إقليميات

بَعد الضَّفة الغربية.. الفَاصِلُ نَهرَ الأُردُن

بقلم زينب عدنان زراقط

التصريحات تأتي وسط إرباك أمني يهدد المنطقة وضغطٍ لانتزاع سلاح المقاومة، بينما يستمر الجيش الإسرائيلي في التصعيد على جبهتي غزة والضفة، وتنفيذٍ للخطاب التوسعي إلى وقائع استيطانية وأمنية على الأرض.

أمّا التالي فهو الدول العربية و”الأقربون أولى”، فلا اتفاقيات تطبيع تُغنيهم ولا صفقات أخرى تحميهم. ماذا بعد الضفة الغربية، – شِبرٌ – بعد الحدّ الفاصل مع نهر الأردن؟!.

“إسرائيل الكبرى” خطر إقليمي

تصريحات نتنياهو التي تتحدث عن احتلال أراضٍ عربية واسعة لم تعد مجرد تصريحات سياسية عابرة أو تحركات سرية، بل هي إعلان نوايا واضح وعلني. نتنياهو يتحدث عن مهمته التاريخية والروحية كقائد لحركة توسعية، ما يشير إلى أن هذه السياسة ليست فقط سياسية بل مدعومة بمعتقدات دينية متشددة، وهذا يزيد من خطورة المشروع ويعكس تصميم القيادة الإسرائيلية على تحقيق هذه الأهداف مهما كانت التكاليف.

رؤية “إسرائيل الكبرى” ليست وليدة اللحظة أو رد فعل على أحداث حزيران 1967، بل هي مشروع طويل المدى يعود إلى بداية القرن العشرين مع مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هيرتزل. وهذا يؤكد أن المشروع التوسعي الإسرائيلي له جذور تاريخية عميقة تستند إلى معتقدات دينية وسياسية. الحديث عن هذه الرؤية اليوم من قبل نتنياهو هو استمرار لهذا المشروع وليس خروجاً جديداً عنه، ما يعني أن الدولة الإسرائيلية تسير وفق مخطط مدروس ومعلن.

التمدد الصهيوني استعاد وتيرة التقدم منذ سقوط نظام الأسد في سوريا وفتح نظام “الجولاني” الباب على مصرعيه أمام الاحتلال الإسرائيلي والتوسع في الجولان السوري والتمركز في جبل الشيخ واحتلال القنيطرة ودرعا جنوب سوريا والاستيلاء على مصادر مائيّة هامة مثل السدود في محافظة قنيطرة (سد المنطرة، والرويحانية، وبريقة، وكودنة). واستكمالاً للمخطط الأرعن، جاء إقرار الكنيست الإسرائيلي منذ أيام على خطط إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية بما في ذلك تقنين بؤر استيطانية سابقة دون ترخيص، في توسّعٍ استيطاني هو الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، باعتبارها خطوة لتقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية. في سياقٍ مُتصل لمشروع 1E، اختصار لمنطقة تُعرف باسم “المنطقة ” (1 East)، مخطط بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في منطقة استراتيجية تقع شرق القدس الشرقية بين مستوطنة “معاليه أدوميم” والقدس، يمتد على مساحة نحو 12 كم2، يهدف لفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية المحتلة، اعتمدته الحكومة الإسرائيلية عام 1999، وتم إحياؤه مؤخراً من بعد سنوات من التجميد، بالإعلان أيضاً عن البدء بخطط لبناء أكثر من 3,000 وحدة سكنية في منطقة 1E. وآخرها إعلان رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي “إيال زامير” مطلع الأسبوع الجاري، عن خطة احتلال شاملة لمدينة غزة والسيطرة الكاملة على محيطها.

مشكلة التوسع الاستيطاني بوتيرته المُتسارعة أنه بات يُشكّل خطراً مُباشراً مُحدق على لبنان من جهة الساحل السوري – المحتل – وعلى الأردن من جهة الضفة الغربية المُحاذية عند حدودها متى ما يتمدد الإسرائيلي فيها.

رؤية نتنياهو لإسرائيل الكبرى وحلمه الديني والسياسي في تحقيق مشروع إسرائيل التي تشمل فلسطين والأردن ومصر، معتبراً نفسه مكلّفاً بتنفيذ هذه الرؤية التي يصفها بالحلم الديني والسياسي. هذه التصريحات تعكس الطموح الاستعماري الإسرائيلي الذي يتجاوز الصراعات الإقليمية التقليدية، ويضع الأردن كهدف رئيسي يأتي بعد غزة.

الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة ترامب أعطوا الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ مُخطط التوسع الإسرائيلي ما يجعلهم محصنين دولياً ومن الصعب على أي جهة دولية أن تعارض أو توقف المخطط. ترامب الذي وصف مساحة إسرائيل بأنها “قطعة أرض صغيرة جداً” بينما كان يتحدث عن إمكانية دعم ضم الضفة الغربية، خلال لقائه مع الصحافيين، في شهر فبراير 2025، الذي جاء إلى البيت الأبيض من الأساس بدعم اللوبي الصهيوني ليحمل استراتيجية التوسع الإسرائيلي وضم الأراضي، باعتبار أن هذه الخطط تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية المشتركة.

الإسرائيلي يستعدّ عند حدود الأردن

الاستعداد العسكري الإسرائيلي ووجود فرق مدرعة قوية على الحدود مع الأردن، مثل فرقة المدرعة 36، التي تُعتبر من أقوى الفرق في الجيش الإسرائيلي، المتواجدة في الضفة الغربية، إضافة إلى تأسيس فرق جديدة مرتبطة بالجسور الحدودية مع الأردن، ما يدل على وجود خطة عسكرية جاهزة ومستعدة للتقدم نحو الأردن ومعدة للتنفيذ في أي وقت. هذا يعكس جدية إسرائيل في تنفيذ مخططها التوسعي، ويبيّن أن الأمر ليس مجرد تهديدات كلامية، بل خطة مدروسة ومجهزة. وفقاً لتصريحات مسؤولين أردنيين سابقين مثل أحمد عبيدات، فإن الأردن سيكون الهدف التالي بعد غزة. هذا يعكس الخطر المباشر على الأردن، الذي يعد من الدول العربية الأكثر تعرضاً للتهديد الإسرائيلي، خصوصاً وأن المخطط بعد الضفة الغربية – لنهر الأردن – دخول الجيش الإسرائيلي تِباعاً بشكل مُباشر إلى الضفة الشرقية – وهي الجهة المقابلة من لنهر الأردن -، أي الأراضي الأردنية الحالية مثل السلط، الزرقاء، عمان، الكرك، إربد، العقبة، وغيرها.

  متى ما ينتهي الجيش الإسرائيلي من خطة السيطرة على غزة والضفة الغربية التي وضعها قيد التنفيذ، يكون الأردن تحت خطر شديد نظراً لقرب المسافات. جسر الملك حسين (المعروف أيضاً بـ “جسر اللنبي” بالإسرائيلية و”معبر الكرامة” بالفلسطينية)، والذي يُعد معبراً هاماً يربط الضفة الغربية بالأردن عبر نهر الأردن، يبعُد فقط 60 كم عن عمان، ومع غياب قوى الردع العسكرية أو السياسية، يشكل تهديداً مباشراً للأردن ويستدعي استعداداً حقيقياً وليس مجرد بيانات ومناشدات سياسية. إنَّ ضُعف الجيش الأردني وعدم حيازته على قدرات دفاعية فعالة وتفككه على شاكلة “درك” غير قادر على مواجهة قوات مدرعة متطورة، وعدم امتلاكه ذخيرة كافية أو تدريباً مناسباً لمواجهة هجوم عسكري خارجي، إضافةً إلى ضعف الدعم الشعبي أو التسلح الشعبي في الأردن ضعيف – مقارنةً مع غزة -، ما يجعل الأردن عرضة للاختراق السريع والاحتلال. السلطات في الأردن اتخذت قراراً مؤخراً بمصادرة كل الأسلحة الفردية وأي مظاهر لحيازة الأدوات العسكرية بين الشعب، في خطوةٍ تُمثّل الرضوخ ورفع الراية البيضاء استباقاً للهجوم.

التجاهل الإعلامي العربي للتهديدات الأكبر وتركيزه بشكل رئيسي على المقاومة الفلسطينية في غزة، وتجاهل التهديد الأكبر المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي المحتمل للأردن، يضعف الوعي الشعبي ويقلل من الضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات وقائية جدية، ما يسهل تنفيذ المخطط الإسرائيلي. ردود الفعل العربية الرسمية التي لا تزيد عن الإدانات والتنديدات، دون أدنى تأثير فعلي، هذا الضعف في المواقف الرسمية يعطي انطباعاً بتراجع النفوذ العربي ودوره في حماية الأراضي العربية، ويشكل فرصة لإسرائيل لاستغلال الانقسامات والضعف العربي لتحقيق أهدافها التوسعية.

كلمة أخيرة، الحرب الدائرة في غزة تمثل الحاجز الرئيسي الذي يمنع إسرائيل من تنفيذ خطتها التوسعية بشكل كامل. المقاومة الفلسطينية التي أظهرت قدرة عالية على إيقاف تقدم الجيش الإسرائيلي، إلى جانب الدعم من حركات المقاومة في لبنان واليمن وإيران، تؤخر تحقيق أهداف نتنياهو. هذا يشير إلى أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس فقط نزاعاً إقليمياً بل معركة مصيرية لمنع احتلال واسع النطاق للأراضي العربية. المقاومة الفلسطينية وجبهة الإسناد لها دور حيوي في تأجيل تنفيذ خطة إسرائيل الكبرى.

المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن والمحاكم الدولية، لا يبدي أي اهتمام حقيقي بوقف المخطط الإسرائيلي، كذلك المواقف العربية الرسمية التي تقتصر على بيانات لا تأثير لها، عزز من فرص نجاح الاحتلال خصوصاً بعد الإبادة الجماعية في غزة دون أن تواجه رداً دولياً فعالاً، ما أعطاها المزيد من الثقة لمواصلة التوسع.

يقول المهاتما غاندي “الطغاة يبدون أقوياء ما دامت الشعوب منحنية، فإذا وقفت سقطوا”. من هُنا تُولد المقاومة لدى الشعوب والأوطان حيث معظم حكامهم رهينة عند طُغاة استكبار العالم، فهلاَّ تستفيق شعوب دول التطبيع وأحرار الدول الذين خذل حكامهم فلسطين وشاركوا في حصارها وإبادتها؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *