آخر الكلام

تمرّدَ هذا الجرادُ كثيراً‏ على حقْلِنا‏!..

بقلم غسان عبد الله

كان السلامُ يخطُّ على هدْبنا رسمَهُ‏ فننام..‏

وكانت شبابيكُنا شرفةً للنخيل المنيفْ‏

وأبوابُنا مشرعاتٍ‏ لكل حفيفْ‏

وكنا نعدّ الموائدَ للقادمين‏.. الضيوفِ.. الألوفْ‏

وكان النخيلُ.. يُسَاقِطُ فوقَ الأكفّ‏ بكل امتنان..‏

وكانت جِرارٌ عِذابٌ‏ تسابقُ كيلا يجفَّ السؤالُ‏ بِحلْقِ الخيال‏

وكنا على خيلنا‏ كالبراق‏ إذا هتفتْ في البلاد نساءٌ‏ نسارعُ..‏

كنّا على جارنا آمنين‏ إذا غاب عنّا‏ حفظنا له خيمةً‏.. أو أقام لدينا‏ رعيناه..‏

كنا بأرواحنا لا نضنُّ‏ إذا صيحةٌ جلجلتْ في هزيعٍ‏.. ليوثاً وثبنا نرد الظلامْ‏

وكنا…‏ فما لي أرى – إن تلفَّتُّ‏ – غيرَ الوجومِ يلفّ الوجودَ‏

وغيرَ الرمادِ يغطّي المدائنْ..

غيرَ.. الدماء‏ تسيل على ضِفَّتيْ بابِنا‏.. على ضفَّتَيْ دربنا..!!‏

ومهدُ الطفولةِ مرتبكٌ وسطَ جمر الخرائبِ‏ دامي.. الوجود‏

يعضُّ على ظلِّ ثغرٍ شهيدْ‏

أرى إن – تلفَّتُّ – حزناً تصاعدَ مثل الضياءْ‏

شفيعاً.. شفيفاً‏.. شغوفَ الدعاءْ‏

ومثلَ الغريب يطاردُ عبر المدى نزعَهُ‏ في ذهولٍ طويلِ العزاءْ‏

تمرّدَ هذا الجرادُ كثيراً‏ على حقْلِنا‏

أطال المكوثَ على شرفات الهواء‏

وألقى بأحقاده كلِّها‏ في طريق النخيلِ‏

وأبقى الشباكَ بدربِ الظباء‏ِ

وفجّر نيرانَه في حقول الحياة‏

وكنا فجرنا فراتَ الينابيع‏.. كنا ملأنا الفضاءَ حماماً رسولاً‏

مددنا الطريق حريراً‏.. وكنا حملنا الرسالاتِ‏

صنّا الأماناتِ‏.. سقنا الغلالَ لكل البلادِ‏

ومن روحنا كم نسجنا قميص العبادِ‏

فلا بات خلف حمانا جدارٌ يئن‏.. ولا طاب منا هدوء‏ إذا بات جارٌ.. كسيراً..‏

تمرَّدَ ـ قلتُ ـ كثيراً جرادُ الغروب‏

وبات يطِنُّ على جرحِنا بلَ على محوِنا‏.. وظنَّ الحقولَ مراحاً‏

يقضّي بها نزهةً أو عبوراً جميلاً‏

فجَرَّ إليه بعوضاً كثيراً‏ إلى نخلنا‏

وظنتْ وفودُ الجراد..‏ ستهوي على وردِنا‏.. أو على نخلنا!!‏

لعلّ الظنونَ جميعاً تخيبُ‏ وتُقبَرُ هذي الوفود‏

على كثرةٍ‏.. ها هنا‏..

تمرّد هذا الجراد كثيراً‏ على حقلِنا‏!.. أطالَ المكوثَ على شرفاتِ الهواء‏

وألقى بأحقادِه كلِّها‏ في طريقِ النخيلِ‏

وأبقى الشِّبَاكَ بدربِ الظباء

وفجّر نيرانَه في حقول الحياة‏

ونحنُ أجَّجنا صلاةَ التسابيحِ.. وقلنا.. آخرَ كلامٍ لنا..

وحانَ منا انبجاسُ عطرٍ.. وحان لعمرِنا وقتُ الصلاةْ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *