دوليات

قاعدة باغرام في دائرة الاطماع الأمريكية.. ترامب: القاعدة مهمة لأمننا

بقلم ابتسام الشامي

قاعدة باغرام

دأب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على توجيه انتقادات لاذعة لسلفه جوبايدن على قراره الانسحاب من أفغانستان من دون الاحتفاظ بقاعدة باغرام كورقة ضغط استراتيجية. ومع وصوله إلى البيت الأبيض لولاية جديدة، لم يخفِ ترامب “رغبته” في استعادة السيطرة على القاعدة الجوية. وبوحي من استراتيجيته “السلام بالقوة”، طلب من حركة طالبان تسليم القاعدة طوعاً، وإلا فإن “أحداثاً سيئة” تنتظر البلاد التي هرب الجيش الأمريكي منها قبل نحو أربع سنوات، بقرار من البيت الابيض، في ما اعتُبرَ أحد أبرز مؤشرات فشل واشنطن في تحقيق اهدافها في غزو أفغانستان عام 2001، وهو القضاء على حركة طالبان بعد اتهامها بمساعدة تنظيم القاعدة في تنفيذ هجمات الحادي عشر من ايلول من العام ذاته.

القاعدة الواقعة شمال العاصمة كابول، والتي شكلت مرتكزاً أساسياً للاحتلال الأمريكي لأفغانستان على مدى عشرين عاماً بوصفها أكبر قواعده العسكرية، تعتبر تاريخياً قاعدة استراتيجية بالنظر إلى مكانها الجغرافي في ولاية باروان البعيدة 60 كيلومتراً عن العاصمة، وهي الولاية التي تمتلك بحسب الخبراء مفاتيح السيطرة على جزء كبير من أفغانستان.

يعود تاريخ إنشاء هذه القاعدة، إلى الحقبة السوفياتية خلال الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، وإبان الغزو السوفياتي لأفغانستان بين عامي 1979 و1989، كانت باغرام قاعدة حيوية، حُصّنت بشكل قوي لإيواء العسكريين السوفييت. لكن بعد انسحابهم من أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، هُجرت قاعدة باغرام الجوية وأصبحت خط المواجهة بين طالبان، التي كانت تسيطر على كابول جنوباً، ومقاتلي التحالف الشمالي المتمركزين في الوديان الجبلية شمالها. وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان مطلع القرن الحالي، أصبحت القاعدة ومطارها تحت الاحتلال الأمريكي عقدين من الزمن، حيث قام الجيش الأمريكي بتوسيع القاعدة، لتتجاوز مساحتها 77 كم، وإنشاء مدرج جديد، ومَرافق طبية، وغيرها. وفي عام 2020، وقّعت إدارة ترامب اتفاقاً مع طالبان، تضمّن انسحاب جميع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من الأراضي الأفغانية، وهو ما تحقق في بداية ولاية الرئيس جو بايدن، في شهر آب من عام 2021، وفي تموز، غادرت القوات الأمريكية قاعدة باغرام، لتصبح منذ ذلك التاريخ تحت سيطرة حركة طالبان وإدارتها.

ترامب وقاعدة باغرام

وعلى الرغم من أن اتفاق الانسحاب من أفغانستان وقعه ترامب مع حركة طالبان إلا أنه كرر على الدوام انتقاده للانسحاب من القاعدة، مردداً أنه لم يكن ليرغب مطلقاً في مغادرة بلاده للقاعدة التي قام بزيارة مفاجئة لها في عيد الشكر عام 2019 خلال ولايته الرئاسية الأولى. وقال ترامب في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في لندن في 18 من أيلول الجاري، “كنا سنغادر أفغانستان، لكننا كنا سنغادرها بقوة وكرامة، وكنا سنحتفظ بباغرام. لقد أعطيناهم إياها دون مقابل. بالمناسبة، نحن نحاول استعادتها”. وبرر مطالبته باستعادة السيطرة على القاعدة، مضيفاً إلى أهميتها الاستراتيجية بعداً مرتبطاً بأولويات سياسة إدارته الخارجية، “باغرام تبعد ساعة واحدة فقط عن مصانع الصواريخ والأسلحة النووية في الصين”، في إشارة إلى موقع تجارب نووية في “لوب نور” بإقليم شنغيانغ قرب الحدود الصينية الأفغانية.

