرج الآن ليقول لن يهاجر أحد من غزة، فهل تغيُّر موقفه جاء نتاج ما آلت إليه المفاوضات؟ وهل يستأنف المفاوضات سريعاً لاستعادة الجنود الأسرى والمدنيين الإسرائيليين لدى حماس؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *