
صواريخ منفردة.. تأثير استراتيجي ديناميكيات التهديد الحوثي
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
منذ بداية حرب السيوف الحديدية، أطلق الحوثيون ما لا يقل عن 85 صاروخاً باليستياً على إسرائيل، تم اعتراض معظمها، لكن واحداً منها أدى إلى شلل مطار بن غوريون. هكذا يحاول الحوثيون اختراق منظومات الدفاع الإسرائيلية.
ملخص
ظهرت الصواريخ الباليستية لأول مرة في اليمن في ثمانينيات القرن الماضي، عندما اشترى اليمن الشمالي واليمن الجنوبي صواريخ باليستية من الاتحاد السوفييتي. وقد سقطت مخزونات الصواريخ في البلاد، التي توحدت بعد حرب أهلية قصيرة، في أيدي حركة الحوثي – وهي حركة إسلامية متطرفة – عندما استولت على السلطة في العاصمة صنعاء عام 2015. وفي الحرب التي استمرت سبع سنوات بين حكومة الحوثيين والمملكة العربية السعودية وحلفائها، هاجم الحوثيون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالصواريخ والطائرات بدون طيار. كما زودهم الإيرانيون بالمعرفة والتسهيلات اللازمة لتصنيع الصواريخ والطائرات بدون طيار بأنفسهم. وفي سنوات الحرب مع السعودية، أعلن الحوثيون أن صواريخهم ستوجه نحو إسرائيل في المستقبل، وبالفعل قاموا بتكييف الصواريخ التي بحوزتهم لتوسيع مداها حتى تتمكن من تغطية معظم أراضي إسرائيل. وبعد اندلاع حرب السيوف الحديدية، بدأوا هجوماً بالصواريخ والطائرات بدون طيار، وقد تغيرت خصائصه أثناء الحرب، ولا يزال مستمراً حتى وقت كتابة هذا التقرير. تبدو خيارات إسرائيل في قمع قدرة الحوثيين على إنتاج وإطلاق الصواريخ محدودة، ويبدو من المرجح أن يستمر إطلاق النار في هذه المرحلة.
حتى وقت قريب، كان يُنظر إلى اليمن في الذهن الإسرائيلي على أنها دولة نائية تقع وراء جبال الظلام، وكانت مساهمتها في الخطاب الإسرائيلي مرتبطة بالهجرة من اليمن، والمطبخ اليمني، والرقصات اليمنية. ومنذ بداية حرب السيوف الحديدية، طرأ تغيير جذري على هذا التصور: فقد برزت اليمن كدولة عدو مهمة، وهي تفرض حالياً حصاراً بحرياً على ميناء إيلات وتطلق الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز على إسرائيل بشكل يومي تقريباً.
وعلى الرغم من أن الأضرار المادية الناجمة عن هذه الصواريخ كانت ضئيلة للغاية حتى الآن، فإن الضرر الاقتصادي والصورة كان كبيرا للغاية، بما في ذلك الهجوم الصاروخي الباليستي على مطار بن غوريون، والذي تسبب في تعليق خدمات الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل من قبل معظم شركات الطيران في العالم.
استقبل الرأي العام الإسرائيلي ظهور التهديد الصاروخي القادم من اليمن بمفاجأة غير مبررة. إن المتابعين للتطورات السياسية في جنوب شبه الجزيرة العربية يدركون منذ سنوات طويلة ظهور الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز في هذه المنطقة النائية. عندما غادر البريطانيون مستعمرتهم التاجية في محافظة عدن في جنوب اليمن في عام 1967، كانت البلاد مقسمة فعلياً إلى دولتين معاديتين: اليمن الشمالي بقيادة إمام شيعي، واليمن الجنوبي الذي تحكمه حركة ماركسية. وقد تسلح البلدان بعضهما البعض بقوة، كما حصل كل منهما على المساعدة من الاتحاد السوفييتي – بما في ذلك توريد الصواريخ الباليستية -. بعد توحيد قصير الأمد في عام 1990، انقسم اليمن مرة أخرى إلى دولتين معاديتين. وفي الحرب التي اندلعت بينهما عام 1994، أمطرت اليمن الجنوبية العاصمة الشمالية صنعاء بصواريخ سكود، وأطلقت اليمن الشمالية صواريخ اس أس 21 قصيرة المدى على العاصمة الجنوبية عدن. لقد أدى انتصار اليمن الشمالي في هذه الحرب إلى إعادة توحيد البلاد. تم دمج ترسانات الصواريخ في اليمن الجنوبي والشمالي وعرضها من قبل الحكومة اليمنية في العاصمة صنعاء.
في عام 2004، شنّت حركة الحوثي اليمنية – وهي حركة إسلامية ذات نبرة معادية للسامية مميزة – تمرداً ضد الحكومة الموالية للغرب التي كانت تحكم البلاد في ذلك الوقت. وكانت الانتفاضة ناجحة، وفي عام 2015 استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء وأقاموا نظاما متطرفا معادياً للغرب ومعادياً لإسرائيل تدعمه إيران. ورداً على ذلك، تم تشكيل تحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وشن هجوما على نظام الحوثيين، بهدف إعادة النظام السابق إلى السلطة – الذي لا يزال مقبولاً كحكومة شرعية لليمن – ونجح التحالف العربي في منع الحوثيين من السيطرة على عدن وبقية جنوب اليمن، لكنه لم يتمكن من إسقاط حكمهم في صنعاء واليمن الجبلي، بما في ذلك مدينة الحديدة الساحلية على ساحل البحر الأحمر.
وهكذا، خلال السنوات السبع من الحرب، نفّذَ الحوثيون هجمات صاروخية كبيرة ضد المملكة العربية السعودية، بما في ذلك إطلاق طائرات بدون طيار، وصواريخ كروز، والصواريخ الباليستية. وتركزت الهجمات الرئيسية على المراكز السكانية والقواعد العسكرية ومرافق البنية التحتية في المحافظات السعودية الحدودية مع اليمن، لكن الحوثيين لم يترددوا في مهاجمة الجبهة الداخلية السعودية. وتعرضت العاصمة الرياض لهجمات ثماني مرات على الأقل بالصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. كما تعرضت البنية التحتية لصناعة النفط السعودية في عمق البلاد للهجوم، بما في ذلك محطات النفط في ميناء جدة، وخط أنابيب النفط الذي يربط حقول النفط في شمال البلاد بالموانئ النفطية في الجنوب، وحقل النفط في الشيبة في شرق المملكة. وتعرضت الإمارات العربية المتحدة أيضاً لهجمات عدة مرات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية. وفي هجوم الحوثيين في كانون الثاني 2022، أصابت الصواريخ ضواحي أبو ظبي وأوقعت عدداً من الضحايا. وبحسب متحدث عسكري سعودي في كانون الأول 2021، فمنذ بداية الحرب وحتى ذلك التاريخ، تم إطلاق 851 طائرة مسيرة وصواريخ كروز و430 صاروخا باليستياً على المملكة العربية السعودية.
بلغ أقصى مدى أطلقته طائرات الحوثي المسيرة وصواريخ الكروز والصواريخ الباليستية خلال الحرب على السعودية نحو 1200 كيلومتر. وبالتالي فإن انتهاء الحرب مع السعودية وحلفائها ترك للنظام الحوثي ترسانة من الطائرات بدون طيار والصواريخ المجنحة والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، لكنّ مداها في ذلك الوقت لم يكن كافياً للوصول إلى أقصى نقطة في جنوب إسرائيل، والتي تبعد حوالي 1700 كيلومتر عن أقصى نقطة في شمال اليمن الحوثي.
وفي وقت مبكر من عام 2019، عندما كانت الحرب ضد المملكة العربية السعودية وحلفائها لا تزال على قدم وساق، أعلن الحوثيون أن الخطوة التالية في تطوير قدراتهم الصاروخية ستكون توسيع المدى من أجل ضرب إسرائيل. وقد صدر تحذير صريح من هذا في مقطع فيديو أصدره الحوثيون في عام 2019، والذي أظهر إطلاق صاروخ كروز الجديد الذي تم الكشف عنه مؤخراً (“قدس 1”) مع ترجمة باللغة العبرية تنتهي بالكلمات “والمزيد في المستقبل”. وبعد شهرين تقريباً، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال اجتماعه مع وزير الخزانة الأمريكي أن إيران وضعت صواريخ دقيقة في اليمن يمكنها ضرب إسرائيل. وقد اعتبر البعض في الرأي العام تصريحه بمثابة بيان سياسي وليس تحذيراً أمنياً، ولذلك لم يترك أي انطباع لدى الرأي العام، وربما ليس لدى المؤسسة الأمنية.
