مصر تؤازر إسرائيل اقتصادياً عسكرياً!
بقلم: زينب عدنان زراقط
تستعد إسرائيل لعملية عسكرية واسعة النطاق في مدينة رفح، مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي أصدر توجيهاته للجيش بإعداد الخطط اللازمة لإجلاء النازحين والمدنيين من رفح، لشن هجوم بري عليها..
رفح التي تستضيف حالياً أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ من قطاع غزة الذين فرّوا بفعل الحرب الجارية منذ نحو أربعة أشهر، فيبرز السؤال الأهم، أين سيذهب الفلسطينيون بعد ذلك، هل تكون- مصر – المُلقّبة بـ “أُم الدُّنيا” ملجأً حقّاً لأهلها بالعروبة وجارتها بالأرض؟.
فقد جاء الإعلان عن هذه العملية العسكرية التي ليست سوى امتداد للإبادة التي يصنعونها في غزة، لتزيل الأقنعة عن دبلوماسية الوسطاء، وليُدرك أنهم محضُ “مُتخاذلين”. ففي وقتٍ أعلنت فيه الأمم المتحدة بأن مدينة رفح تواجه ضغوطاً هائلة من أجل وضع خطة تهدف إلى مساعدة ما يزيد عن مليون نازح فلسطيني، والتي تعاني أيضاً على المستوى الصحي، من نقصٍ في الإمدادات الطبية، وغياب الكهرباء ومصادر الطاقة، ما يؤثر على قدرة الأطباء والفرق الصحية في توفير العلاج، ومراعاة المرضى. وبذلك يكون عدد سكان رفح قد تضاعف 5 مرات مع فرار الناس من تداعيات الحرب في غزة، التي تجاوزت مدتها الأربعة أشهر. يعيش هؤلاء النازحون في ظروف مزرية في مراكز إيواء مكتظة كالمدارس أو في الشوارع، في خيام نصبوها من قضبان معدنية أو عصي، أو أغصان الشجر، وغطوها بالأقمشة أو المواد البلاستيكية، أو في أي رقعة أرض، محاطين ما بين القوات الإسرائيلية والقصف من جهةٍ وما بين السياج المصري الحدودي الذي أعيد تمتينه وتحصينه كي لا يمر أيّ فلسطيني ليتلقّى العلاج من جروحه النازفةِ ولا ليحظى بكسرة خبزٍ ورشفة ماء يبلّ بها عطشة ويسكن تضوّر جوعه.
ومن المعلوم أن حرب غزة منذ بداياتها أمريكية، وتسير أمريكياً، – وهذا أمرٌ مفروغ منه -، وما يشاع عن خلافات لا يخرج عن نطاق المناورة وتوزيع الأدوار. وبذلك العملية العسكرية في رفح مُصادق عليها أمريكياً، إلا أنها قد نالت أيضاً خيانةً عربية مضافة -لتُزكيَ – إبادتها للـ “شعب الفلسطيني” أمام – ضمير – العرب المتخاذلين.
مصر جارة السّوء لـ رفح
في حين أن هدف إسرائيل الأساسي حسب ما يُعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “إن منطقة “محور فيلادلفيا” الحدودية بين غزة ومصر ينبغي أن تكون تحت سيطرة إسرائيل”. فإسرائيل تؤمن بأن المحور الحدودي مع مصر هو بوابة حماس الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر أنفاق تمر تحته. فجغرافياً، تقع مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الشريط الحدودي الفاصل بينه وبين شبه جزيرة سيناء المصرية، وتعتبر أكبر مدن القطاع على الحدود المصرية، حيث تبلغ مساحتها 55 كيلومتر مربع، وتبعد عن القدس حوالي 107 كم إلى الجنوب الغربي.
وداخل المدينة يكمن معبر رفح، الذي هو الممر الحدودي الوحيد بين القطاع ومصر في مدينة رفح، كما يعول عليه بشكل رئيسي طوال عقود في إدخال المساعدات للقطاع وإخراج المصابين لتلقي العلاج والسفر. واكتسبت المدينة شهرتها العالمية لهذا السبب، حتى أن شهرة المعبر فاقت شهرة المدينة نفسها بسبب تداول اسمه في الأخبار بشكل مستمر. ويُعتقد أنه يوجد خلال العقود الماضية عشرات الأنفاق تمتد عبر الحدود بين غزة ومصر بشكل غير رسمي، حيث أن غالبيتها كان يتم حفره بشكل سري، ويتم استخدامها في إدخال البضائع من مصر إلى القطاع، وبذلك كانت رفح تشكل للقطاع مصدراً هاماً من مصادر التجارة والاقتصاد في الحالات الطبيعية أي قبل الحرب.
ليظهر الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” مؤخراً في خطاب متلفز وهو يقول “أنا حروح من ربنا فين لو أنا السبب في إني ما دخلش لقمة عيش أقدر أدخلها لـ غزة، أروح من ربنا فين؟! لا والله، مصر من معبر رفح مفتوح 24 ساعة بالـ 7 أيام بالـ 30 يوم”!!!.
