إقليميات

الرّد السوري العراقي لمواجهة العقوبات والهيمنة الأمريكية

بقلم: توفيق المديني

أمريكا المدافعة عن حقوق الإنسان، وقيم الليبرالية، والنزعات الإنسانية، حسب خطابها السياسي والإعلامي، لم تحرك ساكناً إزاء الشعب السوري، بل إنَّ الإمبريالية الأمريكية لا تزال تطبق الحصار عليه بصرامة عن طريق” قانون قيصر”، وتحتل 25% من أراضي الجمهورية العربية السورية في المنطقة الشرقية، وتسرق النفط والغاز والقمح السوري ـوتمنع الدواء عن الشعب السوري.

إزاء هذا الوضع الكارثي، قامت الدولة الوطنية السورية بتطوير التبادل التجاري مع العراق، للتخفيف من تداعيات الحرب الاقتصادية التي تفرضها أمريكا على الشعب السوري منذ سنوات عديدة، وفي هذا السياق شهدت العلاقات التجارية بين سوريا والعراق تطوراً كبيراً، يكشف على ذلك حجم التبادل التجاري الذي وصل إلى رقم كبير، الأمر الذي جعل البلدان الجاران يسعيان إلى تبديل العملة المعتمدة في التجارة بينهما بعيدا عن العملة الصعبة.

التحرُّر من هيمنة الدولار في التبادل التجاري

وكشف رئيس مجلس الأعمال العراقي السوري، حسن الشيخ زيني، عن “تخطي حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا حاجز المليار دولار”، مشيرا إلى “وجود آليَّة لاعتماد عملات أخرى غير الدولار في هذا التبادل، وإلى أن اللجان المشتركة بين البلدين تود الابتعاد عن “الأخضر” الأمريكي”.

فقد بحثت اللجان المشتركة بين البلدين تبحث عن آلية للتبادل التجاري بعيداً عن الدولار، كون سوريا تتبادل في الوقت الحالي بالعملة الأوروبية (اليورو)”، بحسب صحيفة الصباح العراقية الرسمية. وهنالك منصات وعملات أخرى تتبادل بها سوريا مع البلدان الأخرى، وقد يستفيد منها العراق في حالة التجارة معها، خصوصاً مع وصول حجم التبادل بين البلدين إلى أكثر من مليار دولار سنوياً.

وتقترح سوريا، التي تعاني من عقوبات قانون قيصر الأمريكي، أن يستخدم البلدان في المرحلة المقبلة “الروبل الروسي أو الين الياباني أو اليوان الصيني أو الدرهم الإماراتي”، لاستدامة التبادل التجاري. كما دعا المسؤول الاقتصادي الشيخ زيني إلى “إنشاء مصارف للتبادلات التجارية لإمكانية ترك الدولار وعمل منصة أخرى بهذا الجانب”، موضّحا أن “التبادل يشمل الزراعة والصناعة والتجارة والنقل والجمارك وكل ما يتعلق بالغذاء والدواء”.

وأشار إلى أنَّ “استخدام العملات الأخرى في التبادل التجاري بين العراق وسوريا يكشف عن حاجة البلدين إلى بعضهما البعض، من خلال الاستفادة من المنتجات بمختلف أنواعها الصناعية والزراعية”.

وأوضح أنَّ “هناك لجاناً عراقية سورية مشتركة على أغلب الصعد كالزراعة والصناعة والتجارة والنقل والجمارك وكل ما يتعلق بالغذاء والدواء، وتشرف على طرق دخول البضائع وتسعى لتذليل الكثير من العقبات التي قد تعيق التجارة المشتركة بين البلدين”. وأعلن وزير التجارة العراقي، أثير داود الغريري، عن تشكيل لجان فنية بمجال الصحة والتعليم العالي والتجارة الخارجية، لافتاً إلى “وضع خطط وتفاهمات لتحقيق الطموح بشأن التبادل التجاري بين العراق وسوريا، كما كان في السابق، وبمستوى يليق بالبلدين”.

وفي تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية “واع” عن مخرجات الدورة 12 للجنة السورية – العراقية، قال الغريري إن اللجنة عُقدت “للتأكيد على خلق علاقات متوازية، أساسها التنمية المستدامة، والمصالح المشتركة”. وأضاف أن اللجنة “خرجت بمذكرات تخص الإعمار والإسكان، وكذلك الرعاية الاجتماعية، فضلاً عن مذكرات تفاهم في ما يخص التقييس والسيطرة النوعية وشهادات المطابقة”. وأكد الوزير العراقي أنَّ “السوق العراقية تفضل البضاعة والصناعة السورية، حيث كان لها ثقل كبير في السوق العراقية”، مشيراً إلى أن “العمل جارٍ لتذليل المعوقات والعقبات أمام زيادة التبادل التجاري بين البلدين”.

والأربعاء الماضي، أنهت “اللجنة المشتركة السورية العراقية” اجتماعها الـ 12، ووقع الجانبان على أربع مذكرات تفاهم وملحق بروتوكول للتعاون، تشمل المجالات التجارية والاستثمارية والصناعية والمالية والعلمية والثقافية والبنى التحتية والطاقة والشؤون الخارجية. وقال البيان الختامي للجنة إنَّ الاجتماعات “أثمرت عن وضع أطر جديدة للتعاون الاقتصادي، وترجمة المشاريع ذات الاهتمام المشترك إلى شكل ملموس، سيبدأ بالتنفيذ على أرض الواقع، لرفع مستوى التعاون والتنسيق بين الجانبين للوصول بها إلى مستوى الطموح”.

يعتقد الخبراء في المجال الاقتصادي أنَّ التطور الحاصل في مجال التبادل التجاري بين سوريا والعراق، ولجوء البلدين إلى عملة أخرى، يُعَدُّ تحولاً مهماً للتحرُّرِ من الهيمنة الأمريكية على مصدر القرار التجاري لهما، حيث تحارب الولايات المتحدة كل من سوريا والعراق بالدولار. وسوف يستفيد العراق من هكذا خطوة، في التخلص من تحكم واشنطن بالأموال العراقية بالبنك الفيدرالي الأمريكي، إذ يُعَدُّ هذا الإجراء مخرجاً لتجاوز هذه الأزمة وعدم الانصياع للأوامر الأمريكية. فالهدف الأساسي من هكذا توجه، هو الابتعاد عن هيمنة الدولار على مقدرات السوق العراقية، والإفساح في المجال لبيع صادرات النفط العراقية بغير عملة لمنع الولايات المتحدة من حصر الأموال في مصارفهم. ومن المعروف أنَّه منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، واحتلال العراق في سنة 2003، تتحكم الولايات المتحدة بالأموال العراقية المتأتية من الريع النفطي، بحجّة البند السابع، منذ غزو العراق للكويت في 2 اب 1990 إذ أصدر مجلس الأمن قراره ذو العدد 661 بعد أربعة أيام من الغزو، الذي تم استكماله لاحقا بالقرار 687 في نيسان 1991، وفرضت سلسلة من العقوبات على العراق تضمنت فرض قيود على التجارة الخارجية، والمعاملات المالية، ومبيعات الأسلحة، والرحلات الجوية، والواردات المختلفة.

مع صدور القرار 2621 الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في 22شياط/فبراير2022، طوى العراق صفحة مهمة في تاريخه السياسي المضطرب، بعد 32 عام من الإجراءات العقابية التي وضعته تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويمهد هذا القرار البلاد الآن الطريق لإنهاء تقييد وضعه السيادي في النظام الدولي وفقا لهذا الفصل. ويغلق تقريباً قرار مجلس الأمن، بالمعنى الحرفي والمجازي، فصلاً مؤلماً من تاريخ العراق. وقد تحقق مبدئيا ذلك من خلال التوصل إلى تفاهم مع الكويت حول كيفية تسوية جميع القضايا العالقة التي لا تزال تضعه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذْ كان العراق يخضع لعدد من العقوبات، بما في ذلك حظر الأسلحة وتجميد الأصول على الأفراد والكيانات.

علماً أنَّهُ من المفترض خروج العراق من هذه الوصاية لإكماله كافة الديون المترتبة عليه تجاه الكويت. وتهدف هذه الخطوة تهدف إلى التخلص من الدولار لأن الولايات المتحدة تفرض قيوداً مشددةً على تحركات الدولار، في محاولة منها لمنع وصوله إلى إيران وروسيا. السلطات الحاكمة في بغداد ليست متصادمة مع السياسة الأمريكية، وهي لا ترغب في قطع علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، لكنَّ الحكومة الحالية برئاسة السوداني، تعمل على بناء علاقات ثنائية في الخفاء كي لا تثير غضب فصائل المقاومة الإسلامية العراقية المسلحة الموالية لإيران، التي تمتلك صوتا عاليا في الحكومة ببغداد.

المطالبة بالانسحاب الأمريكي من العراق

في ضوء حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من أجل تحقيق هدفها المعلن ألا وهو تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء، وتصفية حركة حماس، كثفت فصائل المقاومة العراقية من ضرباتها العسكرية ضد القواعد الأمريكية المنتشرة في العراق وسوريا والأردن، ونفذت أكثر من 180 هجوم، تراجع حجم التجارة البرية بين سوريا والعراق بفعل الحرب الأمريكية التي تخوضها إدارة بايدن ضد محور المقاومة لا سيما بعد الهجوم على القاعدة الأمريكية في الأردن، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في أواخر كانون الثاني/يناير2024.

وفي محاولة لتهدئة التصعيد مع طهران وتجنب التعقيدات الدبلوماسية مع بغداد، نفذت الولايات المتحدة عدواناً في 2 شباط/ فبراير2024، استهدفت من خلاله ضرب 85 هدفا في العراق وسوريا، بما في ذلك قاعدتان لفصائل المقاومة العراقية في محافظة الأنبار العراقية، وفي 5 شباط/ فبراير اغتالت قائداً كبيراً في كتائب حزب الله – المجموعة المسؤولة عن الهجوم الأردني – في وسط مدينة بغداد باستخدام طائرة مسيرة.

وأثار العدوان الأمريكي ردَّ فعلٍ قوياً في العراق من الأصدقاء والأعداء على حدٍّ سواء. وكما كان متوقعاً، أدان قادة فصائل المقاومة والسلطات العراقية هذا العدوان الأمريكي. ووصف مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني “العمليات الأمريكية في 2 شباط/ فبراير بأنها “عمل عدواني ضد سيادة العراق”، ووصف جنود الحشد الشعبي الذين قتلتهم الولايات المتحدة لدورهم في مهاجمة القوات الأمريكية بأنَّهم شهداء”.

وفي الوقت نفسه، أصدرت الحكومة العراقية بياناً على موقع إكس (المعروف سابقاً باسم تويتر) اتهمت فيه القوات الأمريكية والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بـ “تعريض الأمن والاستقرار في العراق للخطر. وأعلن السوداني الشهر الماضي أن حكومته ستبدأ قريبا مفاوضات مع واشنطن لإنهاء وجود التحالف في العراق. بعد مرور عشرين عاماً على الغزو الأمريكي للعراق، حان الوقت لإدارة بايدن اتخاذ القرار للانسحاب العسكري من العراق وسوريا.

الخاتمة

إنَّ مواجهة حرب التجويع الأمريكية ضد الشعب السوري، تتطلب من الدولة الوطنية السورية، وضع خطة وطنية لتدعيم صمود الشعب، وتخفيف القيود عليه ودعم المقومات المعيشية اليومية لتعزيز مقومات وركائز الصمود، ومحاربة الاحتكار الذي تمارسه الطبقة الرأسمالية الطفيلية الجديدة والجشعة في استغلالها لواقع الشعب السوري، واعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي، والحفاظ على الخبرات الوطنية وتشكيل الجيش الاقتصادي في مواجهة الحصار والعقوبات المفروضة على الشعب السوري والعمل على فضح المرحلة الراهنة من سياسية التجويع والحصار الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية للرأي العام العالمي، وممارسة الضغط في المحافل الدولية من قبل الدول الصديقة على هذه السياسة الظالمة وأحادية الجانب، والإسراع في تفعيل الاتفاقيات وتوثيق عرى العلاقات الاقتصادية البينية والعمل على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الصديقة.

وتُعَدُّ سوريا سوقاً اقتصادية كبيرة وهي مرشحة لأن تكون أكبر سوق استهلاكي في المنطقة نظرا لموقعها الجغرافي المساعد وسهولة الوصول أليها والخروج منها نحو الدول والقارات كافة، إضافة لامتلاكها ثروة كبيرة من الغاز وهو السبب الرئيسي في كل ما يجري في سوريا سواء من الأنابيب المخطط لها أو من ناحية الإنتاج المحتمل. فقد أرتفع انتاج الغاز السوري وفقا” لتأكيدات وزير النفط والثروة المعدنية السوري علي غانم من 11 مليون متر مكعب يوميا” قبل الأزمة في العام 2011 إلى 31 مليون متر مكعب اليوم بحسب صحيفة الوطن السورية. وهنا نشير الى تأكيدات قامت بها السفينة الأمريكية نوتيلس وبمساعدة تركية في 17 اب 2010 عبر مسح جيولوجي تبين من خلاله أنّ واحدة من أكبر حقول الغاز يقع شرقي المتوسط ويقدر ب 23 تريليون قدم مكعب والجزء الأساسي يقع ضمن المياه الإقليمية السورية، ومن المتوقع أن يبلغ احتياطي الغاز السوري 28.5 تريليون متر مكعب ما بين الآبار البحرية والبرية ما يجعلها الثالثة عالمياً” بعد روسيا وإيران وهذه تقديرات مركز فيريل للدراسات.