الخطة الأمريكية للسلام في أوكرانيا.. تعديلات شكلية ومدى زمني مفتوح للتنفيذ
بقلم ابتسام الشامي
بعد أسبوع على تسريب مضمونها، حظيت خطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب في أوكرانيا بالمزيد من التفاعل السياسي الدولي، بعدما توضحت مواقف الأطراف المعنية بها، رفضاً وترحيباً ومحاولة تعديل في بنودها.
الخطة صيغت بالتنسيق مع موسكو
نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فرض خطته السياسية لوقف الحرب في أوكرانيا على جدول الأعمال الدولي، لاسيما في كل من بروكسل وكييف وموسكو، وإذا كانت الأخيرة قد لاقت الخطة بالترحيب، فإن الأجواء الأوكرانية والأوروبية كانت عاصفة بالسخط والغضب، من خطة تفرض على “الحليف” الأوكراني تقديم تنازلات قاسية تمس بسيادة بلاده وسلامة أراضيها، بعدما جرى توريطها في حرب مع روسيا، استنزفتها ومعها الدول الأوروبية الداعمة، عسكرياً ومالياً واجتماعياً على مدى الأعوام الأربعة الماضية. على أن الأمر اللافت في الخطة ليس في ما تفرضه من تنازلات على أوكرانيا فحسب، وإنما في كونها صيغت بالتوافق مع روسيا، أي بمعنى آخر أنها بنيت وفق المصالح الروسية، وهذا ما كشفت النقاب عنه وكالة رويترز. فحسب الوكالة العالمية، فإن “خطة السلام الأمريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، استندت إلى ورقة صاغتها روسيا وقدمتها لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تشرين الأول”.
ونقلت عن ثلاثة مصادر مطلعة، أن الروس شاركوا في إعداد هذه الورقة، مع مسؤولين أمريكيين كبار في منتصف تشرين الأول، وذلك بعد لقاء جمع ترامب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في واشنطن. و”تضمنت الورقة صياغات سبق أن طرحتها الحكومة الروسية في جولات التفاوض، من بينها تنازلات رفضتها أوكرانيا سابقاُ، مثل التخلي عن جزء كبير من أراضيها في الشرق”.
معلومات وكالة رويترز عن الدور الروسي في صياغة الخطة تقاطعت مع ما أدلى به المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف، للتلفزيون الرسمي الروسي. ففي سياق تعليقه على الخطة قال الدبلوماسي الرفيع “يمكن اعتبار بعض نقاط الخطة الأمريكية إيجابية، لكن جوانب أخرى كثيرة تتطلب مزيداً من النقاش بين الخبراء”. مشيراً إلى أنه لم تناقش الخطة “بشكل مفصل مع أي جهة” وهو ما ينطوي على تأكيد ضمني باطلاعها على الخطة وإن بخطوطها العريضة وغير التفصيلية. وفي سياق متصل، أفاد تقرير لوكالة بلومبيرغ، بأن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف “قدم نصائح لمساعد الكرملين الرفيع يوري أوشاكوف بشأن كيفية مخاطبة بوتين لترامب، وبحسب نصوص مكالمات اطلعت عليها الوكالة، فإن أوشاكوف وويتكوف ألمحا إلى خطة من 20 نقطة في وقت مبكر من 14 تشرين الأول، لكن نطاق الخطة توسع لاحقاً خلال محادثات إضافية مع المبعوث الروسي الرفيع كيريل ديميترييف”.
البصمة الروسية في الخطة، لم تستفز كييف وبروكسل فحسب وإنما الجمهوريين أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا الإطار وجّه عدد من الجمهوريين في الكونغرس انتقادات لاذعة للبيت الأبيض بسبب الخطة، ورأوا أنّها تصب في مصلحة روسيا، وعبر مؤيدو أوكرانيا عن قلقهم من أن “إطار عمل مكونا من 28 نقطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والذي وردت تقارير بشأنه لأول مرة الأسبوع الماضي، يعني أن إدارة ترامب قد تدفع كييف إلى توقيع اتفاق سلام يميل بشدة نحو موسكو”. وقال السناتور الجمهوري روجر ويكر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في بيان: “ما تسمى خطة السلام هذه تنطوي على مشاكل حقيقية، وأنا متشكك للغاية في أنها ستحقق السلام”.
تعديل الخطة
الخطة الأمريكية وما انطوت عليه من فرض تنازلات على أوكرانيا، لم تكن لدى الأخيرة وداعميها الأوروبيين قدرة على “هضمها”، ما استدعى إعادة تعديلها لتكون قابلة “للبلع”. وعلى خلفية ذلك جرت مشاورات في جنيف بين مهندسي الصفقات الأمريكية ونظرائهم الأوكرانيين والأوروبيين، ليتمخض النقاش المطول عن ورقة حملت اسم “إطار سلام محدثاً ومنقحاً”. وأفادت مصادر مطلعة لجريدة الأخبار، بأن ما جرى كان “أقرب إلى تجميل خطة الاستسلام” الأولى التي صاغها ويتكوف وديميترييف، من دون أن يطرأ تغيير جوهري عليها. وهو ما أكده مصدر مطلع على المفاوضات لوكالة “فرانس برس”، مشيراً إلى أن النسخة الأحدث منها تتضمن بنوداً “أفضل بكثير” بالنسبة إلى كييف. مشيراً إلى أن هذه النسخة تسمح لأوكرانيا خصوصاً بالاحتفاظ بجيش قوامه 800 ألف جندي، مقابل 600 ألف في النسخة الأولية من الخطة!.
تسويق انتصار سياسي غير موجود
وعلى نية تسويق الخطة المحدثة، وتقديمها بوصفها إنجازاً نسبة إلى الأولى، وصف بيان مشترك صادر عن الولايات المتحدة وأوكرانيا، المحادثات التي جرت في جنيف يوم الأحد الماضي بأنها “بنّاءة ومحترمة”، مؤكداً أن الطرفين قاما بصياغة “إطار عمل محدث”. بدوره أبدى وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، تفاؤله حيال الخطة المعدلة، متحدثا عن تقدم هائل تحقق خلال المحادثات.
أما على المقلب الأوروبي، فقد احتفل ثلاثي تحالف الراغبين الذي يضم كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بانتصار سياسي كنتيجة للمفاوضات الأخيرة. وسارع وزير الخارجية الألماني، يوهان فادفول، إلى الإعلان أن المحادثات حققت “نجاحاً حاسماً لأوروبا”، مدعياً إزالة القضايا التي تمس “الناتو” وأوروبا من الصيغة الأمريكية الأحادية.
خاتمة
بعد إدخال التعديلات واسترضاء الأوكرانيين والأوروبيين، فإن الأنظار تتجه إلى المسار العملي للخطة، وبعدما كان ترامب قد أمهل الجانب الأوكراني أياماً معدودة للقبول بها، أعاد ترتيب الجدول الزمني بشأنها، وقال “الموعد النهائي بالنسبة لي هو عندما يُنجز الأمر”، وبذلك يكون الرئيس الأمريكي قد حرّر نفسه من أي قيود زمنية، لكن السؤال المطروح هل تتحول الخطة إلى مجرد “شيك” للسلام غير قابل للصرف؟.
