قلق أوروبي من تقدم المفاوضات الروسية الأمريكية
بقلم ابتسام الشامي
بينما تستمر المفاوضات بين موسكو وواشنطن بهدف التوصل إلى تسوية تنهي الحرب في أوكرانيا، تنشط بروكسل على خط إيجاد دور لها في المرحلة المقبلة بعدما استبعدتها الولايات المتحدة الأمريكية، من المفاوضات على الرغم من تحملها العبء الأكبر للصراع الدائر منذ أكثر من ثلاث، لاسيما على المستوى الاقتصادي والاستقرار السياسي.
يتحضر الوفدان الروسي والأمريكي لجولة مفاوضات جديدة في العاصمة السعودية الرياض منتصف نيسان المقبل، لاستكمال العمل على إيجاد تسوية للصراع في أوكرانيا، بعدما حسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بضرورة وضع حد للحرب من خلال العمل السياسي والدبلوماسي، وهو ما ترجم في أول اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شهر شباط الماضي، أفضى إلى جولة أولى من المفاوضات التقنية استضافتها الرياض في الرابع والعشرين من آذار الجاري.
وفي وقت يرسل الأمريكيون إشارات إيجابية بشأن فرص التوصل إلى تسوية للصراع، يرتفع منسوب القلق في كل من بروكسل وكييف من إمكانية فرض واشنطن اتفاقاً لوقف إطلاق النار لا يراعي مصالحهما الاستراتيجية، لاسيما في ضوء تعمد الولايات المتحدة الأمريكية استبعاد حلفائها الأوروبيين من المفاوضات، في وقت يشارك فيها الوفد الأوكراني من دون مظلة قوة تتيح له تحسين شروطه أمام روسيا الممسكة بالكثير من أوراق القوة، وفي مقدمها سيطرتها على مساحة استراتيجية من الأراضي الأوكرانية.
أهداف التحالف الجديد
إنهاء الحرب في أوكرانيا على طريقة ترامب كانت قد أثارت استياء الأوروبيين في ظل الاستفراد الأمريكي بمسار الحل السياسي، وفي ما خرج الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي من البيت الابيض مطروداً مهاناً بعد لقائه نظيره الأمريكي الذي أخطره بضرورة القبول بوقف الحرب، فتحت له القصور الرئاسية الأوروبية، بعدما كان البحث قد بدأ عملياً في احتواء تداعيات “عاصفة” ترامب الأوكرانية، وطرحت فكرة إرسال قوات برية إلى أوكرانيا لتأمين النظام، قبل أن تتوسع الفكرة لتصبح تحالفاً أطلق عليه رئيس الوزراء البريطاني اسم “تحالف الراغبين”.
وفي أولى خطوات تأسيس التحالف، سلسلة لقاءات أوروبية للبحث في سبل تقديم الدعم لأوكرانيا، كان آخرها قمة للدول الحليفة لكييف استضافتها باريس يوم الخميس الماضي بمشاركة ممثلين عن نحو ثلاثين دولة. وكان من أبرز المشاركين إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني والمستشار الألماني أولاف شولتس ونائب الرئيس التركي جودت يلماز والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته. القمة التي غابت عنها الولايات المتحدة الأمريكية، أكد المشاركون فيها رفضهم رفع أي من العقوبات المفروضة على روسيا، بينما تباينت آراؤهم حيال شكل الضمانات الأمنية المستقبلية لأوكرانيا ومستواها، حيث بدا واضحا تردد بعض الدول في إرسال قوات إليها من دون غطاء أمريكي.
وبينما حث الرئيس الأوكراني أوروبا، في كلمته خلال القمة، على إثبات أنها قادرة على الدفاع عن نفسها. جاءت كلمة الرئيس الفرنسي لتؤكد على ضرورة إبقاء العقوبات المفروضة على موسكو”، محذراً من أي تراخ سياسي في مواجهة الاستراتيجية الروسية التي تقوم على “التظاهر بالانفتاح على التفاوض، بالتزامن مع تصعيد الهجمات”. وشدد على أن “فرنسا وبريطانيا ستقودان جهود الحلفاء في المرحلة المقبلة”، بينما كشف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن القمة ناقشت سبل “تعزيز قدرات أوكرانيا الدفاعية لتكون في أفضل وضع ممكن عند التفاوض”. بدوره، اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتز أن “رفع العقوبات الآن سيكون خطأ فادحاً”. أما رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن فأكدت بدورها على أن بناء جيش أوكراني كبير يجب أن يكون حجر الزاوية في أي اتفاق سلام، مؤكدة أن قوام الجيش قد يتراوح بين 500 ألف ومليون جندي، ليشكّل خط الدفاع الأول ضد روسيا.
وفي الوقت الذي تتحضر باريس ولندن لإرسال وفد عسكري مشترك إلى كييف لتقييم احتياجات الجيش الأوكراني، ومواقع الانتشار المحتملة للقوات في مرحلة ما بعد الحرب. يعارض بعض الحلفاء الأوروبيين إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا من دون غطاء أمريكي، مخافة أن ينتهي المطاف بتلك القوات إلى محاربة روسيا، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً الكلفة والنقص في القوى البشرية. وهو ما أشار إليه الرئيس الفرنسي، عندما لفت إلى أن بعض الدول وافقت على “إرسال مساهمات عسكرية مستقبلاً، بينما لا تزال أخرى مترددة بسبب غياب تفويض دولي وضمانات أمريكية صارمة”. وأضاف أنه سيطلع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نتائج القمة، مشيراً إلى أهمية التنسيق على الرغم من الاختلاف في المقاربات.
التحالف بعيون الصحف الغربية
تشكيل تحالف عسكري أوروبي لدعم أوكرانيا، لا ينفصل بحسب بعض الخبراء السياسيين عن بعض التطلعات الأوروبية بشأن الاستقلال الدفاعي، وقد سبق للرئيس الفرنسي طرح فكرة تأسيس الجيش الأوروبي للتعامل مع التحديات التي تعصف بالقارة. وفي هذا السياق أشارت دراسة تحليلية أصدرها المعهد الأوروبي للسياسات الخارجية، إلى وجود توجه أوروبي متنامي لاستحضار نموذج كل من الجنرال الفرنسي شارل ديغول الذي دافع عن استقلالية بلاده العسكرية عن التبعية لأمريكا، وشخصية الزعيم تشرشل في تدبيره للعلاقات مع واشنطن في زمن الحرب. وبحسب الدراسة فإن هناك محاولات أوروبية لاستعادة السيادة والقيادة على مظلة حلف الناتو في محاولة لاستباق أي انسحاب أمريكي مفاجئ من الحلف، وسط اعتقاد متنام أن أوروبا واقعة حالياً بين السلم والحرب وتحتاج لإحياء العقيدة القتالية القومية لكل من تشرشل وديغول.
إلى ذلك ترى صحيفة ليبيراسيون الفرنسية أن الحديث عن إنشاء تحالف، ليس سوى أفكار، وهو ما لا يشير في الدبلوماسية إلى تقدم وشيك، لكنها تؤكد في المقابل أن رئيس الوزراء البريطاني يبذل كل ما في وسعه لتشكيل التحالف لحماية أوكرانيا. ووفقاً للصحيفة الفرنسية فإن هدف هذا التحالف الذي يحاول كل من رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي بناءه هو ردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مرة أخرى في حالة دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
بدورها توقفت صحيفة بوليتيكو عند المشاركين في القوة العسكرية. ونقلت عن مسؤولين بريطانيين قولهم إن القوة متعددة الجنسيات التي ستتشكل يمكن أن تضم ما يصل إلى 30 ألف جندي. موضحة أن من بين الدول الأوروبية المحتمل مشاركتها في التحالف إيرلندا ولوكسمبورغ وبلجيكا، بينما لم تلتزم الدول المجاورة لروسيا، مثل فنلندا وبولندا بالمشاركة، معللة عدم مشاركتها بضرورة بقاء جيوشها للدفاع عن أراضيها في حال استغلال روسيا لوقف إطلاق النار لإعادة نشر قواتها بطريقة قد تُهددها.
وإذ يلفت بعض المحللين، إلى أن التحالف الذي أسس بسبب عجز حلف الناتو عن توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا سيكون أيضاً محتاجاً للدعم الأمريكي ليوفر الضمانات المطلوبة للبلد الذي يواجه روسيا منذ أكثر من ثلاث سنوات. وفي هذا الإطار تنقل صحيفة فايننشال تايمز عن دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي قوله “لا أحد يريد رؤية عدد قليل من القوات الأوروبية، دون دعم أمريكي، في مرمى النيران في أوكرانيا، وسيشكل ذلك ضغطاً هائلاً على وحدة حلف الناتو في حال حدوث أي طارئ”.
خاتمة
إنشاء تحالف عسكري لتوفير الحماية لأوكرانيا في مرحلة ما بعد وقف الحرب، تشغل الدول الأوروبية، وهي إذ تلامس تطلعات بعض دول القارة بالاستقلالية الدفاعية عن الولايات المتحدة، إلا أن غياب المظلة الأمريكية عن التحالف المزمع إنشاؤه يدفع دولاً أوروبية إلى التردد في المشاركة ويكرس من جانب آخر القيادة الأمريكية للأمن الأوروبي.
