إعرف عدوك

المواجهة الدموية في السويداء.. معضلات استراتيجية لإسرائيل

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

وأرسلت قوات الأمن السورية إلى المنطقة لاستعادة النظام، إلا أن دخولها أدى إلى تصعيد واشتباكات عنيفة بينها وبين الدروز وعناصر مسلحة أخرى. وفي غضون أيام قليلة، قُتل المئات من الأشخاص، وتم توزيع صور ومقاطع فيديو مروعة لعمليات القتل وطقوس الإذلال للأقلية الدرزية على الإنترنت. وهذه المرة أيضاً، كما في أحداث نيسان، تدخلت إسرائيل عسكرياً، حيث هاجمت أهدافاً للجيش السوري في جنوب سوريا، بل وأطلقت صواريخ على مقر وزارة الدفاع في قلب دمشق. وقد تم تبرير هذه الخطوة باعتبارها واجباً لحماية الطائفة الدرزية في سوريا، في ضوء التقارير التي تحدّثت عن إلحاق أضرار جماعية بالمدنيين الدروز خلال الأحداث، ورداً على انتهاك المطلب الإسرائيلي بإبقاء جنوب سوريا منزوع السلاح. وأدّت الهجمات إلى انسحاب قوات الأمن السورية من السويداء، ومنذ ذلك الحين تصاعدت المعارك بين القبائل البدوية والدرزية، وتدفقت قوات إضافية من مختلف أنحاء سوريا إلى المنطقة. ولم ينته الحدث بعد، ولكن في هذه المرحلة بدأت تثار أسئلة ذات وزن بشأن عمل النظام السوري الجديد، والاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سوريا، ومستقبل عملية التسوية بين البلدين.

تتفاقم الأزمة في جنوب سوريا وتضع إسرائيل أمام معضلات استراتيجية معقدة. منذ صعود أحمد الشرع إلى السلطة، شهدت سوريا اشتباكات عنيفة بين الأقليتين العلوية والدرزية وقوات الأمن التابعة للنظام والميليشيات والعصابات المسلحة. وتسلط الأحداث الضوء على عواقب الحرب الأهلية في سوريا، المليئة بالقتل والدمار والقمع والانتهاكات. يضاف إلى ذلك الخوف والريبة التي تشعر بها الأقليات تجاه النظام الجديد لأحمد الشرع وقواته، الذين كانوا يعتبرون حتى وقت قريب عناصر جهادية، وهم الآن متورطون مرة أخرى في عمليات القتل. إن الحدث المعقّد في أوجه، وتشارك فيه أطراف عديدة، بعضها يتصرف “نيابة عن” الآخرين بشكل مستقل. وكما كانت الحال مع الأحداث العنيفة السابقة في سوريا، فإن الأزمة تتكشف على خلفية انتشار واسع النطاق للمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، من جهات متعددة. وعلى الرغم من ذلك، فمن الواضح أن العنف والقسوة أصبحا أمرين شائعين. وتوثق الصور ومقاطع الفيديو عمليات الإعدام والانتهاكات واختطاف المدنيين والطقوس المهينة التي تمارسها القوى المختلفة المقاتلة في المنطقة: قوات الأمن المرسلة باسم الشرع، والعشائر البدوية، والقوات المسلحة الدرزية، والميليشيات المسلحة المستقلة.

عندما وردت تقارير عن عمليات قتل جماعي للدروز في السويداء، زاد زعماء المجتمع الدرزي في إسرائيل من ضغوطهم على الحكومة للتحرك لإنقاذ أفراد مجتمعهم عبر الحدود. وانتشرت دعوات للمساعدة على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب جنود وضباط دروز في الجيش الإسرائيلي بعدم الوقوف مكتوفي الأيدي، واقتحم أكثر من ألف شاب درزي من الجليل والكرمل الحدود مع سوريا لمساعدة المقاتلين الدروز في السويداء. وقد أدت هذه الأحداث، إلى جانب ما اعتبرته إسرائيل انتهاكاً من جانب النظام السوري لمطلبها بتحرير جنوب سوريا، إلى موجة من الهجمات الإسرائيلية، في البداية كإشارة تحذير رمزية، ثم لاحقاً حتى بالقرب من القصر ووزارة الدفاع في دمشق.

سيكون من الخطأ التوصل إلى استنتاجات قاطعة في هذه المرحلة، ولكن أحداث الأسبوع الماضي تثير أسئلة حاسمة تؤثر على الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا على المدى القريب والبعيد:

  1. النظام السوري.. توجيهات واضحة أم غياب للسيطرة؟

تم حتى الآن تجميع قدر هائل من الأدلة على تورط قوات الأمن التابعة للنظام في المجازر. وذكرت تقارير محلية أن بعض القوات المرسلة إلى السويداء هاجمت الدروز بوحشية، وارتكبت عمليات قتل مصحوبة بالنهب وإحراق المنازل في القرى الدرزية. وهذا النمط مألوف من الاشتباكات التي وقعت ضد الطائفة العلوية في آذار 2025، عندما اتُهمت قوات تابعة للشرع بقتل مئات المدنيين العلويين في شمال غرب سوريا – وهي مذبحة استندت إلى الانتقام الطائفي ضد الموالين للنظام القديم -، وكذلك من الاشتباكات ضد الطائفة الدرزية التي وقعت في نهاية نيسان.

وتشكل مسألة مسؤولية النظام السوري الجديد عن مجازر الدروز محور النقاش. ومن الممكن أن يكون الأمر واحداً من أمرين: أن الشرع هو الذي أعطى تعليمات واضحة لرجاله بتنفيذ المجزرة و”تصفية الحسابات” مع الطائفة الدرزية. أو أن تصريحاته – التي يقول فيها إنه تدخل في السويداء فقط لمنع الفوضى وأن “حماية الدروز وحقوقهم هي أولوية قصوى” – تعكس قدراً من الحقيقة. وبعبارة أخرى، لم يأمر الشرع نفسه صراحة بالهجوم على الأقلية الدرزية، ولكن القوى العاملة باسمه استغلت الانتفاضة لتصفية حسابات طائفية قديمة، ربما مع غض القيادة الطرف، إلى جانب الفوضى العارمة التي لا يمكن السيطرة عليها والتي نجمت عن تجمع كبير من العناصر المسلحة والعنيفة. ومن الجدير بالذكر أن الجيش السوري الناشئ يتألف، من بين عناصر أخرى، من مقاتلين جهاديين، بعضهم مقاتلون أجانب، وهم ليسوا بالضرورة موالين للنظام بشكل كامل. وعلى أية حال، فإن افتقار الشرع للسيطرة على قواته، بما في ذلك شعبه، يثبت مرة أخرى.

على الرغم من أنه، كما في الصراعات السابقة، لم يتم إثبات أي توجيه للعمل من الشرع نفسه. ولكن من المفيد طرح الأسئلة التالية في محاولة لفهم ما يحدث: باسم الرغبة في “إغلاق” الحسابات الطائفية أو ترسيخ السيطرة على جنوب سوريا، هل كان الشرع ليخاطر بكل إنجازاته الدبلوماسية والاقتصادية التي راكمها خلال الأشهر السبعة الماضية، بما في ذلك الاعتراف والدعم الإقليمي له، والثقة التي وضعها الرئيس الأمريكي ترامب فيه، والقرار الأمريكي التاريخي برفع العقوبات التي تخنق الاقتصاد السوري؟ وعلاوة على ذلك، فمن المرجح أن الشرع قد تعلم من خطورة المواجهة مع الطائفة الدرزية فيما يتصل بالرد المحتمل من جانب إسرائيل. فهل يخاطر بأن ترد إسرائيل بطريقة قد تهدّد ليس فقط عرشه، بل وبقاءه أيضاً؟ وتثير هذه الأسئلة الشكوك حول تورطه المباشر، لكن لا يمكن استبعاد أن تكون هذه الخطوة قد تمّت بعلم الشرع أو على الأقل بغض النظر عنها.

  • دعم الدروز في سوريا.. التزام أخلاقي أم مخاطرة؟

يشكل المجتمع الدرزي في إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الإسرائيلي. وفي ضوء التقارير عن مجزرة بحق إخوانهم في السويداء، فإن تحرك إسرائيل وتدخلها – وإن كان محدوداً – ينبع من الشعور بالمسؤولية الوطنية والمصير المشترك. وأعرب المسؤولون الإسرائيليون مراراً وتكراراً عن التزامهم بحماية حقوق الدروز. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدروز بـ “الإخوة”، وأعلن أن إسرائيل لن تكون قادرة على قبول وضع يبدأ فيه الجيش السوري بمذبحة الدروز، على حد قوله، في منطقة وعدت بالبقاء منزوعة السلاح. إلى جانب الاعتبار الأخلاقي، هناك أيضاً اعتبار استراتيجي: إن إنشاء نظام جديد في دمشق – بعض أعضائه أعضاء سابقون في منظمات جهادية – يثير المخاوف في إسرائيل، خصوصاً إذا حاول هذا النظام إعادة السيطرة على جنوب سوريا بالقوة العسكرية. ويمكن للدروز، الذين يشكلون أغلبية مطلقة في محافظة السويداء، أن يعملوا كحاجز ويمنعوا العناصر المعادية من السيطرة على المنطقة القريبة من الحدود الإسرائيلية.

ولكن كما حدث في الأحداث السابقة في سوريا، فإن الدعم الإسرائيلي للدروز، والذي ترجم إلى هجمات شاملة على دمشق، أثار جدلاً في إسرائيل بسبب المخاطر التي ينطوي عليها. أولاً، هناك خوف من “عقدة غوردي” (وهي عقدة معقدة يصعب فكها، وهي تشابك. كان الاعتقاد السائد في العصور القديمة أن من يستطيع فكها يغزو قارة آسيا). الاعتماد المفرط على الرعاية الإسرائيلية، وهو ما من شأنه أن يضر بصورة وشرعية المجتمع الدرزي في سوريا. وهناك بالفعل مزاعم بأن الدروز يعملون بمثابة “الطابور الخامس” باسم المصالح الإسرائيلية. علاوة على ذلك، فإن المجتمع الدرزي في سوريا ليس متجانساً، ويضم أيضاً عناصر متطرفة متورطة في تأجيج الصراع، مثل الحركة التي يقودها العلامة حكمت الهاجري و”المجلس العسكري” الذي يعمل تحت إمرته. ويبدو أن بعض الزعماء الدروز أنفسهم، المهتمين بالاندماج في وسائل الإعلام السورية المتجددة، مترددون في مناشدة إسرائيل علناً، خشية أن يتم منحهم صورة كونهم تحت حماية العدو. علاوة على ذلك، فإن الهجمات الإسرائيلية التي تهدف إلى حماية الدروز وضعت إسرائيل في مركز الانتقادات في سوريا والمنطقة، مع اتهامات بالانقسام وتصعيد العنف في سوريا.

  • الهجمات الإسرائيلية.. استعراض للقوة أم طلقة على القدم؟

كانت الهجمات الإسرائيلية في سوريا بمثابة استعراض للقوة، يعكس تصميماً على التصرف في مواجهة التهديد للمصالح الإسرائيلية، ويعتمد على الصورة القوية التي نجحت إسرائيل في تجميعها خلال العام الماضي. لقد أثبتت إسرائيل مرة أخرى أنها تحافظ على التفوق الجوي المطلق في الفضاء. إن الهجوم بالقرب من مقر وزارة الدفاع السورية وقصف الأهداف حول القصر الرئاسي أشار للرئيس الشرع أن إسرائيل مستعدة للتصعيد إذا تعرضت مصالحها للتهديد: لن يُسمح بإلحاق الضرر بالأقلية الدرزية في الجنوب، ولن يتم انتهاك المطلب بالحفاظ على جنوب سوريا كمنطقة منزوعة السلاح. وفي هذا السياق، أوضح المسؤولون السوريون أنهم يعتقدون أن هناك “ضوءاً أخضر” من الولايات المتحدة وإسرائيل للقيام بعمل عسكري، ولا يتوقعون رداً من إسرائيل.

 وبعد انسحاب قوات النظام من السويداء، بدا أن التحرك الإسرائيلي أعطى نتيجة إيجابية في كبح العنف وتسريع وقف إطلاق النار. لكن بعد ذلك بفترة وجيزة، اشتدت الصراعات بين البدو والدروز. وأدى التصعيد إلى تحول حاد في الموقف الإسرائيلي (على ما يبدو بسبب الضغوط الأمريكية)، حيث صرح مصدر سياسي أن إسرائيل وافقت على السماح بدخول محدود لقوة من الأمن الداخلي السوري إلى المنطقة خلال الـ 48 ساعة القادمة.

إن درجة مسؤولية النظام ليست ذات قيمة جدلية فحسب، بل ترتبط بالأساس المنطقي الذي يوجه التحرك الإسرائيلي. وإذا تبين أن النظام الجديد وجّه شعبه لإلحاق الأذى بالسكان الدروز، فإن الإجراء الإسرائيلي يبدو بمثابة خطوة إنسانية مبررة – وهو بمثابة تحذير من أن جرائم الحرب ضد الأقليات لن تمر دون أن يلاحظها أحد -. وكما زعم كثيرون في إسرائيل، فإن التدخل العسكري كان ضرورة أخلاقية في مواجهة نظام يشبه منظمة جهادية في طبيعته، ويتظاهر بخطاب معتدل ولكنه يسمح بالمجازر الطائفية. وبذلك، فرضت إسرائيل بحزم مطلبها بالحفاظ على نزع الأسلحة الثقيلة في المنطقة. ولكن إذا كان الشرع قد حاول فعلاً منع إراقة الدماء وجر إلى أزمة خرجت عن السيطرة، أو فقد السيطرة على قواته على الأرض، فإن الهجوم الإسرائيلي لا يبدو مجرد تدخل في الشؤون الداخلية لسوريا التي تعيش في خضم عملية توحيد وتجديد فحسب، بل إنه يؤدي أيضاً إلى تآكل وإضعاف مكانة وشرعية النظام المركزي، وبالتالي المساهمة في الفوضى.

وبهذه الروح، بدأت الانتقادات الموجهة لإسرائيل تسمع. واتهم الشرع إسرائيل بتقويض استقرار بلاده، وزعم أن إسرائيل تستغل العنف الطائفي كذريعة لتفتيت وحدة الشعب. وبالنسبة لدمشق وحلفائها، أكد هذا التدخل الرواية المألوفة التي تقول إن إسرائيل تهدف إلى خلق الصراعات بين الطوائف وتقسيم الدول العربية بهدف إضعافها. وسمعت رسائل مماثلة من تركيا والأردن والمملكة العربية السعودية وقطر، التي انضمت إلى إدانة التدخل الأجنبي في الشؤون السورية والتعبير عن دعمها لسلامة سوريا وأمنها. وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن “لا تدعم” التحرك الإسرائيلي، وإن الولايات المتحدة تعمل دبلوماسياً مع كل من إسرائيل وسوريا لنزع فتيل الأزمة. وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دعت روسيا ودول أخرى إلى احترام سيادة سوريا، وأدانت ضمناً “الجهات الخارجية” التي تستغل الوضع الهش لتأجيج التوترات الطائفية.

وتعكس هذه التطورات معضلة إسرائيلية تتعلق بطبيعة الدولة السورية. ومن الواضح أن إسرائيل لم تقم بعد بالتحقيق بشكل شامل في أي دولة في سوريا – موحدة أو مقسمة – ستحمي مصالحها الأمنية بشكل أفضل. ظاهرياً، يمكن لحكومة مركزية مستقرة وقوية أن تفرض السيطرة والنظام في سوريا، بما في ذلك على الحدود مع إسرائيل. لكن في الوقت الحاضر، ليس هذا هو الحال، إذ يكشف الشرع مرة أخرى أن قدرته على السيطرة على الأراضي محدودة بشكل واضح. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من الاتصالات التي جرت معه في الأشهر الأخيرة، فإن الشكوك الإسرائيلية حول شخصيته ونواياه لا تزال قائمة. ومن ناحية أخرى، فإن حكومة ضعيفة وبلد منقسم إلى مجموعة كبيرة من العناصر المتطرفة والعنيفة قد يخلق حالة من الفوضى والعنف التي قد تمتد إلى الأراضي الإسرائيلية، في غياب عنوان واضح يمكن معالجته. إن الديناميكيات على الأرض ودور الدول الإقليمية والولايات المتحدة في محاولة تخفيف التوترات وحل الأزمة سوف تحدد التطورات المستقبلية، ولكن التحركات الإسرائيلية سوف يكون لها تأثير على اتجاهها أيضاً.

4- انهيار المفاوضات أم العودة إلى الطاولة؟

يطرح الصراع أمام إسرائيل وسوريا عدة سيناريوهات مستقبلية – بين استمرار الجمود والعداء وتجديد عملية التسوية والمصالحة -. وعلى المدى القريب، من الممكن أن تؤدي الصدمة الحالية إلى تجميد طويل الأمد لأي قناة للحوار أو المفاوضات بين القدس ودمشق. إن انعدام الثقة المصحوب بالخطاب القاسي من الجانبين قد يعيد البلدين إلى نمط مألوف من العداء. وفي هذا الوضع، يكمن الخطر في أن أي حدث معزول – حادث حدودي، أو هجوم من جانب ميليشيات، أو استفزاز – قد يؤدي إلى إعادة إشعال الصراع في غياب آلية تنسيق لمنعه.