عن أي معبر مفتوح بين مصر وفلسطين يتكلم الرئيس المصري؟ كان عليه أن يُشيدَ بالجسر البري العابر للبحر الأحمر، بشركات مصرية – مع باقي دول التطبيع العربية – التي سمحت باستخدام المعابر الحدودية “الإسرائيلية” لنقل البضائع عن طريق البر، من ميناء دبي، عبر السعودية والأردن إلى الاحتلال، ومن هناك عبر البحر الأبيض المتوسط أو براً إلى أن ينتهي بها المطاف في “مصر”!.
أنّى للشعب الفلسطيني أن يموت جوعاً وعطشاً ومن قصور الطبابة ولعدم وجود أدنى مقومات الحياة، إن كانت “جارتهم اللصيقة” مصر تُعينهم؟ بل الحقيقة أنهم لم يغلقوا معبر “رفح” وحسب، بل بنوا جداراً فاصلاً بأسلاك شائكة وسياج عند الحد الفاصل بين سيناء مصر، ورفح بمساحة 8 أميال مربعة، خوفاً من أن يؤدي التوغل العسكري الصهيوني الذي أعلن عنه في رفح بتدفق طوفان من اللاجئين الفلسطينيين ينزحوا إلى صحراء سيناء بالقرب من الحدود، وذلك ما يهابه السيسي.
وما يجدر الالتفات إليه تاريخياً، أنه في عام 1917 خضعت رفح للحكم البريطاني الذي فرض الانتداب على فلسطين، وفي 1948 دخل الجيش المصري رفح وتحولت السيطرة عليها إلى مصر، حتى وقعت في أيدي إسرائيل عام 1956 ثم عادت للإدارة المصرية عام 1957 حتى عام 1967 حيث احتلتها إسرائيل. وزاد من أهميتها عبر التاريخ مرور خط السكك الحديدية الواصل بين القاهرة وحيفا في أراضيها، وتم تدمير هذا الخط بعد عام 1967. وقُسمت رفح إلى شطرين بالأسلاك الحدودية الشائكة، بعد اتفاقية كامب ديفيد، حيث استعادت مصر سيناء، وإثر هذه الاتفاقية انفصلت رفح سيناء عن رفح غزة، وبلغت مساحة الشطر الواقع في غزة ثلاثة أضعاف مساحة الشطر المصري تقريباً.

لا ممانعة مصرية لأي عملية عسكرية في رفح
على ضوء ما سبق، استدعى الوضع الراهن مراقبين مصريين للتحذير من انفجار الموقف بين مصر وإسرائيل جراء الضربات التي تطال الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وغزة، والذي يعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية. إلا أن الجواب كان واضحاً عند ما أفادته إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، بأن “المسؤولين المصريين أبلغوا الجانب الإسرائيلي بأنهم لن يعملوا على منع أي عملية عسكرية في رفح، طالما جرت دون المسّ بالمدنيين الفلسطينيين هناك”. وتابعت الإذاعة بأن مصر تخشى فرار الغزيين إلى أراضيها في حال إقدام الجيش الإسرائيلي على عملية عسكرية في رفح. وفي المقابل، فإن التهديد بتجميد اتفاقية السلام يأتي في إطار الاستهلاك الإعلامي والرسائل الموجهة إلى الجمهور المصري، وفق مصادر الإذاعة. وأشارت الإذاعة نقلاً عن مصادرها التي لم تسمّها، إلى أن القاهرة لم ترسل إلى تل أبيب رسائل في ظل التقارير التي تتحدث عن تصريحات مسؤولين مصريين حول نية القاهرة تجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل إن اضطر الفلسطينيون إلى الهروب إلى أراضيها، مؤكدة أن الاتصالات بين الطرفين لا تحصل بهذه اللغة، بل بلغة “أكثر تهذيباً”. وأضافت أن مصر لن تسارع لإلقاء معاهدة سلام ممتدة منذ 45 عاماً إلى سلّة النفايات، مؤكدة أن هذه التسريبات تأتي بالأساس من أجل أن تظهر السلطات المصرية للجمهور المصري أن النظام يقف بحزم بوجه إسرائيل، ولا يسكت عمّا يحدث في قطاع غزة.
كلمة أخيرة لنختم بها، الحرب في غزة التي تمتدّ في أرجاء فلسطين جنوباً والمفتوحة مع جنوب لبنان المقاوم، ما من أحد يُدرك آفاق نهايتها، وإنما الحروب كعادتها، تقسم المعسكرات، وتميز الخبيث من الطيّب، فشتّان بين ما يصنعه لبنان لأجل فلسطين، وما تصنعه مصر!. وما كان يتساءل به “السيسي” باستنكار، يُوجّه إليه بالتأكيد: “حتروح فين من ربنا وأنت يلي منعت لقمة العيش والدوا عن فلسطين”؟!!!.