ويشاطر ترامب في وجهة نظره هذه، كبار القادة الأمنيين والعسكريين الأمريكيين، وفقاً لما ذكرته شبكة CNN، مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكي ومسؤولي الأمن القومي الكبار يعتقدون أن القاعدة ضرورية لعدة أسباب، بما في ذلك مراقبة الصين، التي تبعد حدودها أقل من 500 ميل، والحصول على العناصر الأرضية النادرة والمعادن في أفغانستان، وإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب لاستهداف تنظيم “داعش”، وربما إعادة فتح منشأة دبلوماسية.

وفي سياق متصل، تجدر الإشارة إلى رأي وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث من الموضوع معبراً عن تجربة الانسحاب من كابل في عام 2021 باعتبارها اللحظة التي تحولت فيها أفغانستان إلى مرادف للإهانة والتراجع الأمريكي. علماً أن الوزير نفسه، يشدد في كتابه “الحرب على المحاربين”، على أن الولايات المتحدة فقدت 9 قواعد عسكرية، منها باغرام، وتركت وراءها مخزوناً عسكرياً هائلاً وقع في أيدي طالبان، وشمل 40 ألف مركبة عسكرية، بما فيها 12 ألف عربة همفي، 42 ألف قطعة من أجهزة الرؤية الليلية والمراقبة والقياسات الحيوية وتحديد المواقع، 300 ألف سلاح فردي، وعشرات الطائرات المروحية، 10 آلاف قنبلة جو – أرض.

موقف طالبان

حديث ترامب عن مفاوضات لاستعادة قاعدة باغرام، الذي أرفقه بتهديد استعادتها بالقوة ردّت عليه طالبان بالرفض. وأكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأفغانية، ذبيح الله مجاهد، أن أفغانستان لن توافق أبداً على أي اتفاق مع الولايات المتحدة لتسليم السيطرة على قاعدة باغرام الجوية، التي احتلتها القوات الأمريكية حتى عام 2021.

وفي حديث لقناة العربية، قال مجاهد “قاعدة باغرام الجوية جزء من الأراضي الأفغانية، لا تختلف عن أي جزء آخر من أراضينا. لن نوافق أبداً على أي اتفاق أو تسليم أي جزء من أراضينا. لن يسمح أي أفغاني أبداً بالاستيلاء على أرضه أو وضعها تحت سيطرة أجنبية، ولا حتى شبر واحد”. وفي معرض تعليقه على تصريح الرئيس الأمريكي، بأن “أمراً سيئاً” سيحدث لأفغانستان إذا لم تسلّم قاعدة باغرام الجوية”، أشار مجاهد إلى أن الأفغان “عانوا بالفعل من أمرٍ سيئ” على مدى 20 عاماً تحت الاحتلال الأمريكي. وأضاف المتحدث باسم الحكومة الأفغانية أن كابل تنتهج “سياسة متوازنة” وترغب في تطوير علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة والصين.

وإلى الرفض الذي عبرت عنه كابول، حذرت روسيا من أن عودة الولايات المتحدة إلى أفغانستان عبر قاعدة باغرام الجوية، قد تؤدي إلى “نتائج كارثية” بالنسبة لواشنطن.

وقال المبعوث الروسي إلى أفغانستان، ضمير كابلوف، في تصريحات لوكالة “ريا نوفوستي” الروسية، إن الولايات المتحدة “على الأرجح لن تقدم على غزو جديد لأفغانستان”، مضيفاً أن “الأمر يشبه كثيراً الضجة التي أثارها ترامب سابقاً بشأن غرينلاند وكندا، النتائج ستكون كارثية بالنسبة لأمريكا، أما الأفغان فقد اعتادوا على الحرب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *