همساتٌ على أعتاب الذكرى
بقلم: غسان عبد الله
همسةُ الشيخ
نمْ أيها العزيزُ… أرحْ كاهلكَ “راغب”.. ودَعْنا نحرسْ هذا النُّعَاس.. نَمْ يا عزيزي… ودعْنا على ليلِ أهدابِك المسبلاتِ نحْرُسْ نومَكَ فوق التَّرابِ وَتَحْتَ التَّراب.. نفاوضْ هذا الظّلامَ..
نروِّضْ لكَ الكوابيسَ العَادياتِ الغادياتِ.. نبحثْ عن هدنةٍ معَ الجيوشِ المتربّصةِ بجسدِكَ الغضِّ.. بإثنتي وثلاثين قرنفلةً ما كانت كافيةً لأنْ ينتهي الخيالُ من لعبتِهِ المحمومةِ من رغوةِ أحلامِهِ في الدّخولِ إلى دنيا القرنفلِ والزنجبيلِ.. وعطرِ الغلالاتِ والحريرِ ويستسلمُ للواقعِ المتربّعِ فوقَ هاويةٍ من فراغٍ..
لن نصافح.. فالمصافحةُ اعتراف.. ولن ننسى دمَكَ المسك.. دمكَ الجنّة.. دمَكَ الكربلائي.. دمَكَ الزهرُ والنارْ.. نحرُسُ كلماتِك.. “دمُ الشهيدِ إذا سقط.. فبيدِ الله يسقط..” يا شيخَ الأحرارْ.. نهمسُ: “أرِحْ روحكَ في برزَخك.. فالقافلةُ تسير.. والعطرُ أوشكَ أن يفضي به الأزهار”.. سيطلُعُ النهارْ.. أرِح روحكَ.. نحنُ على الوعدِ.. نحنُ بالانتظارْ.
همسةُ السّيد
كنّا وحِيدِين قبلَ وفادَتِك عالمَ المقاومةِ.. كنا مستَفردينَ بالعذاب.. جئتنا.. لكنَّ الرحيلَ المرَّ عاجلكَ.. ياه… يا سيد شهدائنا..
لم ننسَ بعدُ يا أشفارَ العيون.. كيف انسلّتْ روحنا خلفَكَ حين تناثرتَ على ثرى الجنوبِ شِلواً.. شِلوا.. لتهيمَ في برزخِ جنانٍ من جنّة.. وتقذفُ قلبنا لصحراءٍ.. فوقَ صحراءٍ.. تحت صحراءٍ.. فكيفَ نُفجّرُ نبعَ المياهِ لنزرعَ حولَ سرادِقِكَ الأبديِّ كروماً وتيناً ليسّاقطَ رمانُ القلوبْ.. والجحافلُ أقبلتْ تتركُ كلَّ الأرضِ، وتنفذُ لتأكلَ هذا اليابس النابضَ بالخوفِ والغربةِ الحامضةِ تقضِمَ تفاحةَ ضلعنا، تُنَخِّلَه حتى يصيرَ حفنةَ رملٍ من كربلاء.
يا طريّ الأجنحةِ يا نجمةً أسرجتِ الروحَ ذاتَ مساء.. وغارتْ في حلكةٍ معتَّقَةٍ لماذا ما هيأتَنِا لرحلتِكَ الماحقة.. ما قلتَ لنا أنّكَ طيفُ ملاكٍ خفيفٍ طريٍّ.. ما قلتَ لنا يوماً: وقفتْ عليكم أمنياتي ودمُ الحسين؛ وأنّكم قطرةُ ماءٍ تجفُّ عند انتصابِ العمْرِ.. وقبلَ اكتمالِ القمرِ.. لتتركَ لنا ليلَ الكآبةِ والذّكرياتِ.
يقولُ طيفُكَ: كانَ هنَا!!.. وشِلْوكَ المبعثرَ لا زال دفئاً مشعاً برائحةِ الدم المِسكْ.. يشعلُ حرقةَ الصَّدرِ فيَّ فأطلقْ آهةً تململُ هذا الفضاءَ.. واتركْ شيئاً من صوتِكَ الهادرِ الحرّ.. لا شيءَ أمنحُكَ!!.. لا شيء هنَا سوى الحزنِ والفجائعِ الممتدّةِ من نبضِ الوريدِ إلى شهقةِ الصَّوتِ..
سلاماً يا سيّدَ الشهادةِ.. رحلتَ فارتَعدَ العدوُّ وارتّجَ ليلُهُ.. عضّ القلبُ على الثرى في عاملةَ طويلاً واختصرَ الصّمتَ لتكونَ قطرةَ ماءٍ من كوثرِ الجِنانِ تفيضُ عند انقضاءِ العمر.
همسةُ الرّضوان
رضوانُ.. يعود الحرفُ مكسور الخاطر.. ويرتدُّ المدادُ خائباً.. فلا الحرفُ ارتادَ حضرته ليعودَ مترعاً بالقصائدِ والأغنيات.. ولا المدادُ قارب لونَ النجيع الذي لا يعطي من ياقوتِهِ ما يشي بملامح رضوان.. هو هكذا حتى في ارتحاله.. لا نعرفُ كيف نحددُ الملامح التي لا ترسو على لون أو شكل.. يسافر بعيداً لكنه لا يغيب.. حضوره كان دائماً في غيابه.
ها هو اليوم كما الأمس.. في لعبة الأسفارِ.. يراودُ السلاحَ عن طَلَقَاتِهِ كي تنطلقَ باتجاه العدو.. يسافر ولا يغيب.. يرتاحُ على كتفه رأس مقاوم.. يزاولُ طقوسه في اقتحام هدأة العدو.. لا يستكين.. ولا ينام على حيفٍ أو ضيم.. يتسلَّلُ دائماً من جُرْحِ الوريدِ إلى الوريدْ وطناً تُناديهِ المنافي: “كيف يجمعنا اللقاءُ وبيننا أمَدٌ بعيدْ!!؟”.
يتسلَّلُ رضوانُ.. ينسلُّ بين الوردة وعطرها.. تشهق في الدساكر ضحكةٌ، تقف الشواهِدُ…، تنفض الرَّاياتُ حُزْنَ غبارها والوردُ يقرأُ في ارتحاله أَوَّلَ النصرِ الذي يأتي، ويقرأ أَوَّلَ الجرح الذي يأتي.. تلملمُ سوسنات العمرِ روحهُ من صِراطِ دمه…، وتنهضُ تمتماتُ الجرحِ أغنيةً لوجهٍ قام من جُثَثِ المنافي كي يُغني.. هل هو رضوانُ هذا!!؟ أم الوطن الشَّهيدْ!!؟.
هو شهقةٌ… صعدت من الوطن القتيلِ ليرسمَ الوطنَ الَّذي يأتي هلالاً من أصابع سُنبلهْ.. وقف يَصُدُّ النَّارَ عن عُشْبِ السُّفوحِ كأنَّه إِذْ يصعدُ الطوفانُ منه زلزله.. ورمى جَناحَ الحزنِ عنه وعنا.. آهِ ما أحلى جناحَ الكِبرِ فيه إِذْ يَمُرُّ.. أو يعبر حزن الأقصى.
يا لروعتهُ شهيدٌ كالنَّخْلِ يصعدُ في السَّماءِ تُتمتمُ الأحداقُ من لهفٍ به: ما أجملَهْ!!! وهو الذي رسم المدى وطناً يَمُرُّ من الصَّهيلِ إلى الصَّهيلِ.. دماً… إذا انطفأ الصَّباحُ المُشتهى في الحُلْمِ عاد فأشعلهْ.. ومضى يُحيك من النَّدى جَسْرَ الضياءِ لكل خطوٍ قادم في الجلجَلَهْ.
تتسلَّلُ دائماً من جُرْحِ الوريدِ إلى الوريدْ.. وطناً تُناديهِ المنافي: كيف يجمعنا اللقاءُ وبيننا أمَدٌ بعيدْ!!؟.. تتسلَّلُ.. تنسلُّ بين الوردةِ وعِطرها.. تشهق في الدساكر ضحكةٌ، تقف الشواهِدُ…، تنفض الرَّاياتُ حُزْنَ غبارها.. والوردُ يقرأُ في ارتحالكَ أَوَّلَ النصرِ الذي يأتي ويقرأ أَوَّلَ الجرح الذي يأتي.. تلملمُ سوسناتُ العمرِ روحكَ من صِراطِ دمك…، وتنهضُ تمتماتُ الجرحِ أغنيةً لوجهٍ قام من جُثَثِ المنافي كي يُغني… أنتَ شهقةٌ… صعدت من الوطن القتيلِ لترسمَ الوطنَ الَّذي يأتي هلالاً من أصابع سُنبلةْ.. وقفتَ تَصُدُّ النَّارَ عن عُشْبِ السُّفوحِ كأنَّكَ إِذْ يصعدُ الطوفانُ منكَ زلزلةْ.. ورميتَ جَناحَ الحزنِ عنكَ وعنا.. آهِ ما أحلى جناحَ الكِبرِ فيكَ إِذْ يَمُرُّ.
ويا لروعتكَ شهيدٌ كالنَّخْلِ تصعدُ في السَّماءِ.. تُتمتمُ الأحداقُ من لهفٍ بكَ: ما أجملَهْ!!!.. وأنتَ الذي رسم المدى وطناً يَمُرُّ من الصَّهيلِ إلى الصَّهيلِ.. إنكَ تعَلِّقُ صوتَكَ في الرِّيحِ عَلَّ القادمين يَرون صوتاً قام يمشي في الشَّواهدِ عاصفه.. وطنٌ يصبُّ الجُرحَ نَهْرَ كواكبٍ في اللاَّفتاتِ الزَّاحفة.. إنكَ افتخاري وانتصاري الآتي خلف جراحاتٍ راعفة.