الخطة الأمريكية لوقف الحرب ترامب يفرض على أوكرانيا تقديم تنازلات قاسية لمصلحة روسيا
بقلم ابتسام الشامي
بخطته المسربة عبر وسائل الإعلام الأمريكية، يرفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منسوب الضغوط على أوكرانيا للقبول بمقترحه لوقف الحرب، وإن جاء ذلك على حساب سيادتها ووحدة أراضيها.
مضمون الخطة
يستعجل الرئيس الأمريكي إنهاء الحرب في أوكرانيا، ليضم “الإنجاز” المرتقب إلى ما يدعيه إنجازات مماثلة لحروب وضع حدا لها بين ولايتيه الأولى والثانية. وهو اذ يلقي بثقله في هذا الملف المفتوح منذ نحو أربع سنوات، فإنما يحتاج إلى إنهائه باتفاق سياسي، ليكرس ما يسوقه لنفسه منذ حملته الانتخابية التي أوصلته مجددا إلى البيت الابيض بأنه صانع سلام. وهي صفة لم يتردد ترامب في تسويقها لنفسه بنفسه، فضلاً عن فريق عمله، أملاً بأن تكون معبره لنيل جائزة نوبل للسلام قبل أن تذهب إلى المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو.
صاحب استراتيجية فرض السلام بالقوة، اختار تفعيل مبدئه هذا في الملف الأوكراني، علماً أن ما يصاحبه من ضغوط سيقع على عاتق الدولة التي تعتبر حليفة بلاده، والتي استخدمتها في استراتيجية محاصرة روسيا والحد من تأثير نفوذها الجيوسياسي، وورطتها مع أوروبا في الحرب ضد الأخيرة، لتنتقل مع إدارة ترامب من ضفة المحرض على الحرب والنافخ في أتونها، إلى ضفة الوسيط العامل على إخمادها.
الخطة التي وافق عليها ترامب لـ “السلام” بين أوكرانيا وروسيا، سربها الإعلام الأمريكي بعد وقت قصير من اقرار خطته لغزة في مجلس الأمن، وتلقفتها كييف بعدم ارتياح واضح، كونها تفرض عليها التنازل عن جزء من اراضيها، اضافة إلى تخفيض عديد جيشها. وبحسب موقع “أكسيوس” فإن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي تعتمد على مبدأ “الأرض مقابل الضمانات الأمنية”، تقترح منح روسيا أجزاء من شرق أوكرانيا لا تسيطر عليها حاليا، مقابل تقديم ضمانات أمريكية لأوكرانيا وأوروبا بعدم تعرضها لأي اعتداء روسي مستقبلي. ووفق الموقع ذاته، تشمل الخطة المؤلفة من ثمانية وعشرين بنداً، السيطرة الكاملة لروسيا على منطقتي لوغانسك ودونيتسك في دونباس، مع بقاء 14.5٪ من الأراضي تحت سيطرة أوكرانيا، على أن تكون المناطق منزوعة السلاح وغير قابلة لانتشار القوات الروسية فيها. كما تنص الخطة على إبقاء خطوط السيطرة الحالية في خيرسون وزابوريجيا على وضعها الراهن، مع إمكانية إعادة روسيا بعض الأراضي، وفق مفاوضات لاحقة. وتدعو الخطة الولايات المتحدة ودولاً أخرى للاعتراف بشبه جزيرة القرم ودونباس كأراض روسية شرعية، دون إلزام أوكرانيا بالاعتراف بذلك. كما تتضمن قيوداً على حجم الجيش الأوكراني وأسلحته بعيدة المدى، مقابل ضمانات أمنية أمريكية، من دون ايراد تفاصيل حول هذه الضمانات.
وفي إطار التسويق للخطة، أشار مسؤول أمريكي لموقع أكسيوس إلى أن “أوكرانيا وداعميها سيعتبرون هذه الخطوة تنازلاً هائلاً بينما يرى البيت الأبيض أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى خسارة أوكرانيا لأراضيها، ما يجعل الاتفاق الحالي في مصلحتها”.
بدوره لفت وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو إلى أن الوثيقة كانت عبارة عن “قائمة بالأفكار المحتملة” وليست اقتراحاً مكتملاً. وكتب روبيو عبر صفحته على “إكس”، “إن إنهاء حرب معقدة وقاتلة مثل تلك الدائرة في أوكرانيا يتطلب تبادلاً واسع النطاق للأفكار الجادة والواقعية”، مضيفاً “ويتطلب تحقيق سلام دائم موافقة الطرفين على تنازلات صعبة، وإن كانت ضرورية. ولهذا السبب، نعمل حالياً، وسنواصل العمل، على وضع قائمة بأفكار محتملة لإنهاء هذه الحرب، بناء على مساهمات طرفي الصراع”.
ردود الفعل
وفي أول رد فعل على المقترح المسرب، قال الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلنسكي، “إن اوكرانيا ستعمل جادة لإنجاح مقترحات السلام الأمريكية”، وتعهد بـ “عدم عرقلة أي مساع دبلوماسية”. لكن نـائـبـة مـنـدوب أوكـرانـيـا فـي مـجـلـس الأمـن خريستينا هايوفيشين، قالت إننا “مستعدون للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب وخطوطنا الحمراء واضحة لا تتزعزع” مضيفة “لن نقبل أي قيود على حقنا في الدفاع عن النفس أو على حجم وقدرات قواتنا المسلحة”. يأتي هذا الرد الأوكراني، بعدما كان موقع “أكسيوس” قد كشف عن محادثات جرت بين ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب، ورستم عمروف، مستشار الأمن القومي للرئيس الأوكراني، نهاية الأسبوع الماضي، حيث جرى “تضمين العديد من ملاحظات أوكرانيا في نص الخطة”.
وبخلاف معلومات موقع اكسيوس، يشير موقع صحيفة بوليتيكو، إلى أن المسؤولين الأوكرانيين والأوروبيين أصيبوا “بالذهول لأن الخطة طبخت من دون مشاركتهم”. وتقول الصحيفة إن “ويتكوف بدأ العمل على الخطة في أواخر أكتوبر، بعد لقائه ديميترييف في ميامي، ما أثار خشية الغرب من احتمال رضوخ واشنطن لمطالب روسيا.
كما نقلت NBC عن مسؤولين أوروبيين وأوكرانيين أن كييف لم تُشرَك في إعداد الخطة، وأُبلغت بها فقط بملخصات عامة.
الدول الأوروبية التي استنزفتها الحرب على مدى الأعوام الماضية، استقبلت الخطة بعدم ارتياح هي الأخرى، وعلى الرغم من أن وزراء خارجيتها حرصوا في اجتماعهم في العاصمة بروكسل، أمس الخميس على عدم الإدلاء بتصريحات مفصلة حول الخطة الأمريكية المقترحة التي لم تعلن رسمياً حتى الآن، إلا أنهم أوضحوا أن بلدانهم لن تقبل مطالبة أوكرانيا بتقديم تنازلات “عقابية”. وأشار وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، إلى أن الأوكرانيين يريدون سلاماً دائماً يحترم سيادتهم ولا يمكن المساس به في المستقبل، مشدداً في الوقت نفسه على أن “السلام لا يمكن أن يكون استسلاماً”.
وعلى الضفة الروسية، قال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن أي خطة لإحلال السلام في أوكرانيا يجب أن تقضي على الأسباب الجذرية للصراع. كما أوضح بيسكوف، في أو تعليق حول تلك الخطة، أنه على الرغم من وجود اتصالات مع الولايات المتحدة، لكنه “لا توجد حالياً مفاوضات معها بشأن خطة كهذه”. وقال:” لا يمكن إضافة أي جديد حول حوار موسكو وواشنطن بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية عما جرت مناقشته خلال قمة ألاسكا”.
وأمام الخطة الأمريكية المعروضة التي تفرض على أوكرانيا تقديم تنازلات كبرى، فإن السؤال المطروح ما هي الرافعة التي تقوم عليها الخطة والتي قد لا تجعل لكييف خياراً إلا القبول بها على الرغم مما تنطوي عليه من تنازلات قاسية؟. هذا السؤال حاولت وكالة تاس الروسية الإجابة عنه، وفي تحليل مطول، يشرح مراقب مركز تاس التحليلي أندريه سورجانسكي، أن “موجة النشاط السياسي تزامنت مع فضيحة فساد ضخمة في أوكرانيا تعرف باسم “مينديتش غيت”، نسبة إلى رجل الأعمال تيمور مينديتش، المقرب من زيلينسكي. حيث كشف التحقيق بشأن القضية اختلاس نحو 100 مليون دولار، وتورط مسؤولين كبار” فيها، علماً أن مينديتش غادر أوكرانيا قبل المداهمات وتوجه إلى “إسرائيل”.
ويلفت مراقبون بحسب الوكالة الروسية، إلى أن “الأمريكيين قد يكونون وراء تفجير هذه الفضيحة، خصوصاً أن محققاً من FBI يعمل بشكل دائم داخل هيئة مكافحة الفساد الأوكرانية”. وتضيف الوكالة، نقلاً عن بعض المحللين أن قضية مينديتش “تمثل أداة ضغط على زيلينسكي لدفعه للقبول بالخطة الأمريكية. وفي هذا السياق يشير رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق نيكولاي آزاروف إلى أن جوهر أي اتفاق يجب أن يكون استبدال النظام السياسي في كييف، لأن موسكو لن تثق بتوقيع زيلينسكي على أي اتفاق سلام”.
خاتمة
تمثل أوكرانيا وفق الخطة الأمريكية المفروضة عليها لوقف الحرب مع روسيا، مصداقا جديدا عن التخلي الأمريكي عن الاصدقاء، وترجمة عملية لمبدأ صاغه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل وتبنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة، “ليس هناك أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون ولكن توجد مصالح دائمة”.
