قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين ومجلس التعاون الخليجي.. نحو توثيق الروابط بين اقوى اقتصادات آسيا
بقلم ابتسام الشامي
على وقع الهزات الارتدادية لسياسة الرئيس الأمريكي الحمائية، انعقدت في ماليزيا قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا وجمعت إليها الصين ومجلس التعاون الخليجي، ولئن هدفت إلى مواجهة التحديات، فإنها فتحت آفاقاً جديدة للتعاون في ظل ما يعيشه العالم من تحولات سياسية وتغير في موازين القوى.
دوافع القمة
تلقي سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتكزة إلى شعاره الانتخابي أمريكا أولاً بالكثير من التحديات أمام مختلف دول العالم، لدرجة تسقط معها الحدود المرسّمة لعلاقات واشنطن بحلفائها وخصومها على حد سواء، وإذا كان من الطبيعي أن تبني الأخيرة استراتيجيتها على أساس مواجهة الأعداء وتقويض نفوذهم وتأثيرهم الدولي، فإن سياسة ترامب لا توفر الحلفاء، بل تبدو مصممة على جباية ثمن التحالف مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الارتباط العسكري والاقتصادي بها، كما هي مقاربته لحلف الناتو، أو لطبيعة العلاقة مع أنظمة دول الخليج ومرتكزاتها. ولعلّ رسوم ترامب الجمركية التي لم تسلم منها دول حليفة أو عدوة لبلاده، توضح المعنى الحقيقي لشعاره أمريكا أولاً.
وبقدر ما تنطوي عليه هذه السياسة من مخاطر وتحديات، فإنها تفتح في المقابل نافذة فرص للدول المتضررة، لمواجهة مشتركة من جهة وفتح آفاق جديدة للتواصل والتعاون، تعيد رسم العلاقات في ما بينها. بهذه الخلفية يمكن النظر إلى أول قمة من نوعها تجمع منظمة آسيان والصين ومجلس التعاون الخليجي التي استضافتها العاصمة الماليزية كوالالمبور الأسبوع الماضي، وشكّلت تظاهرة سياسية عبّرت عن حجم الاستياء الدولي من سياسة البيت الأبيض ومخاطرها على الاقتصاد العالمي، من جهة وعن توسع مستوى التأييد في الأوساط الدولية للتعددية القطبية على مستوى إدارة العالم، وهو ما انعكس في كلمات ممثلي الدول المشاركة في القمة ومن بينهم رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، الذي رأى أن قمة آسيان والخليج والصين هي “استجابة لنداء العصر”. رئيساً لوفد بلاده إلى القمة أوضح تشيانغ أمام المجتمعين تحديات المرحلة وحساسيتها، لاسيما وأن الاجتماع يأتي في وضع يشهد الكثير من التحولات، واصفاً انعقاد القمة بأنها “خطوة رائدة في التعاون الاقتصادي الإقليمي على وقع وضع دولي متقلّب”.
وعما يفتحه اللقاء من آفاق تعاون، لاقاه رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، معرباً عن ثقته بشأن قدرة الأطراف الثلاثة على “تشكيل مستقبل أكثر ترابطاً وأكثر صموداً وأكثر ازدهاراً لأجيال قادمة”، في زمن يشهد فيه “النظام الجيوسياسي تحولاً”.
رئيس الوزراء الماليزي عبر عن تراجع الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية بما يفرض على الدول المتضررة من سياساتها العمل على توفير البدائل عنها، وقال “في وقت يبدو أنه لا يمكن الاعتماد على واشنطن حالياً، فإن الدول الأعضاء في آسيان التي تسعى إلى التنويع وتسهيل المبادلات بين الخليج وجمهورية الصين الشعبية هو أحد جوانب هذا التنويع”.
كلام إبراهيم الذي يترأس منظمة آسيان يعبّر عن تحول سياسي لافت في أسرع الدول نمواً على المستوى الاقتصادي، إذ تعد دول المنظمة أهم المناطق الاقتصادية، المتمتعة بقوة بشرية هائلة ومزايا جغرافية هامة، وتعبر الرابطة عن هويتها بوصفها تكتلاً دولي يسعى لتعزيز التعاون الحكومي وتسهيل التكامل الاقتصادي، السياسي، الأمني، التعليمي، الاجتماعي والثقافي بين أعضائه، ودول منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد تأسست هذه الرابطة عام 1967 م، قبل أن يصبح عدد أعضائها عشر دول هي، إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، بروني، فيتنام، لاو، ميانمار، بالإضافة إلى كمبوديا. يبلغ إجمالي عدد سكان هذه الدول مجتمعة نحو 690 مليون نسمة، أما أهم شركائها التجاريين فهم الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، وتتمتع بعض دولها، لا سيما ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، بميزة رئيسية في التجارة العالمية، إذ تقع على حدود مضيق ملقا، الذي يمر عبره أكثر من ربع إجمالي حجم التجارة العالمية، بالإضافة إلى 80% من شحنات النفط القادمة من المنطقة إلى الصين واليابان.
وبالعودة إلى القمة الثلاثية، التي جاءت في ظل تقلّبات سياسية عالمية، كان الفاعل الأبرز فيها السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنها انعقدت وسط آمال كبيرة في التأسيس لمستوى جديد من التعاون الاقتصادي لأهم القوى الاقتصادية الآسيوية، وهو ما عبر عنه “نشرول عبيدة”، المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الماليزي، الذي أوضح أن القمة تهدف إلى “تعزيز العلاقات الاقتصادية وضمان استدامة النمو في الإقليم”، لافتاً إلى أن حجم التبادل التجاري بين مجلس التعاون وآسيان يبلغ نحو 130 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعدّ قاعدة واعدة للتوسع المستقبلي في مجالات التجارة والاستثمار.
مجالات التعاون
أما بشأن مجالات التعاون المرتقبة فإنها كثيرة وفقاً للمسؤول نفسه، وتشمل “البنية التحتية، والتجارة الإلكترونية، وسلاسل الإمداد، خصوصاً في ظل بلوغ الناتج المحلي لمجموعة آسيان نحو 3.8 تريليونات دولار، فضلاً عن الشراكة الحيوية مع الصين، القوة الاقتصادية الثانية عالمياً”.
وإذا كان هدف الرابطة توسيع مروحة التعاون الاقتصادي مع الصين، فإن الأخيرة تسعى من جهتها إلى توطيد علاقاتها بدول الرابطة وكذلك بدول مجلس التعاون الخليجي، في ظل التوتر القائم مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما يتيح لها فرص تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع الجانبين.
الحضور السياسي في القمة
وعلى الرغم من الطابع الاقتصادي للقمة، إلا أن الشؤون السياسية لم تغب عنها، وفي حين برزت الإطلالة على بحر الصين الجنوبي كواحدة من القضايا الشائكة في العلاقات الصينية مع دول رابطة آسيان، فإن المجتمعين طالبوا في بيانهم الختامي بوقف دائم لإطلاق النار في غزة، بعدما أدانوا “الهجمات ضد المدنيين”. كما دعمت القمة “الجهود الدولية الرامية إلى تطبيق حل الدولتين وفق حدود ما قبل 1967، وأكدت تأييدها للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن ضرورة إنهاء الوجود غير القانوني لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأثنت القمة على مبادرات المملكة العربية السعودية والنرويج والاتحاد الأوروبي نحو إقامة دولة فلسطينية، وجهود الوساطة القطرية والمصالحة الفلسطينية التي رعتها الصين”.
وفي ما يخص العلاقات بين أطراف القمة، أشاد المشاركون بالروابط التاريخية والحضارية والاقتصادية بين الأطراف الثلاثة، وإذ أكدوا على أهمية ترسيخ التعاون في مجالات متعددة من بينها التجارة، والطاقة، والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الأمن الغذائي، والرقمنة، والتعليم، والبنية التحتية، والطاقة النظيفة والنووية، فإنهم شددوا على “احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل “في شؤون الدول، وفق ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة. وتحدّث بيان القمة الثلاثية على أهمية “تعزيز التكامل التجاري، والإسراع بإتمام مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون والصين، والتعاون في مجالات التحول الرقمي، والطاقة المتجددة، والابتكار التكنولوجي، ومشاريع البنية التحتية، والتصدي للتغير المناخي”. كما دعا البيان إلى “تعزيز التواصل بين الشعوب من خلال التبادل الثقافي، والتعاون التعليمي، والسياحة المستدامة، وتوسيع برامج التبادل الطلابي والمنح الدراسية بين الدول الأعضاء”.
خاتمة
تفتح السياسات الأمريكية نافذة تقارب لدول كانت تفصل بينها مسافات من عدم الالتقاء، غير أن التحدي الأمريكي فرض عليها التواصل ومد جسور التعاون، في مسار من شأنه أن يعزز التعددية في إدارة العالم في مواجهة الاحادية الأمريكية.