من ناحية أخرى، فمن الممكن أن تعود عملية التسوية إلى مسارها من هذه النقطة بالتحديد، وفي ضوء الدعم الأمريكي، وربما أكثر من ذلك، انطلاقاً من إدراك أهمية منع حدوث منعطف عنيف آخر. لقد أوضحت الولايات المتحدة بالفعل أن هناك “فرصة أمامها للتوصل إلى اتفاق مستقر بين الدولتين السياديتين” – إسرائيل وسوريا – وأنها ستعمل على تعزيز ذلك. إن مصالح الشرع واضحة: الاستقرار، والمساعدة الدولية في إعادة إعمار سوريا، والحد من الفوضى الطائفية، وهي أهداف لن تتحقق في غياب اتفاق مع إسرائيل. من جانبها، تأتي إسرائيل إلى طاولة المفاوضات هذه المرة من موقع قوة (أكثر من أي وقت مضى)، وبالتالي يمكنها إعادة تحديد شروطها، بما في ذلك الحفاظ على منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا، والاتفاق على تشكيل القوات التي ستؤمن المنطقة العازلة، والتزام سوري بحماية الأقلية الدرزية، وجعل أي انسحاب لقواتها مشروطاً بتنفيذ النظام لشروطه تدريجياً. إن إسرائيل مهتمة بتجنب التورط العسكري طويل الأمد في سوريا، وهي تدرك المصلحة المشتركة التي تتقاسمها مع النظام في منع إيران ووكلائها من إعادة تأسيس أنفسهم على أراضي البلاد. ولذلك، قد يسعى الجانبان إلى التوصل إلى تفاهمات صامتة أو علنية لتحقيق استقرار الوضع.

التوصيات

في ضوء التطورات الأخيرة، فإن إسرائيل مطالبة بصياغة سياسة حذرة ومستنيرة – سياسة تحافظ على التزامها بسلام الطائفة الدرزية والمصالح الأمنية في المنطقة -، ولكنها تتجنب أيضاً تدهور الصراع العسكري الذي قد يُنظر إليه على أنه تدخل تصعيدي في قلب الأزمة السورية الداخلية، والذي من شأنه أن يثير ردود فعل مضادة. بعد الرد الإسرائيلي القاسي على النظام، فمن الحكمة تجنب ضرب المراكز الحكومية المركزية في دمشق قدر الإمكان، إلا إذا وقع حدث متطرف يتطلب رداً مباشراً. إن التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة له أهمية قصوى. وتستطيع واشنطن أن تستغل تأثيرها على الشرع للحد من العنف ضد الأقليات (بقدر ما تستطيع). الرسالة الأساسية التي يجب على إسرائيل إيصالها بالتعاون مع واشنطن هي أن استمرار المساعدات الدولية لإعادة إعمار سوريا وشرعية النظام الجديد سيكون مشروطاً بسلوكه، وخصوصاً تجاه الأقليات. وفي هذا الإطار، من المناسب المطالبة بأن يفرض الشرع عقوبة فورية على أي مقاتل يعتدي على الدروز مخالفاً تعليمات النظام.

وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست طرفاً رسمياً في عملية المصالحة الداخلية في سوريا، إلا أنها يجب أن تدعم مبادرات الوساطة التي من شأنها أن تؤدي إلى اتفاق بين النظام السوري والقيادة الدرزية، وخصوصاً أمام الولايات المتحدة والأردن، التي استضافت الاجتماع الثلاثي بهدف تعزيز وقف إطلاق النار. ويجب على الحكومة الإسرائيلية أن تستمر في احتضان مواطنيها الدروز، ودمجهم في الدولة، وضمان أمنهم – مع تحديد حدود واضحة -، وكان عبور مئات الشباب الدروز للحدود أمراً غير مسبوق وكان من الممكن أن يورط الجيش الإسرائيلي في صراع مباشر على الأراضي السورية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لإسرائيل أن تعمل مع الدول الإقليمية والمنظمات الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الدروز في السويداء، وحتى النظر في مواصلة استقبال الجرحى الدروز في المستشفيات الإسرائيلية.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن مستقبل الحوار الإسرائيلي السوري يعتمد إلى حد كبير على الخطوات التي يتخذها اللاعبون الرئيسيون – إسرائيل، وسوريا، والولايات المتحدة، وأصحاب المصلحة الإقليميين – في الأسابيع المقبلة. وسوف تحدد قراراتهم ما إذا كانت أحداث السويداء ستُذكر كحدث مأساوي، لكنه في الواقع ساهم في تسريع جهود الأطراف للوصول إلى حل طويل الأمد، أو كنقطة تحول قوضت الثقة الهشة وجدد العداء بينهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *