هامش ثقافي

ثقافة الحب.. والحياة

بقلم غسان عبد الله

مشاعرُ عديدةٌ، تتبلور في شعورٍ سامٍ.. “الحب”.. ذلك القائم على إسعاد أطرافٍ مترابطةٍ دون مصالح وغايات.. فالمُحبُّ بصدقٍ يمنح أجملَ ما عنده من أحاسيس ومشاعر بسخاءٍ، لمن حولَهُ ليجعلَ لحياتِهم معنىً، وليرفعَ أعماقَ أرواحِ أولئك الذين تسرّبَ اليأسُ وعدمُ الثقةِ لِمَنْ حولهم.. ليحتلّ مكاناً في خبايا إنسانيتهم المفقودة.

كثيرون يبحثون عن الحب لتغذيةِ أعماقهم وأرواحهم بوسائلَ عديدةٍ إيجابيةٍ وواقعيةٍ ومشروعة، من خلال ما يملكونه من هواياتٍ مختلفة، أو من خلال أعمالهم أو ما يقدّمونه من خِدْماتٍ لغيرهم، ومن خلال ارتباطٍ روحي بنواحٍ عديدة، يجدون أنفسهم من خلاله لينعموا بشعور الحب الذي يهوونه ويستهويهم ليحويهم.

وآخرون يلجأون لطرقٍ ملتويةٍ غير مشروعةٍ في بحثهم عن الحبّ، وهو ما يلجأ إليه ضِعافُ النفوسِ والإيمانِ والعزيمة، الباحثونَ عن حبٍ وقتيٍ زائلٍ بزوالِ الأساسِ الضعيفِ في قواعدِهِ ومنابِعهِ ويرحَلُ أثَرُهُ ولا يبقى منه غيرُ ذكرى تُوجِعُهم وتؤلِمُ نفوسَهم مع تذكرُّها!.

فاقدُ الحبِّ، يتملّكُّه شعورٌ بالضّياعِ والتشتُّتِ والوحدةِ الدائمةِ، لانعدامِ معنى وقيمةِ وجودِهِ باستقرارٍ يُطَمْئِنُ روحَهُ. معاني إنسانيةِ الحب، رائعةٌ ومن أجملِ وأرفعِ المشاعرِ السابحةِ بصدقٍ في أعماقِ الإنسان، المتحركةِ بعفويةٍ في عقلهِ ويراها قريبةً منه ولكن لا يملك الامساكَ بها! لفَقْدِ سبيل الاستقرار.

للحبِّ أهميةٌ كبرى في ترسيخِ وتوطيدِ أواصرِ العلاقاتِ بين الناس لأنهُ عمادُ النجاحِ والرُّقيِّ للمجتمعات. فنحنُ أحوجُ ما نكون إلى فهمِ ثقافةِ الحبّ ونحتاجُ دائماً إلى الحديثِ عن المحبة، في زمنٍ قستْ فيه القلوبُ، وغلبت الضغينةُ وأظلّت ثقافةُ الكرهِ بظلالها السوداوية على المجتمع.

ولم يخلُ إنسانٌ من حبٍّ أو بغضٍ ولن يتجرّدَ مخلوقٌ من الميلِ والتأثُّرِ فقد وُجِدَ الحبُّ مع أبينا آدم عليه السلام وكان الحبُّ والبغضُ بين أولادهِ سبباً في قتلِ قابيل لأخيه هابيل، وهكذا يتسلّطُ الحبُّ والبغضُ على النفسِ فتصدرُ الأعمالُ تبعاً لهما والأقوال والصفات.

وإذا أردنا بناء مجتمعٍ متكافلٍ متماسكٍ ومتضامنٍ يجب أن ننشرَ ثقافةَ الحبِ والتراحمِ في المجتمع، ويجب أن ألا يغفلَ المرءُ عن محبةِ ذاته، فمتى أحبّ الشخص نفسَهُ فإنه يسعى لأن يكون بأفضلِ حالٍ وظروف، ومن وسائلِ تحقيقِ المحبة أيضاً أن نستبعدَ من قلوبنا وحياتِنا المعكّراتِ؛ منْ نحوِ سوءِ الظنِّ بالآخرين، وكثرةِ المعاتبة، والبغضِ، ونستبعدَ الحسدَ والغيبةَ والنميمة.

فالحبُّ يساعدُ في زيادةِ التماسك والترابط في المجتمعات المختلفة، من خلال دفعِ البشرِ للتعاملِ مع بعضهم البعض بمودّةٍ ورحمةٍ وتعاطف وبذلك ينتشرُ السلامُ والخيرُ فيها، حيث يدفعُ الحبُّ الإنسانَ للتعلُّقِ بالطرفِ الآخرِ وبذْلِ الجهد الكبير للحفاظِ عليه.

لذلك ومن خلال محبّةِ الناسِ فإننا نستطيعُ لمسَ الجانبَ الطيّبَ والجميلَ منهم، كما أن هذا الشعورَ يعزِّزُ من قدرةِ الشخصِ على تجاوزِ أخطاءِ مَنْ حولَهُ وبالتالي استمرار العلاقات في المجتمعِ المبنيةِ على الحب والتسامحِ بين الأفراد، والحبُّ قوّةٌ عظيمةٌ ومؤثرة، فخيرُ المجتمعاتِ تلك الّتي تُدارُ بقوّةِ الحب.

لقد لعِبَ الأدبُ في الحياةِ دوراً رائداً في التعبير عن الحب وإيصالِهِ بأسلوبٍ يجعله بالنسبةِ للكثيرين عقيدةً ومنهاجاً.. ولقد عبّر الكثيرون من الشعراءِ والأدباءِ عن الحبِّ بأسلوبٍ يمزجُ بين الفنِّ والفلسفةِ لإظهارِ الحب كسبيلٍ يسلكُهُ الساعونَ إلى تنقيةِ الذات من الضغينةِ والحقدِ ونشرِ الفضيلةِ من خلالِ هذا الحب الذي لا يُمكنُ للبشريةِ أن تتطور وتتعافى من دونه.

إلى أي مدى يُمكنُ للبشرِ أن يتواصلوا من دونِ لغةِ الحبِّ ومفرداته؟.. وهل يمكن أن تبقى هناك مجتمعاتٌ بلا حب؟.

في ضوء ما تناولناه في هامشنا هذا، فإنّ من الطبيعيّ أن نحرص على قيمةِ الحبّ الفطريّةِ وأن ننمِّيها وأن نطوّرها ونعملَ على جعلها هي اللغة التي تحكمُ العلاقات الإنسانية على اختلافِ دوائرها ومستوياتها، ما يجعلُ من الحبّ هدفاً في مسيرةِ الحياةِ في تعامُلِنا مع الناسِ جميعاً، وليس مجرّد إحساسٍ عاطفيٍّ نبيل، ولا يخفى علينا أنّ مجتمعاً تتراجع فيه عاطفة الحبّ لتحلّ محلّها الكراهية والحقد.. هو دون شكّ مجتمع محكوم بالانهيار الداخلي عاجلاً أم آجلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *