دوليات

الانتخابات البرلمانية الباكستانية.. عمران خان الفائز الأكبر

بقلم: ابتسام الشامي

بين آخر حكم قضى بسجنه أربعة عشر عاماً، والانتخابات التي حقق فيها حزبه فوزاً ساحقاً، أيام قليلة فقط أكد فيها عمران خان مجدداً شعبيته المتنامية في الأوساط الباكستانية وتشكيله حالة خاصة في البيئة السياسية التقليدية للبلاد، بكل ما فيها من تحديات المواجهة مع الدولة العميقة التي تحكمت بباكستان منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا.

فوز كبير لحركة إنصاف

وجهت الانتخابات البرلمانية الباكستانية الأخيرة صفعة قوية لجهود المؤسسة العسكرية والقضائية لتصفية رئيس الوزراء السابق عمران خان سياسياً ووضع حد لشعبيته المتعاظمة في الأوساط الباكستانية. حيث فاز المرشحون المستقلون المنتمون إلى حزب الرئيس الذي ينفذ حكماً بالسجن، بأكبر عدد من مقاعد الجمعية الوطنية في واحدة من أكثر المحطات الانتخابية حساسية وتنافساً انتخابياً. وعلى الرغم من حملة القمع التي تعرض لها خان وحزبه حركة إنصاف، إلا أن المراقبين سجلوا أداء متميزاً للمرشحين المستقلين المدعومين منه، أمكن معه فوزهم بغالبية مقاعد البرلمان البالغة 266 مقعداً إضافة إلى 70 مقعد مخصص للنساء والأقليات. فقد أظهرت النتائج النهائية التي أعلنت يوم الأحد الماضي، فوز المستقلين بـ 101 مقعد، فيما حصل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية على 75 مقعداً، وحزب الشعب الباكستاني على 54 مقعداً، والحركة القومية المتحدة على 17 مقعداً. وحصلت عشرة أحزاب صغيرة على المقاعد الـ 17 المتبقية، مع بقاء مقعدين شاغرين.

وبمعزل عما يمكن أن يؤول إليه مصير هذه النتائج بفعل العدد الكبير المقدم من الطعون بما فيها من حزب خان، يمكن القول إن الانتخابات شكّلت فوزاً سياسياً كبيراً لزعيم حركة إنصاف وصفعة قوية لمحاولة إقصائه سياسياً وتصفيته شعبياً، وأمدت رئيس الحزب بزخم التحدث من موقع المنتصر والمقرر بشأن مستقبل الحكم في بلاده، على الرغم من وجوده في السجن لتنفيذ أحكام قضائية بالسجن سنوات عدة بتهم فساد. فقد أعلن رئيس الوزراء الباكستاني السابق، أن الأعضاء المستقلين في البرلمان المدعومين من حزبه سينضمون إلى حزب “مجلس وحدة المسلمين” الصغير لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات التي أجريت الأسبوع الماضي. ووفقاً لما نقله عنه مسؤول في الحزب فإن خان سيقرر من سيكون رئيس وزراء هذه الحكومة. وفي وقت لاحقت، أعلنت حركة إنصاف ترشيح عمر أيوب خان لمنصب رئيس الوزراء. وفي حديث إلى وسائل الإعلام بعد اجتماع مع مؤسس الحركة عمران خان، في سجن أديالا، أعلن رئيس الجمعية الوطنية السابق، أسد قيصر، أن قرار ترشيح عمر أيوب، الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام للحزب، جاء بعد تشاور مكثف ومناسب. مشيراً إلى تكليف المرشح بمهمة إجراء مشاورات مع الأحزاب السياسية الأخرى. وإذ أكد حصول تزوير انتخابي واسع النطاق في الانتخابات الأخيرة، قال “لن نقبل أي حكومة غير شرعية، وسنجلس في المجلس ونخوض معركة قانونية”.

