توضَّأَ القلبُ بنميرهِ.. وصلَّى الغُفَيلةَ وأقامَ عندَ سردابِ غيبَتِهِ
بقلم: غسان عبد الله
بابُ الضوءِ الضامرِ خلف روعَتِهِ
ووهَجُ الشوقِ الكامنِ فوق رعشاتِ انتظاري..
وأنا خلف باب الغيبِ أطرُقُ شجني..
فيتجلَّى ملاكُ الأُنسِ من طيبِ طلعَتِهِ..
خلفَ باب الضوءِ الخارجِ من رَحِمِ شعبانَ
أقِفُ أنتظرُ ولوجَ دارةِ الأفراحِ بطلَّتهِ..
هل تُراني أُسرِفُ في الصبابةِ.. إن ذرفَ الشوقُ ماءَ وضوءٍ.. وتوضَّأَ القلبُ بنميرهِ..
وصلَّى الغُفَيلةَ وأقامَ عندَ سردابِ غيبَتِهِ..
أَطْرُقُ بابَ الضوءِ وأُغْمِضُ عَيْنيَّ وأفتحُ أجنحةَ الصلواتِ إليكَ
أدقُّ.. أدقُّ.. أدقُّ وخلفي في فلواتِ الكرْمِ
طيورُ الليلِ تدقُّ ظلالي.. وأدقُّ..
أدقُّ على الطاعنةِ الرقةِ في أعماقي.. فأرقُّ
يا عطرَ الصلاةِ الناعمَ خبِّئْني
فأنا آتيكَ رعافاً.. مسّدني من زيتكَ.. غمِّسْني عطرَكَ..
اغمدني في خُضْرَتِكَ السامقةِ الأحلامِ
اعصرني من حزني وافتحْ لي من بابكَ نوراً وتلَقَّ جميعَ جراحاتي..
أطرُقُ بابَ العمرِ وأغمِسُ في زاويةِ الزَّهرِ جناحي
هل أغمسُ في الماءِ دفاترَ شوقي وأبلُّ بطيبِ النعناع أشجاني؟!
أطرقُ بابَ الوجدِ بأنفاسي
ينفتح البابُ على زِنْدَيْ أَلَقٍ.. أعبر أشجانَ الوقتِ بسنبلتينْ..
هل ذاق البابُ رحيقَ انتظاري؟!
هل ضاءَ البابُ لمقدم غيماتي؟!
هل ماجتْ ذكراهُ فآبَ إلى رونقهِ؟..
وإلى أغصانِ نقاوتِهِ.. وإلى بستانِ وداعتِهِ؟!
هل حنَّ القلبُ، وفكَّ عليه مصراعَيْ تحنانٍ وتسربَلَ بالنسماتِ
وأدخَلَ من بعضِ خلاياهُ شريداتِ الروحْ؟!
هل دَخَلَ الضوءُ إلى البابِ.. وهل خرجَ البابُ إلى غرَّتهِ
لمَّ ستائرَ حنطِتها.. وغفا في ظلِّ الخضرةِ أنساماً
ورأى في الحلمِ الشجريِّ حماماتٍ بيضاً.. وفراشاتٍ تقفز فوق أصابعهِ..
ورأى النهرَ رفيقاً يعبر ظلَّ سواعدهِ
يحمل كأسَ الأرضِ إليه كي يشربَ من يَنْبوعِ الحلم نبيذَ الغيمْ؟!!…
أطرقُ.. أطرقُ بابي.. فتفيقُ من الأهدابِ عيونٌ خضرٌ
وظلالٌ تشرَبُ من شِعرِ شرابي.. تتفتّح مثلَ بنفسجةٍ في زورقٍ أنسامٍ
وتهزّ غصونَ الضوءِ وأعبر في الليل بأنغامي..
أطرُقُ.. أطرقُ بابي.. فيؤوبُ إلى الأعماقِ وجيبُ العشقِ..
ونشيجٌ يهربُ من وقدِ شبابي.. يترونقُ مثل هبوبِ العطرِ..
وأكتبُ الصبرَ نهراً بوجداني..
أطرقُ بابَ الضوءِ وأغمضُ عينيَّ.. وأفتحُ أجنحةَ الصلواتِ..
أدقُّ.. أدقُّ.. أدقُّ.. وخلفي في فلواتِ العمرِ
طيورُ العشقِ تدقُّ القلبَ.. دقَّاً من الأشجانْ..
خلفي ستائرُ من شذا العمرِ.. فواصلُ.. دهرٌ من الأحزانْ.