دوليات

أزمة مدغشقر تنتهي بانقلاب عسكري.. منظمو الحراك قلقون

بقلم ابتسام الشامي

خلفية الأزمة

انتهت واحدة من أخطر الأزمات السياسية التي شهدتها مدغشقر في تاريخها، بانقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب أندريه راجولينا، بعد احتجاجات شعبية بدأت في أواخر شهر أيلول الماضي، بسبب انقطاعات في إمدادات الكهرباء والماء، قبل أن تتحول إلى صدامات بين الشرطة وحركة “جيل زد” التي تقف خلف تحريك الشارع.

الدولة الجزرية الواقعة في المحيط الهندي

كانت بوادر الانقلاب العسكري فيها قد بدأت بالظهور مع رفض إحدى وحدات الجيش، المعروفة باسم “كابسات” الانصياع لأوامر السلطات بقمع الاحتجاجات بالقوة، قبل أن تعلن انضمامها إلى المتظاهرين، وتصدر بياناً تدعو فيه الشعب والقوى الأمنية والعسكرية الأخرى إلى “توحيد صفوفهم ورفض أوامر إطلاق النار على إخوانهم وأخواتهم”.

وقد أدى هذا الموقف إلى تزخيم حركة الاحتجاج، ما دفع راجولينا إلى التنبيه، من “محاولة للاستيلاء على السلطة بفرض القوة على أراضي البلاد، وهو ما يتعارض مع الدستور ومبادئ الديمقراطية”.

وفي ظل تصاعد الحركة الاحتجاجية، تسارعت التطورات بشكل لافت، وفي 12 تشرين الأول، أفادت إذاعة “RFI” الفرنسية، نقلاً عن مصادرها، أن الرئيس أندريه راجولينا غادر البلاد على متن طائرة عسكرية فرنسية، بالتنسيق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لتسارع الجمعية الوطنية في مدغشقر بعد فرار الرئيس إلى عزله، واختيار المحكمة الدستورية العليا العقيد مايكل راندريا نيرينا مرشحاً جديداً لمنصب رئيس الدولة، وعلى الرغم من أن ما جرى يعد انقلاباً عسكرياً “ناعماً”، إلا أن الرئيس المنصّب، فضل نفي صفة الانقلاب عنه تفادياً للعقوبات الإقليمية والدولية، وعشية أدائه اليمين الدستورية رئيساً جديداً لمدغشقر، أوضح الكولونيل راندريانيرينا بأن استيلاءه على السلطة، “ليس انقلاباً”، وقال للصحفيين إن “الانقلاب هو دخول جنود إلى القصر الرئاسي مسلحين، وهم يطلقون النار، وهناك سفك دماء.. هذا ليس انقلاباً”، مشيراً إلى أن الجيش سيحكم إلى جانب سلطة مدنية لمدة تصل إلى عامين، قبل تنظيم انتخابات جديدة.

إدانات دولية

محاولة نفي صفة الانقلاب عما جرى، لم تمنع من صدور سلسة من الإدانات الإقليمية والدولية تقدمتها إدانة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش الذي ندد بـ “التغيير غير الدستوري للحكومة”، وحث على “العودة إلى النظام الدستوري وسيادة القانون”. أما الاتحاد الأفريقي، الذي حظر عضوية مدغشقر، فقد أعلن أنه أرسل بعثة إلى البلاد لمناقشة “استعادة النظام الدستوري”. كما أرسلت “مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي” (سادك) فريقاً لتقصي الحقائق. وفي بيان صادر عن مفوضية الاتحاد الأفريقي بمدينة أديس أبابا، عبّرت المفوضية عن قلقها العميق اتجاه التطورات الجديدة، مؤكدة على ضرورة فتح حوار شامل يعيد البلاد إلى المسار الديمقراطي، كما تابعت فرنسا الموقف عن كثبٍ، في حين وصفت وزارة الخارجية الأمريكية الانقلاب، بأنه انتهاك واضحٌ للمؤسسات الديمقراطية ودعت إلى حماية المدنيين.

مخاوف المنظمين

الإدانات الإقليمية والدولية للانقلاب العسكري ترافقت مع ارتفاع مستويات القلق لدى حركة جيل z التي وقفت خلفت الاحتجاجات. وهي إذ تعتبر أنها حققت هدفاً من اهداف الحراك بالإطاحة بأحد رموز الفساد، إلا أنها تبدو غير مرتاحة لحكم العسكر.

وفي هذا السياق، رأت صحيفة “ذا إيست أفريكان”، أن الاستقبال المبدئي الذي لقيه تدخل عناصر من وحدة “كابسات” العسكرية أزال رأس النظام بسرعة، لكن سرعان ما ارتفعت أصوات القلق لدى قادة الحركة حول من سيكتب ملامح المرحلة الانتقالية.

وذكرت الصحيفة أن هناك فرقاً بين إزالة رئيس فاشل وبناء نظام بديل فعّال. مشيرة إلى أن القلق لدى الحركة يكمن في إمكانية أن يتحول الجيش من حام إلى حاكم دائم موجود، كما أن قادة الاحتجاجات الذين قابلوا القائد العسكري خرجوا بمشاعر مختلطة: ترحيب بالحماية، وتحفّظ على غياب خطة انتقال مدنية واضحة.

وبحسب الصحيفة ذاتها فإن النجاحات الرمزية للجيل Z لا تضمن انتقالاً ديمقراطياً مستداماً، ذلك أن تاريخ مدغشقر السياسي يذكر بأن دور الجيش في الحكم غالباً ما أعقبته أزمات اقتصادية وسياسية، وهو ما يزيد من مخاطر تآكل المكاسب الاجتماعية.

خاتمة

تعكس أزمة مدغشقر تحديات متعددة في القارة الأفريقية، أهمها الصراع بين الأجيال الشابة التي تطالب بالتغيير ومطالبة الأنظمة الحاكمة بالاستقرار، إضافة إلى الفساد المستشري والتحديات الاقتصادية العميقة التي تزيد من استياء الشعب. كما تسلط الضوء على هشاشة السلطات السياسية الحاكمة، لاسيما تلك المستمدة نفوذها من الاستعمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *