فول الصويا يحرك الصراع التجاري الأمريكي الصيني.. واشنطن وبكين تتبادلان رسائل التهديد
بقلم ابتسام الشامي
نُذُرُ تصعيدٍ جديدة في الحرب التجارية الأمريكية الصينية لاحت في تهديدات الرئيس الأمريكي ضد الصين بعدما اتهمها بالعدوان الاقتصادي على خلفية وقفها استيراد فول الصويا، والأخيرة تشهر سلاح المعادن النادرة.
خلفية الأزمة
عاد الصراع الاقتصادي الأمريكي الصيني ليهدد الساحة الاقتصادية العالمية من جديد، بعدما أظهرت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة حجم التوتر الكامن في العلاقات بين العملاقين الاقتصاديين. وعلى خلفية توقف الصين عن استيراد فول الصويا من الولايات المتحدة، هدد ترامب بوقف استيراد زيت الطهي منها، واصفاً ما قامت به بالعدوان الاقتصادي على بلاده. وفي منشور على منصته “تروث سوشال” للتواصل الاجتماعي، هدد ترامب بالمزيد من الخطوات التصعيدية، وقال: “ندرس إنهاء علاقتنا التجارية مع الصين في مجال زيت الطهي ومجالات تجارية أخرى كشكل من أشكال الرد.. على سبيل المثال، يمكننا بسهولة إنتاج زيت الطهي بأنفسنا. لسنا بحاجة لشرائه من الصين”. واعتبر الرئيس الجمهوري قرار مستوردي فول الصويا الصينيين التوقف عن شراء فول الصويا من الولايات المتّحدة بمثابة “عمل عدائي اقتصادي” يضر بالمزارعين الأمريكيين.
وعلى الرغم من أنها عنوان المرحلة الحالية من الصراع الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن أزمة فول الصويا ليست جديدة، وتعود إلى الولاية الأولى للرئيس الأمريكي الحالي. ففي الثانية من وصوله إلى البيت الأبيض، بادر إلى فرض رسوم جمركية على عدد من السلع المستوردة من الخارج من بينها الحديد والصلب، بزعم حماية الاقتصاد الوطني، ما أدى إلى تأثر اقتصادات الدول المصدرة وفي مقدمهم الصين، التي سارعت إلى الرد بالمثل كإجراء انتقامي، وفرضت تعرفة جمركية بنسبة 25% على فول الصويا الأمريكي، لتتحول هذه السلعة إلى سلاح استراتيجي في المواجهة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، بلغت ذروتها عام 2019 عندما، علّقت بكين وارداتها من المنتجات الزراعية الأمريكية، ما أدى إلى مفاقمة خسائر المزارعين الأمريكيين الذين يعد فول الصويا مصدر الدخل النقدي الأساسي بالنسبة إليهم.
ولتوضيح حجم الخسائر التي مني بها الاقتصاد الأمريكي نتيجة القرار الصيني، تكفي الإشارة هنا إلى أن الصين التي تعد أكبر مستورد لفول الصويا الأمريكي تاريخياً، استوردت عام 2017 فقط ما قيمته نحو 12 مليار دولار منه.
ولتعويض حاجتها من السوق الزراعية الأمريكية، توجهت الصين إلى أمريكا الجنوبية، وتحديداً إلى البرازيل والأرجنتين ما عزز إيرادات القطاع الزراعي في كلا البلدين ووفر لبكين إمداداتها الغذائية بعيداً عن النفوذ الأمريكي. وبحسب تقارير للرابطة الوطنية لمصدّري الحبوب في البرازيل (Anec)، استوردت الصين 6.5 مليون طن من فول الصويا البرازيلي في أيلول الماضي. في حين توقعت بيانات وزارة الزراعة الأرجنتينية أن تصل صادرات الأرجنتين من فول الصويا من حصاد موسم العام الجاري إلى حوالي 10.5 مليون طن متري، وهو أعلى مستوى في سبع سنوات.
تصاعد الأزمة
مع الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن، هدأت جبهة الحرب التجارية نسبياً، بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من دون أن تنتهي مفاعيلها بالكامل، وخلال هذه الفترة، عادت الصين إلى استيراد فول الصويا من الولايات، وفي عام 2024 بلغت صادرات فول الصويا الأمريكي إليها نحو 26.8 مليون طن متري بقيمة 12.64 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 51% من إجمالي صادرات فول الصويا الأمريكية، بحسب خدمة الزراعة الخارجية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية. لكن هذه السلعة الاستراتيجية في الصراع الاقتصادي الدائر بين البلدين، ستتأثر مجدداً بتداعيات الصراع، مع قرارات ترامب فرض رسوم جمركية على مختلف واردات بلاده ضمن ما سماه تحرير الاقتصادي الأمريكي.
وبينما اتخذ قرارات بتجميد الرسوم على مختلف دول العالم “افساحاً في المجال” لاتفاقات ثنائية، أبقى على الرسوم المفروضة على الصين، وتوعد بالمزيد منها. ويوم الجمعة الماضي، أعلن أن الولايات المتحدة بصدد فرض رسوم جمركية إضافية على وارداتها من الصين بنسبة 100%، تضاف إلى تلك السارية أساساً، وذلك اعتباراً من الأول من تشرين الثاني المقبل أو حتى “قبل ذلك”.
وأدخل الرئيس الأمريكي زيت الطهي المستورد من الصين في قائمة السلع المهددة بالحظر كإجراء انتقامي، علماً أن المقصود بهذا الإجراء، هو ناتج ثانوي مستخرج من بقايا الزيوت في المطاعم والمصانع الغذائية يعاد تدويره لاستخدامه كمادة أولية في إنتاج الديزل الحيوي ووقود الطائرات المستدام ضمن خطط التحول نحو الطاقة النظيفة.
وعلى الرغم من وضع زيت الطهي مقابل فول الصويا في الصراع، إلا أن المقارنة بين قيمة واردات الولايات المتحدة من زيت الطهي المعالج من الصين وبين قيمة صادراتها من فول الصويا إلى الصين خلال عام 2024، يشير بحسب بلومبيرغ إلى أن الفارق ضخم. “إذ لا تتجاوز واردات واشنطن من زيت الطهي الصيني نحو 1.2 مليار دولار، في حين تبلغ صادرات فول الصويا الأمريكية إلى الصين أكثر من 12 مليار دولار، أي ما يعادل عشرة أضعاف تقريباً” وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي.
بكين: مستعدون للقتال حتى النهاية
تهديدات ترامب قابلتها الصين بإبداء الاستعداد للمواجهة حتى النهاية. ورداً على الرئيس الأمريكي، قالت وزارة التجارة الصينية في بيان “إذا كنتم تريدون القتال، فسنقاتل حتى النهاية. وإذا كنتم ترغبون في التفاوض، فبابنا سيبقى مفتوحاً”.
وإذ ذكرت وزارة التجارة الصينية بالجولات التفاوضية العديدة التي جرت بين بكين وواشنطن منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام، شددت على أن سياسة التهديد والوعيد لا تنفع معها. مضيفة “لا يمكن للولايات المتحدة أن تسعى إلى الحوار وتهدد في الوقت نفسه بفرض قيود جديدة. هذه ليست الطريقة التي يُتحدّث بها مع الصين”.
وإلى فول الصويا وزيت الطهي، عادت إلى الواجهة المعادن النادرة التي تدخل في صلب صناعة الإلكترونيات والسيارات الكهربائية والتقنيات الدفاعية. إذ فرضت الصين ضوابط تصدير جديدة على هذه المواد، وهو ما اعتبره وزير الخزانة الأمريكي “سكوت بيسنت” محاولة لإضعاف الاقتصاد العالمي.
خاتمة
يعود الصراع الصيني الأمريكي ليهدد الاقتصاد العالمي، وعلى الرغم مما قد تبدو عليه الأزمة المستجدة أنها محدودة، إلا أن تصاعد تبادل السلع المستهدفة بالحظر أو بالرسوم الجمركية من شأنه أن يؤثر في الاقتصاد العالمي برمته، لاسيما إذا ما قررت الصين السير التصاعدي في الرسوم الجمركية المرتبطة بالمعادن النادرة، وما لهذه الأخيرة من تأثير في الصناعات الحساسة حول العالم.