خان ورفض الطلبات الأمريكية

تجربة خان في الحكم التي تعد خروجاً عن تقاليد السياسية الباكستانية الداخلية والنظرة إلى موقعية البلاد وعلاقاتها الخارجية، شكلت دافعاً قوياً للمتضررين منها لإزاحة الرجل وما يمثل من المعادلة السياسية للبلاد النووية، فكان العمل على تفتيت التحالف السياسي الذي حمله إلى رئاسة الحكومة بانقلاب اتهمت المؤسسة العسكرية برعايته بناء على توجيهات أمريكية، بعدما تمرّد خان على “الرغبات” الأمريكية والإقليمية التي تمس بسيادة باكستان وأمنها ونظرتها إلى موقعها ودورها لاسيما في العالم الإسلامي. وكان من نتائج هذا التمرد، رفض سلسلة طلبات أمريكية خلال فترة رئاسته الحكومة، كان أبرزها، طلباً بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في باكستان بعد الانسحاب من أفغانستان. وكذلك رفضه التطبيع مع الكيان المؤقت، في خضمّ موجة التطبيع الأخيرة التي حملت اسم اتفاقيات أبراهام. هذا فضلاً عن تعزيز علاقات إسلام آباد مع كل من موسكو وبكين. ورفضه إدانة روسيا في الأمم المتحدة على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا، والرد على طلب الأوروبيين بالإدانة بالقول “لسنا عبيداً عندكم”! من دون أن ننسى أيضاً مواقفه الداعمة للمقاومة الفلسطينية إبان معركة سيف القدس. وكذلك معارضته سابقاً ومن موقعه النيابي آنذاك، العدوان السعودي على اليمن، مع انطلاقته عام 2015، حيث عمل لأن تكون باكستان وسيطاً للحل السياسي، لا شريكاً في سفك الدم اليمني.

هذه المواقف التي شكلت انقلاباً على السياسة الباكستانية، مذ أن ارتضت إسلام أباد أن تدور الفلك الأمريكي في المنطقة، أثار غضب الولايات الأمريكية وحلفائها الإقليميين، الذين عملوا مجتمعين على إضعاف خان، بالتحالف مع رموز الدولة العميقة، من أولئك المتضررين من حملته ضد الفساد والفاسدين. وقد نجح الفريق المعادي في إقصائه عن السلطة مرحلياً، لكن الانتخابات الأخيرة، أكدت فشل مخطط إقصائه عن الحياة السياسية، ووضع حد لتنامي شعبيته على امتداد البلاد المترامية جغرافياً وديمغرافياً. وهذا ما أكدته الصحف العالمية التي رأت في فوز حركة إنصاف بغالبية مقاعد البرلمان الباكستاني انتصاراً ساطعاً. وفي هذا السياق قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن ما جرى يحمل إشارات “توبيخ شديد اللهجة للجنرالات الأقوياء في المؤسسة العسكرية”، مشيرة إلى أن الحدث الباكستاني شكل مفاجأة بالنسبة للعسكر، الذين توقعوا نصراً سهلاً للحزب الذي يتزعمه شريف، وراهنوا على الانتخابات من أجل “وضع حد لحالة الاضطراب السياسي” التي تمر بها البلاد. وبحسب الصحيفة، فإن نجاح حزب عمران خان، “أفضى إلى قلب قواعد اللعبة السياسية السائدة في باكستان منذ عقود، والقائمة على دور شبه مطلق للجيش، وخصوصاً لناحية توجيه دفة سياسات الحكومات المتعاقبة من خلف الستار، أو لناحية تزكية وصول القادة المدنيين إلى السلطة، وخلعهم منها”. وخلصت الصحيفة الأمريكية إلى القول إن نتائج الانتخابات “أظهرت أن خان لا يزال يُعدُّ قوة سياسية لا يستهان بها في المشهد الباكستاني، على الرغم من تنحيته وسجنه”. بدورها رأت صحيفة “واشنطن بوست” أن نتائج الانتخابات الباكستانية تجاوزت كل التوقعات. مشيرة إلى أنها حملت دلالات على “استمرار الدعم الشعبي لحركة إنصاف، التي جرى تهميشها سياسياً من قبل المؤسسة الباكستانية”.

خاتمة

انتهت الانتخابات البرلمانية الباكستانية بإعادة تأكيد الحضور السياسي والشعبي لرئيس الوزراء السابق عمران خان، وهي نتيجة لن ترضي حتماً حلف المتآمرين على تحجيمه وإقصائه، ومعنى ذلك عملياً أن حالة اللا استقرار السياسي التي تعانيها البلاد منذ الانقلاب على خان متواصلة وقد تشهد المزيد من التأزم.