في نيسان 2022، تم إعلان وقف إطلاق النار بين المملكة العربية السعودية ونظام الحوثي في اليمن. وكان واضحاً لبعض المراقبين في إسرائيل أثناء الحرب ضد السعودية أن الحوثيين بعد انتهائها سينفذون تهديدهم ويوجهون أسلحتهم ضد إسرائيل، كما أعلنوا قبل نحو ثلاث سنوات. لقد أصبح من الواضح بالفعل أنه من الممكن سد فجوة المدى من خلال توسيع مدى الصواريخ المجنحة والطائرات بدون طيار واستخدام الصواريخ الباليستية الأثقل. وبالفعل، في أيلول 2023، أي قبل أقل من شهر من اندلاع حرب السيوف الحديدية، قدّم الحوثيون صاروخين جديدين في عرض عسكري أقيم في صنعاء: صاروخ كروز “قدس 4″، الذي وصف بأنه صاروخ جديد بعيد المدى، وصاروخ باليستي يعمل بالوقود السائل يسمى “طوفان”، ويبدو أنه التوأم لنموذج “شهاب 3” الإيراني بعيد المدى، وهو نموذج يمكن أن يصل مداه إلى أكثر من 1900 كيلومتر. وبما أن الحوثيين لم يكونوا بحاجة إلى مدى صاروخي أكبر من 1200 كيلومتر لتهديد المملكة العربية السعودية، فقد كان من الواضح أن الصاروخين الجديدين كانا يهدفان إلى ضرب إسرائيل
فور اندلاع حرب “السيوف الحديدية”، أعلن نظام الحوثي الحرب على إسرائيل واتخذ خطوتين: الأولى فرض حصار بحري على ميناء إيلات وتعطيل حركة الملاحة البحرية لإسرائيل من خلال مهاجمة السفن المتجهة إلى هذا الميناء والسفن التابعة لإسرائيل والمبحرة في خليج عدن أو البحر الأحمر، والثانية مهاجمة أهداف في إسرائيل باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ المجنحة والصواريخ الباليستية. وبالفعل، في 19 ت1 2023، أطلق الحوثيون لأول مرة طائرات مسيرة و/أو صواريخ كروز باتجاه إسرائيل، وقد اعترضتها سفن البحرية الأمريكية في البحر الأحمر. وفي 27 تشرين الأول، وصلت طائرات بدون طيار من اليمن إلى خليج إيلات لأول مرة، حيث سقط بعضها فوق ساحل سيناء، بينما اعترض سلاح الجو الإسرائيلي بعضها الآخر. وبعد أربعة أيام، أُطلق صاروخ باليستي من اليمن باتجاه إيلات، وتم اعتراضه بواسطة منظومة “حيتس”. وفي وقت لاحق، تكثّفت هجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة والصواريخ، ولا تزال مستمرة حتى لحظة كتابة هذا التقرير. يمكن تقسيم هذه الحملة إلى عدة مراحل:
تميزت المرحلة الأولى، التي استمرت حتى تموز 2024، بإطلاق محدود إلى حد ما للصواريخ الباليستية على أهداف في جنوب إسرائيل، ويبدو أنها كانت موجهة بشكل رئيسي إلى إيلات. ولم يعرف على وجه الدقة عدد الصواريخ التي أطلقت، لأن موثوقيتها لم تكن عالية، وبعضها فقط طار بشكل سليم وهدد بعبور الحدود إلى داخل إسرائيل. وتم خلال هذه الفترة إحصاء 7 صواريخ باليستية حوثية عاملة وتهديدية، تم اعتراضها جميعها بصواريخ “حيتس 2” و “حيتس 3”.
وفي المرحلة الثانية التي استمرت حتى كانون الثاني 2025، حول الحوثيون نيران صواريخهم الباليستية من جنوب البلاد إلى وسطها وشمالها. كان معدل إطلاق النار بطيئاً للغاية في البداية، حيث تراوح بين صاروخين وثلاثة صواريخ شهرياً بين أيلول وتشرين الاول 2024. وفي كانون الثاني 2025، حدثت قفزة في معدل إطلاق النار: حيث تم إطلاق 13 صاروخاً في ذلك الشهر و5 صواريخ أخرى في الأسبوعين التاليين حتى وقف إطلاق النار مع حماس. ويبدو أن ما تسبب في ذلك هو وقف القتال ضد حزب الله في شمال البلاد، والذي أُعلن عنه في تشرين الاول 2024. ومع إعلان وقف إطلاق النار في الشمال، توقف إطلاق حزب الله للصواريخ على إسرائيل؛ ويبدو أن الحوثيين أخذوا على عاتقهم “تعويض” تراجع إطلاق النار من لبنان بزيادة إطلاق النار من اليمن. وتوقف إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، كما ذكرنا، مع إعلان وقف إطلاق النار الثاني مع حماس في 15 كانون الثاني 2025. وفي المرحلة الثانية التي وصفت أعلاه، تم تحديد 26 صاروخاً باعتبارها تشكل تهديدا، ولكن تم اعتراض 23 منها فقط. وسجلت اصابات رؤوس قتالية حوثية في منطقة مفتوحة بالقرب من كفار دانييل (على بعد بضعة كيلومترات شرق مطار بن غوريون)، وفي مدرسة في راموت إفعال، وفي حي سكني في يافا، ولكن دون وقوع إصابات. في تشرين الأول 2024، تم نشر نظام الدفاع الصاروخي “ثاد” التابع للجيش الأمريكي في إسرائيل في أعقاب الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل في نيسان وتشرين الأول من ذلك العام. وحسب المعلومات المتوفرة فإن المنظومة الأمريكية شاركت في الدفاع ضد صواريخ الحوثيين بالتزامن مع منظومات “حيتس” الإسرائيلية، ونجحت في اعتراض عدد منها.
وبحسب الخلاصة التي قدمها الجيش الإسرائيلي بعد وقف إطلاق النار في كانون الثاني 2025، فقد تم إطلاق 40 صاروخاً باليستياً من اليمن بحلول ذلك التاريخ (وفقاً لمصدر آخر: 45)، لكن أنظمة الدفاع الإسرائيلية لم تتمكن من اعتراض سوى 33 منها. ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن ما بين 18% و27% من الطائرات فشلت أثناء الطريق، وهو معدل موثوقية منخفض إلى حد ما.
وبالتوازي مع إطلاق الصواريخ الباليستية، أطلق الحوثيون عدداً كبيراً من الطائرات المسيرة تجاه إسرائيل. وفي المرحلة الأولى، تم إطلاق صواريخ كروز “قدس 4” أيضاً، لكن يبدو أنه رغم تباهي الحوثيين، فإن مداها لم يكن كافياً للوصول إلى إسرائيل. وكانت الغالبية العظمى من عمليات الإطلاق عبارة عن طائرات بدون طيار من طراز “صماد 3” تعمل بالمراوح ومزودة بخزان وقود كبير بشكل خاص مصمم لتوسيع المدى. وبحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، تم في المرحلتين الأوليين من الحملة إطلاق 320 طائرة مسيرة حوثية على أهداف في إسرائيل، واثنتان منها أصابتا مناطق مأهولة بالسكان: واحدة أصابت وسط تل أبيب (تموز 2024)، مما تسبب في مقتل شخص وإصابة العديد، وواحدة أصابت مبنى سكني في “يفنه” (كانون الاول 2024)، ولكن دون وقوع إصابات. وأسقط سلاح الجو نحو 100 طائرة مسيرة للحوثيين، فيما سقطت البقية في مناطق مفتوحة أو فشلت في الوصول إلى وجهتها. وتبين أن الحوثيين اتبعوا مساراً متطوراً لضرب المدن الساحلية في إسرائيل: حيث طارت الطائرات بدون طيار إلى مصر ومن هناك إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث دارت حوله حتى وصلت إلى إسرائيل من الغرب. هذا المسار يجعل من الصعب التمييز بينها وبين الطائرات القادمة إلى إسرائيل من الغرب في رحلات شرعية. ومع ذلك، منذ الغارة الثانية على مقر إقامة “يفنه”، لم يتم تسجيل أي غارات أخرى بطائرات بدون طيار تابعة للحوثيين في إسرائيل. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي تعلم دروسه ونشر سفناً في البحر الأبيض المتوسط قادرة على اعتراض الطائرات بدون طيار. وفي 9 كانون الثاني 2025، أفاد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن طائرتين بدون طيار أطلقتا من اليمن تم اعتراضهما وتدميرهما فوق البحر الأبيض المتوسط.
المرحلة الثالثة من هجوم الحوثيين على إسرائيل، بدأت مع تجدد إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في 18 آذار 2025. وتتميز هذه المرحلة – التي لا تزال مستمرة حتى كتابة هذه السطور – بتغيير جوهري في أنواع الصواريخ التي يطلقها الحوثيون، مع معدل إطلاق نار أعلى بكثير من ذي قبل، وإطلاق عدد أقل من الطائرات بدون طيار. ويبدو أن بنك الأهداف تغير أيضاً، وبات هدف الحوثيين الرئيسي والحصري تقريباً هو مطار بن غوريون (باستثناء حالتين كانت الأهداف في شمال البلاد).
وفيما يتعلق بأنواع الصواريخ، يبدو أن الحوثيين يستخدمون حاليا صواريخ “طوفان” التي تعمل بالوقود السائل، وهي النسخة طويلة المدى من صاروخ “شهاب 3” الأقدم. وبدلاً من ذلك، بدأوا باستخدام صاروخ يعمل بالوقود الصلب يطلقون عليه اسم “فلسطين 1” (ويطلق عليه في إيران اسم “فتاح 1”)، والذي يصفه الإيرانيون والحوثيون بأنه صاروخ فرط صوتي. ما يميز هذا الصاروخ هو أن جسمه المخترق (أو “الرأس الحربي” في المصطلح الشعبي) يحتوي على محرك صاروخي إضافي. وبمساعدة هذا المحرك، من المفترض أن يتمكن “فلسطين 1” من تنفيذ مناورات التهرب من الأنظمة التي تحمي إسرائيل. ويبلغ مدى الصاروخ الإيراني الأصلي 1400 كيلومتر، لكن في نسخته الحوثية تم تقليص حمولة الرأس الحربي من 500 كيلوغرام إلى 200 أو حتى 100 كيلوغرام، ما زاد المدى إلى نحو 2000 كيلومتر، أي إلى مدى يسمح بضرب إسرائيل من نقاط الإطلاق في اليمن. وعلى الرغم من وصفه بأنه “صاروخ فرط صوتي”، فقد تم اعتراضه عملياً بنجاح في الغالبية العظمى من الحالات من قبل أنظمة الدفاع الإسرائيلية، وربما أيضاً تلك التابعة للولايات المتحدة
إن السبب وراء التحول من الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل إلى الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب غير واضح. ويمكن طرح عدة أسباب محتملة لذلك: فقد يكون من الصعب تهريب الصواريخ السائلة الكبيرة من إيران إلى اليمن. ومن الممكن أيضاً أن يكون الحوثيون قد حصلوا على القدرة الإنتاجية الكاملة للمحرك الصاروخي الرئيسي لهذا الصاروخ، وهو أسهل في الإنتاج من المحرك السائل. ومن المرجح أيضاً أن يكون سعر الصاروخ الصلب أقل بكثير من سعر الصاروخ السائل الأكثر تعقيداً.
ومنذ تاريخ استئناف إطلاق النار على جبهة غزة حتى 10 حزيران 2025 (شاملاً)، أطلق الحوثيون على ما يبدو أكثر من 43 صاروخاً باليستياً على أهداف في إسرائيل، 32 منها كانت جاهزة للعمل وتسببت في إثارة الإنذار في إسرائيل. وكانت كل هذه الصواريخ موجهة نحو المنطقة الوسطى – وربما نحو مطار بن غوريون – باستثناء صاروخين كانا موجهين نحو محطة الطاقة في الخضيرة وميناء حيفا. تم اعتراض جميع الصواريخ بنجاح باستثناء صاروخ واحد. الصاروخ الوحيد الذي لم يتم اعتراضه (بسبب خلل في صاروخ “حيتس” الذي أطلق عليه) سقط في منطقة مفتوحة داخل مطار بن غوريون، على بعد مئات الأمتار من مبنى الركاب الرئيسي (المحطة رقم 3). وقد تسبب هذا الهجوم، الذي وقع في 4 أيار 2025، في تعليق خدمات جميع شركات الطيران الأجنبية من وإلى إسرائيل (وفي وقت كتابة هذا التقرير، بعد حوالي شهر، استأنفت بعض شركات الطيران الأجنبية خدماتها إلى إسرائيل). واحتفل الحوثيون بهذا النجاح وأعلنوا مراراً وتكراراً “حصاراً جوياً على إسرائيل”، في حين حذروا شركات الطيران في جميع أنحاء العالم من السفر من وإلى إسرائيل.
السمة الإضافية للمرحلة الحالية من هجوم الحوثيين على إسرائيل هي ندرة حالات وصول الطائرات المسيرة إلى المدى الدفاعي لإسرائيل. ومنذ استئناف الهجوم، لم تقع سوى حالتين أو ثلاث حالات اعترض فيها سلاح الجو طائرة مسيرة يمنية قبل دخولها المجال الجوي الإسرائيلي، وحتى الآن لم تسجل أي حالة إصابة بطائرة مسيرة حوثية داخل أراضي البلاد. ولا يوجد تفسير لندرة الهجمات بطائرات بدون طيار في هذه المرحلة. ومن الممكن الافتراض أن هناك انخفاض في موثوقية أو معدل إنتاج الطائرات المسيرة التي يصنعها الحوثيون، ربما بسبب نقص المواد أو المكونات – ولكن كما ذكرنا، هذه فرضية ليس لها تأكيد حتى الآن.
وبالمجمل، خلال العشرين شهراً من حرب “السيوف الحديدية” حتى الآن، أطلق الحوثيون ما لا يقل عن 85 صاروخاً باليستياً على إسرائيل.
وعلى الرغم من ارتفاع معدل فشل عمليات الإطلاق والحالات القليلة التي نجحوا فيها في اختراق منظومات الدفاع الإسرائيلية، فإن الحوثيين يصورون هجومهم الصاروخي على أنه نجاح كبير. ويمتدح المتحدثون باسمهم عامل المضايقة المتمثل في إطلاق الصواريخ والتسبب في إثارة الإنذارات التي تدفع ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ وتؤدي إلى إغلاق مؤقت لحركة الطيران في مطار بن غوريون. واحتفلت حشود متحمسة في العاصمة صنعاء بالهجوم الوحيد حتى الآن على أراضي المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل، والذي تسبب في إلغاء حركة الملاحة الجوية لشركات الطيران الدولية
يشار إلى أن إسرائيل ردّت أيضاً بشكل هجومي على إطلاق الحوثيين الصواريخ على أراضيها. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، نفذ الجيش الإسرائيلي 10 هجمات على أهداف قيمة، بما في ذلك الموانئ البحرية ومطار صنعاء والبنية التحتية الاقتصادية. ولا يبدو حتى الآن أن هذه الهجمات كان لها تأثير على رغبة الحوثيين وقدرتهم على مواصلة هجماتهم على إسرائيل، وبحسب مصادر في وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الجيش الإسرائيلي لا يتوقع حدوث ذلك أيضاً.
هل هناك طريقة لإضعاف قدرة الحوثيين على إنتاج وإطلاق الصواريخ على إسرائيل بشكل كبير؟ وهذا سؤال مفتوح وليس له إجابة واضحة. ويبدو أن النظام الحوثي بنى خلال سنوات الحرب ضد السعودية منظومة أنفاق مخفية لتخزين مخزونه من الصواريخ وقاذفاتها، على غرار أسلوب البقاء الذي تتبعه منظومة الصواريخ الإيرانية. وفي الوقت نفسه، تم إنشاء خطوط إنتاج وتجميع الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، إلى جانب منصات الإطلاق. ومن المرجح أن تكون مواقع الإنتاج الذاتي، مثل مواقع التخزين، مخفية ومحمية أيضاً داخل الأنفاق. وكما هو الحال بالنسبة لحزب الله، فإن الإنتاج الذاتي يلغي الحاجة إلى تهريب المكونات الكبيرة والثقيلة للصواريخ، مثل خزانات الوقود والرؤوس الحربية، وبالتالي يقلل من حساسية قطع طرق التهريب. ومن المرجح أن الحوثيين ما زالوا يعتمدون على تهريب مكونات صغيرة وحيوية، مثل أنظمة التوجيه الهيدروليكية وأنظمة التوجيه الإلكترونية، لكن لديهم العديد من طرق التهريب تحت تصرفهم، سواء عن طريق البر، من الموانئ الجنوبية في عمان، أو عن طريق البحر، باستخدام سفن صغيرة تعمل في التجارة الساحلية بين الصومال واليمن.
ولإيقاف القدرة الإنتاجية، لا بد من تدمير مصانع الإنتاج الموجودة تحت الأرض في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو منع تهريب المكونات الأساسية. والطريقة الأكثر فعالية لإغلاق الإنتاج هي احتلال المنطقة بالقوات البرية، وهو ما يبدو غير عملي حالياً من وجهة نظر إسرائيل. قبل فترة وجيزة، خلال العملية التي شنتها البحرية الأمريكية ضد الحوثيين، والتي بدأت في آذار 2025 (وتوقفت بشكل غير متوقع في أيار من هذا العام)، كانت هناك آمال في أن تنضم القوات الموالية للحكومة السابقة في اليمن (والتي يقبلها معظم العالم كحكومة شرعية لها)، المتمركزة في مدينة عدن الساحلية، إلى المعركة وتحاول غزو اليمن الحوثي، ولكن سرعان ما أصبح من الواضح أن هذه القوات كانت ضعيفة للغاية وتفتقر إلى الدافع والقدرة على الإطاحة بالنظام الحوثي واستبداله.
الطريقة الثانية هي منع طرق تهريب المكونات الحيوية، الأمر الذي يتطلب معلومات استخباراتية مفصلة للغاية في الوقت الحقيقي، إلى جانب القدرة على الهجوم في الوقت الحقيقي. ويبدو هذا المطلب غير عملي من وجهة نظر إسرائيل في الوقت الراهن. ومن الناحية السياسية، من المرجح أن يؤدي وقف تدفق المكونات والمواد من إيران في نهاية المطاف إلى تعطيل خطوط إنتاج الطائرات بدون طيار والصواريخ في اليمن الحوثي، ولكن لا يبدو من المرجح في هذه المرحلة أن يتم تشجيع إيران على وقف هذه الإمدادات.
ولذلك يبدو أن إسرائيل ستضطر في المستقبل المنظور إلى امتصاص هجمات الحوثيين بمساعدة أنظمتها الدفاعية، مع شن هجمات انتقامية دورية على البنية التحتية الحيوية لنظام إنتاج الصواريخ وتهريب المكونات والمواد التي يحتاجونها. وقد تم اقتراح أيضاً زرع ألغام بحرية قبالة الموانئ البحرية اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون لوقف حركة النقل البحري من وإلى تلك الموانئ، وبالتالي إبطاء تهريب المواد والمكونات اللازمة لصناعة الصواريخ. على أية حال، إلى أن يتم التوصل إلى حل لقمع منظومة الصواريخ الحوثية سياسياً أو بمساعدة التكنولوجيات أو غيرها من الوسائل المستقبلية، فمن المرجح أن تستعد إسرائيل لفترة طويلة من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار من الحوثيين في اليمن.
معهد القدس للدراسات الاستراتيجية
د. عوزي روبين