دوليات

أوكرانيا وقرار تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية قلق ورهان على الشريك الأوروبي

بقلم ابتسام الشامي

القرار الجديد ومفاعيله

في إطار مراجعتها الدورية لما تصنفه “الإنفاق العسكري والدعم الأمريكي للدول الأجنبية”، جاء قرار الادارة الأمريكية بإيقاف بعض شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ الدفاع الجوي، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف الدفاعات الأوكرانية، في وقت يناشد فيه الرئيس الأوكراني فلودمير زيلنسكي داعميه الغربيين تعزيز دفاعات بلاده، على ضوء ما آلت إليه الحرب مع روسيا بعدما استطاعت الأخيرة احتواء الهجمة المباغتة للمسيرات الأوكرانية التي استهدفت فجر الخامس من حزيران الماضي مطارات عسكرية روسية في 5 مناطق بعمق البلاد، وألحقت أضراراً بالقدرات الاستراتيجية الروسية.

وكانت مراجعة البنتاغون وفقاً لموقع “بوليتيكو” قد خلصت إلى أن المخزونات من الذخائر التي جرى التعهد بها لأوكرانيا باتت ضئيلة للغاية، ما دفع إلى اتخاذ قرار بوقف بعض الشحنات. وبحسب الموقع نفسه فإن هذا التوقف عن تسليم أسلحة إلى كييف يشمل صواريخ لمنظومة باتريوت الدفاعية، وأنظمة مدفعية تعتمد على ذخائر موجهة بدقة، إضافة إلى صواريخ هيلفاير.

القرار الأمريكي الذي جاء بصفة “مؤقت” ارتفعت معه مؤشرات القلق ليس في أوكرانيا وحدها، وانما في العواصم الأوروبية ايضا. وإذا كان القرار بالنسبة للأخيرة يعني أنها مطالبة بتعويض النقص من ناحية عملية فإنه يعكس على المستوى السياسي أولويات واشنطن في المرحلة المقبلة، وهي أولويات من شأنها التأثير في استراتيجيات تلك العواصم بعدما ارتضت أن تكون في خدمة الأهداف الأمريكية.

الأبعاد السياسية للقرار

وإلى دلالته السياسية جاء قرار إدارة دونالد ترامب تعليق بعض شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا مفاجئاً لكييف والعواصم الغربية، بعدما كان الأخير قد أوحى بأنه منفتح على إرسال أنظمة دفاع متطورة لها. وفي خطابه أمام قمة حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي في لاهاي، أشار إلى أن كييف قد تتسلم نظام صواريخ باتريوت من واشنطن في المستقبل، الأمر الذي فُهم كمؤشر على تغير في مقاربته للحرب في ضوء فشل “مساعيه” لوقفها، مع ما يستلزمه هذا التغير في نوعية “المساعدات” العسكرية المقدمة لأوكرانيا.

قرار الإدارة الأمريكية الذي اقتصر على أوكرانيا ولم يوضح مصير المساعدات العسكرية إلى دول أخرى مستفيدة من برنامج الدعم العسكري الخارجي، احتاج إلى استنفار فريق ترامب ومستشاريه لتوضيحه، لاسيما أنه اقترن بمعلومات تتحدث عن نقص في المخازن الأمريكية بما يعرض الأمن القومي للخطر في مرحلة تتصاعد فيها التحديات للسياسة الخارجية الأمريكية على مستوى العالم. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال، عن مسؤول في الإدارة ومساعدَين للرئيس الأمريكي في الكونغرس، توضيحهم أن واشنطن “ستستخدم الأسلحة التي علقت تصديرها لتعزيز مخزونات البنتاغون”. مشددين على ضرورة أن تركز الولايات المتحدة “بشكل أكبر على التهديدات طويلة الأمد من الصين، وبشكل أكثر إلحاحاً على الاحتياجات العسكرية في الشرق الأوسط”.

بدورها أكدت نائبة السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، آنا كيلي، أن القرار اتخذ “لوضع مصالح أمريكا في المقام الأول”، قبل أن تستدرك بالقول إن “قوة القوات المسلحة الأمريكية لا تزال غير قابلة للتشكيك”، مستدلة على ذلك بالعدوان الأخير على إيران.

لكن روسيا المستفيدة الكبرى من القرار كونه يؤثر في قدرات أوكرانيا ودفاعتها، ترى أن خلفية اتخاذه تكمن في عدم امتلاك الولايات المتحدة ما يكفي من الأسلحة. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف “حسب فهمنا، فإن سبب هذا القرار هو المستودعات الفارغة وعدم وجود تلك الأسلحة في المستودعات. ولكن على أي حال، كلما قل عدد الأسلحة الموردة لأوكرانيا، كلما اقتربت نهاية العملية العسكرية الخاصة”.

قلق في كييف

وفي مقابل الارتياح الروسي، رفع القرار مستويات القلق في أوكرانيا، التي سارعت إلى استدعاء نائب رئيس بعثة سفارة الولايات المتحدة في كييف، جون جينكل، لاستيضاحه القرار ومناقشته في تداعياته، وذكرت وزارة الخارجية الأوكرانية، أن “الجانب الأوكراني أكد أن أي تأخير أو تباطؤ في دعم القدرات الدفاعية لأوكرانيا لن يؤدي إلا إلى تشجيع المعتدي على مواصلة الحرب والإرهاب، بدلاً من السعي إلى السلام”.

وتخشى كييف تأثير القرار الأمريكي في قدراتها الدفاعية على صد الهجمات الروسية لاسيما باتجاه العاصمة، التي تتركز فيها بحسب صحيفة نيويورك تايمز، ستة أنظمة باتريوت من أصل ثمانية جرى تزويد أوكرانيا بها، وعلى ضوء القرار الجديد، تعتقد الصحيفة الأمريكية أنّه سيكون من “الصعب للغاية حماية المدينة من دون مزيد من المساعدات”.

الرهان الأوكراني على أوروبا

ولتعويض النقص المتوقع جراء القرار الأمريكي، تراهن أوكرانيا على التعاون المشترك مع عدد من الدول الأوروبية أبرزها بريطانيا والدنمارك والنرويج من خلال برامج لإنتاج الأسلحة، على أن تقدم تلك الدول التمويل والخبرة الفنية. وفي هذا السياق، نقلت وكالة “أسوشييتد برس” عن مسؤولين كبار قولهم إن كييف تمضي قدماً في خطط أولية لإنتاج أسلحة مشتركة مع بعض حلفائها الدوليين، بالتزامن مع القرار الأمريكي. وهو ما أكده أيضاً وزير الدفاع الأوكراني، رستم عمروف، بإشارته إلى طرح مشروع قانون بشأن إنتاج الأسلحة المشتركة مع الحلفاء الدوليين للتصويت في البرلمان الأوكراني، في وقت لاحق من الشهر الجاري.

وتأتي خطط الانتاج العسكري المشترك بين أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين، استكمالاً للدور الذي تؤديه الأخيرة في الصراع ضد روسيا، حيث ساهمت بشكل كبير تعزيز القدرات العسكرية الأوكرانية، علماً أن تلك المساهمة اتخذت منحىً تصاعدياً، وصولاً إلى تفوق التقديمات العسكرية الأوروبية لكييف عن تلك الأمريكية (التي تأثرت بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضع حد للحرب) في شهر نيسان الماضي بحسب “معهد كيل للاقتصاد العالمي” الألماني، حيث بلغت مساهمتها 84.9 مليار دولار، مقارنة بـ 76.6 مليار دولار لواشنطن.

خاتمة

بمعزل عن المفاعيل العملية للقرار الأمريكي تعليق بعض شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، فإن دلالته السياسية تبقى الحاضر الأكبر، مع تراوح خلفياته ضمن ثلاثة احتمالات مهمة، فإما ان يكون مؤشراً على انخفاض المخزون الصاروخي للجيش الأمريكي، أو تغييراً في أولويات واشنطن وانتقال تركيزها إلى ساحات أخرى، أو ربما يكون خطوة للضغط في مسار التسوية بين موسكو وكييف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *