إعرف عدوك

في غياب المعايير، الجيش الإسرائيلي هو الذي يدفع الثمن

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

ومن المثير للاهتمام أنّ رئيس الحكومة لا يظهر إطلاقاً في هذا القانون، وعلى الفروق الدقيقة بين “السلطة” و”التبعية” كُتبت على مرّ السنين تفسيرات كثيرة.

فعلياً، لم تكن هناك تقريباً علاقة بين وزير الأمن ورئيس أركان لم تشهد انفجارات، منذ أيام بن غوريون ورئيس الأركان الثاني يغئال يدين. وخلال العقود الأخيرة تصدّر الخلاف الحاد بين موفاز ويعلون العناوين، وكذلك النزاع بين باراك وأشكنازي (“قضية هربز”) – وهذا لا يمثل إلا القليل مما حدث فعلاً. في معظم الحالات، جرى احتواء تلك الاحتكاكات بطريقة أو بأخرى. ميزان القوى مال غالباً لصالح رؤساء الأركان، الذين يتمتعون بهيبة عامة أكبر بكثير، وغالباً ما يكون لهم خط مباشر مع رئيس الحكومة.

لقد كتبتُ على مدى عشرات السنين أن وزراء الأمن الذين جاءوا من صفوف الجيش – وقد شكّلوا معظم الوزراء خلال الستين عاماً الأخيرة – يميلون إلى رؤية أنفسهم ممثّلين للجيش أمام المنظومة المدنية، لا ممثلين عن الجمهور المكلّفين بالإشراف على الجيش. لكن ما يفعله إسرائيل كاتس اليوم هو تحويل مقولة “سلطة المستوى السياسي” إلى منصة لاستعراض القوة، وكسب شعبية رخيصة في أوساط القاعدة، والأهم من ذلك تنفيذ مهمة رئيس الحكومة، لأن كل نقاش من هذا النوع يساعده في توجيه الضوء نحو “مسؤولية” الجيش (الحقيقية) عن الإخفاق الأخطر في تاريخ الدولة، في إطار محاولته التهرّب من مسؤوليته هو.

لم يكن هناك في السابق وضع يشبه ما يحدث اليوم بين كاتس ورؤساء الأركان الذين كانوا في عهده، أحدهما (هرتسي هليفي) ورثه، والآخر، إيال زمير، عيّنه بالتعاون مع نتنياهو. لم يحدث قط أن هاجم المستوى السياسي – حتى قبل كاتس، وقبل السابع من تشرين الأول – المستوى العسكري بهذا الشكل. ولم يكن هناك قطّ دافع سياسي واضح كما هو الحال اليوم في سعي نتنياهو ومن حوله إلى التملّص من المسؤولية عبر تحميلها كاملة لمنظومات الأمن. ولم يكن في الماضي وزير مثل كاتس، الذي ومنذ دخوله المنصب انشغل أساساً بتغريدات حول “تعليمات” عديمة الأساس أصدرها للشمس كي تشرق، وبإثارة لا تتوقف تجاه المنظومة التي يفترض أن يشرف عليها.

هذه الغمامة تُلقي بظلّها على كل نقاش موضوعي بشأن الخطوات التي يتخذها زمير، وبعضها يستحق النقد، وهو نقد يُسمَع فعلاً في محادثات مع العديد ممّن يخضعون لسلطته. فقد ورث زمير وضعاً بالغ التعقيد فيما يتعلق بتحمّل المسؤولية القيادية عن إخفاقات السابع من تشرين الاول. كان ينبغي لهليفي أن يبدأ التحقيقات في وقت أبكر بكثير، وبرأيي في موعد لا يتجاوز نيسان – أيار الماضيين، عندما انخفضت وتيرة القتال في غزة، وأن يتخذ خطوات قيادية ضد المسؤولين بينما كانوا لا يزالون في مناصبهم. وقد كان يعرف جيداً، كما يعرف زمير، أن لهذا الفعل بحدّ ذاته أهمية كبيرة في تثبيت المعايير العسكرية، كما يحدث مع الرتب الأدنى.

إلّا أن هليفي لم يفعل ذلك، على الأرجح أيضاً لشعوره بأنه يتحمّل جزءاً من المسؤولية – وهو ما عبّر عنه في استقالته. أما زمير فوجد نفسه أمام ضباط كبار لم يعد معظمهم في الخدمة، إما لأنهم استقالوا أو أنهوا مهامهم، من دون أن يكون “الفعل المرسِّخ” قد نُفّذ أصلاً.

كان زمير يعتقد أن “تحقيق التحقيقات” الذي ستُجريه لجنة تورجمان سيساعده في سدّ هذه الفجوة. لكنه أدرك سريعاً أنه في الوضع الجنوني الحالي لن يحدث ذلك، ومع ذلك لم يكن بإمكانه التراجع. وفي نهاية المطاف اختار اتخاذ قرارات قيادية ضد ضباط كان معظمهم الساحق قد غادر الجيش أصلاً. قراره التوقف عند حدود السابع من تشرين الأول وعدم اتخاذ خطوات مماثلة بحق ضباط يتحمّلون مسؤولية شخصية لا تقل خطورة عن الآخرين، لكنهم – بالصدفة – لم يكونوا في الخدمة ذلك اليوم، أثار جدلاً داخل الجيش نفسه. المثال الأبرز هو إليعيزر توليدانو، قائد الجبهة الجنوبية حتى ثلاثة أشهر قبل الحرب.

في وضع طبيعي، كان من الطبيعي ومن المطلوب أن يوجّه وزير الأمن انتقادات في هذا الشأن. وفي وضع طبيعي، كان ينبغي أن يجري حوار بين الاثنين حول حدود التحقيق والإجراءات القيادية قبل تشكيل اللجنة، وبالتأكيد قبل أن تصبح هذه الأمور علنية. وفي وضع طبيعي أيضاً، كان تدخّل وزير الأمن في مرحلة ما جزءاً من دوره، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمناصب ورتب تُعيَّن عادةً بمصادقة وزير الأمن.

لكن منذ أكثر من عامين لسنا في وضع طبيعي، لأن المستوى السياسي في إسرائيل لا يمتلك أي معيار. ليس من الطبيعي أن رئيس الحكومة لم يتحمّل حتى الآن أي مسؤولية، ولو بالكلام، عن أمر هو مسؤول عنه بوضوح (من دون الانتقاص من مسؤولية الجيش). وليس طبيعياً أيضاً أن وزير الأمن السابق، يوآف غالانت، اكتفى بتصريحات فارغة عن تحمّل المسؤولية، ثم أُقيل لأسباب سياسية، ولولا ذلك لكان على الأرجح لا يزال في منصبه حتى اليوم. وليس من الطبيعي أنه بينما المعارك ما تزال مستمرة، ينشغل وزير الأمن يومياً باستعراضات قوة على حساب الجيش، ويتسابق وزراء الحكومة – الذين يُشكّلون بحسب القانون المستوى السياسي/الأمني الأعلى – في شتم العسكريين ونشر نظريات المؤامرة ضدهم.

هذا هو الضرر الحقيقي الذي يسببه نتنياهو وكاتس والحكومة بأكملها: حتى في أكثر القضايا أهمية، تلك التي يفترض أنها “فوق الخلاف السياسي”، فإنهم يلوّثون الخطاب العام، ويعرقلون عمل المنظومات الحيوية لإسرائيل. اليوم، من يعتقد أن على نتنياهو تحمّل المسؤولية يقف تلقائياً مع رئيس الأركان ولا يسأل إن كان زمير محقاً؛ ومن في الجهة الأخرى يهاجم رئيس الأركان ولا يبالي بالضرر الناتج.

وفي المنتصف يقف الجيش الإسرائيلي، الذي يحتاج كالأوكسجين إلى عملية إعادة تأهيل على كل المستويات، لكنه بعد نحو عامين من السابع من تشرين الأول غير قادر حتى على البدء بهذه المهمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *