إعرف عدوك

إنجازات عسكرية مقابل فشل استراتيجي

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

بعد مرور حوالي أربعة أشهر على “السبت الأسود”، تخوض إسرائيل قتالاً متعدد الساحات، حيث أظهر الجيش الإسرائيلي والقوات الأمنية قدرات مثيرة للإعجاب. من دون سياسات “لليوم التالي”، يمكن أن تتآكل الإنجازات العسكرية التي تحققت حتى الآن.

قد تمتد الحرب في غزة أشهراً طويلة، حيث قد تجد إسرائيل في غياب خطة خروج نفسها عالقة في فراغ قد يؤدي إلى احتلال مباشر طويل الأمد. يتعلق الأمر بعبء ثقيل متعدد الأبعاد – سياسي وعسكري واقتصادي. سوف يتم جذب الجيش الإسرائيلي إلى الاهتمام بالسكان المحليين، وسوف تتضرر مكانة إسرائيل الدولية، وسوف تتقوض العلاقات مع الدول العربية، وسيكون العبء الاقتصادي صعباً للغاية. علاوة على ذلك، فإن الأفكار حول نقل السكان وإعادة بناء المستوطنات يمكن أن تستخدم كذخيرة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي.

نجح نصر الله في تأسيس صلة مباشرة بين استمرار الحرب في غزة والهجمات على مستوطنات الشمال ومنشآت الجيش الإسرائيلي، في وقت لا يزال فيه عشرات الآلاف من سكان الشمال نازحين ولا يوجد توقع لعودتهم إلى منازلهم.

الضفة الغربية مستمرة في كونها منطقة تغلي على وشكل أن تنفجر. الإجراءات التي بشّر بها وزراء في الحكومة عن إضعاف السلطة، وحرمان قطاع عريض من العمال من الإمكانات المعيشية، وغياب الأفق السياسي، قد تجر إسرائيل إلى تورط أعمق. وذلك على الرغم من النشاطات المكثفة للجيش الاسرائيلي والشاباك لإحباط هجمات ارهابية.

إيران نجحت في وضع نفسها كدولة عتبة نووية، وتواصل تطوير قدراتها الصاروخية بعيدة المدى وطائراتها الهجومية بدون طيار. وفي الوقت نفسه، برز تزايد في حجم النشاطات العنيفة للميليشيات الموالية لإيران في جميع أنحاء الشرق الاوسط، بما في ذلك ضد القوات الأمريكية، دون رد مناسب في هذه المرحلة. وذلك بشكل قد يعزز الثقة من جانبهم لمواصلة النشاطات الهجومية.

على الساحة السياسية، تتسع التصدعات بين اسرائيل والولايات المتحدة. وفي صلب الموضوع فرصة تأسيس تحالف إقليمي بين إسرائيل والدول العربية بقيادة الولايات المتحدة. وهذا يعتمد إلى حد كبير على موافقة إسرائيل أو رفضها السماح للسلطة الفلسطينية “المتجددة” بموطئ قدم. وكلما مر الوقت دون تشكيل المحور بقيادة الولايات المتحدة، كلما أصبح المحور الإيراني أقوى وستتضرر إسرائيل من قوتها الاستراتيجية الشاملة. في المقابل، هناك أدلة على التنسيق الأمريكي البريطاني في ممارسة الضغوط على إسرائيل. ووفقا لمعلومات في وسائل اعلام أجنبية، وزير الخارجية الأمريكية بلينكن بدأ في فحص إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية كجزءٍ من رؤية الرئيس بايدن للاعتراف بدولة فلسطينية. يبدو، أن الاثنين مستعدان للنظر في الدفع قدماً بخيارات متطرفة من “فوق رأس” نتنياهو إذا أصر على رفضه الاندماج في مبادرة بايدن.

لقد أعطت قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي دعماً ضمنياً لنشاطات الجيش الإسرائيلي في غزة. لكنهم في المقابل أخرجوا بطاقة صفراء لإسرائيل لتجنب خطوات احتلال مباشر ما قد يضعها على مسار الصراع على الساحة الدولية. ومن المهم الإشارة إلى أن المحكمة تواصل التعامل مع هذه القضية وقد تصدر قرارات صعبة تخضع لسلوك إسرائيل وتصريحات كبار مسؤوليها.

في المقابل، برز ضرر في منظومة العلاقات الاستراتيجية مع دول السلام والتطبيع، وبشكل خاص مع مصر. الأفكار التي تصدر من إسرائيل عن نقل سكان وإعادة الاستيطان إلى غزة، قد يسبب أضرار أمنية مهمة بالعلاقات الثنائية. إضافة الى ذلك، الدول العربية بدأت بالفعل الانخراط في تنسيق استراتيجي للواقع في غزة “في اليوم التالي” في مواجهة رفض إسرائيل مناقشة الموضوع.

على الساحة الداخلية، أكثر من 150 ألف من سكان إسرائيل في الجنوب والشمال لا زالوا مهجرين من منازلهم، من دون توقع لإعادتهم. رئيس الوزراء لا يكبح التحريض ونظريات المؤامرة ضد رؤساء المؤسسة الأمنية. ولا تعكس الموازنة الجديدة للدولة الاحتياجات الحقيقية للاقتصاد والمجتمع وضرورة تغيير الأولويات الوطنية، مع تخصيص الموارد على أساس وطني وليس قطاعي.

يتعين على رئيس الوزراء أن يختار بين السياسة الضيقة التي تضر بالأمن القومي لدولة إسرائيل وبين الإستراتيجية الواسعة التي قد تعيد البلاد إلى طريق القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية.

يجب على الحكومة أن تضع عودة المختطفين أحياء على رأس أولوياتها، لأن حياتهم في خطر متزايد. وهذا واجبنا الوطني والأخلاقي تجاههم، بعد أن تخلت الدولة عنهم مرة واحدة.

أمام دولة إسرائيل فرصة تاريخية للاندماج في العمليات الإقليمية التي تقودها الإدارة الأمريكية، وتدعمها دول معسكر السلام العربي. مثل هذا الاندماج سيسمح ببناء محور استراتيجي أمريكي – إسرائيلي – عربي في مواجهة المحور الإيراني، وسيمنح إسرائيل مجالاً للتحرك لتغيير الواقع الأمني في الشمال. وهذا إلى جانب شرعية استمرار إسرائيل في نشاطها العسكري للقضاء على حماس. كما سيمكن ذلك من تعزيز التعاون مع مصر في مجال البنية التحتية للتعامل مع التهريب عبر محور فيلادلفيا، وسيعزز العمق الاستراتيجي للأردن. ووفقاً لذلك، يوصى بأن تعمل الحكومة على تطوير حوار مع الإدارة الأمريكية حول الإصلاحات المطلوبة في السلطة الفلسطينية “المتجددة”. هذا، مع العلم أن هذا سيكون السبيل الوحيد لدفع المجتمع الدولي والدول العربية إلى الاندماج في جهود إعادة إعمار غزة كمفتاح لتوفير الرد على المحور الإيراني.

مقابل حزب الله، يجب على إسرائيل أن تعطي أولوية لتسوية سياسية، ولو مؤقتة، برعاية الولايات المتحدة، ما سيمكنها للتخطيط بأفضل شكل للمواجهة مع حزب الله. ولهذا، يتعين عليها أن تعمل على مستويين في وقت واحد. من ناحية تحسين جاهزية الجبهة الداخلية وإعداد السكان. يتعلق الأمر، من بين جملة أمور، بتأهيل الملاجئ والغرف المحصنة وبغلاف دفاعي الأمثل للمنشآت الأساسية، وفي الوقت نفسه ضمان التنسيق والتعاون السياسي والعسكري الكامل مع الحكومة الأمريكية.

في الضفة الغربية، على ضوء الخطر من انهيار السلطة والتصعيد الواسع، يجب على إسرائيل تجنب إضعافها، من بين جملة أمور، بواسطة نقل أموال الضراب المقتطعة والسماح بدخول العمال بطريقة محسوبة ومراقبة. وذلك على أساس أن الغالبية العظمى من الهجمات في الماضي نفذها مقيمون غير شرعيين وإرهابيون، وليس أولئك الذين تم فحص دخولهم والموافقة عليه.

 الرسالة الأساسية، على وجه التحديد، في ضوء القتال المثير للإعجاب الذي يخوضه الجيش الإسرائيلي في غزة، مطلوب من رئيس الوزراء أن يقرر ما إذا كان سيختار استراتيجية التحالفات الإقليمية، وإعادة إعمار غزة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة. وذلك مقابل الحفاظ على حكمه بواسطة دعم مباشر أو غير مباشر لتوصيات “سياسية” مثل ترحيل سكان غزة، الأمر الذي قد يضع إسرائيل موضوع ضعف كبير. حان الوقت لاتخاذ قرارات شجاعة.

معهد السياسات والاستراتيجية في جامعة رايخمن – كتب من قبل طاقم المعهد برئاسة اللواء في الاحتياط عاموس غلعاد