هُدنة مُرتقبة ما قبل شهر “رمضان”!!…
بقلم: زينب عدنان زراقط
يظهر ميدان المواجهة حالياً مسرحاً للسباق بالعمليات العسكرية من الطرفين، الإسرائيلي من ناحية والمقاومة من جبهاتها الأُخرى، في تصعيدٍ تتخلله الطلقات التصعيدية الأخيرة ما قبل إعلان “الهدنة”، يتخلّلُها صفقة تبادُلٍ للأسرى، ضُمنَ مُهلةٍ مُحّددةٍ لإقرارها، قبل حلول “شهر الله” ويتفجّر غضب “الُقدس” في “الأقصى”..
لكن هذا الأمر لا يتماهى مع المصلحة الأمريكية التي اقتربت من استحقاقاتها الرئاسية، فهل تنجح الحِنكة الأمريكية – صانعة الحروب ومُبيدة البشر – في بروباغندا زيفها من إقرار صفقة الهدنة هذه بوساطات عربية مشروطةً بإعادة الإعمار وإدخال المُساعدات، خلال أيامٍ قِلّة قبل بدء شهر “رمضان”؟.
في مفهومٍ مُصاغ مُرادف لـ “وقف الحرب”، الذي وجده العدو مخرجاً له من مهانة اعترافه “بوقف إطلاق النار” وانتهاء الحرب وهو موضع “المهزوم” و”الخائف”، لتشذيب الصورة أمام الرأي العام وفي الداخل الإسرائيلي كي لا ينقلبوا عليها فور انعقاد الصفقة وإسقاطه عن كرسي الحُكم وزجّه بالسجن، كي تُمسي تِباعاً وقفاً لإطلاق النار وإعلان صريح بانتهاء الحرب بعد جولاتٍ مُتعاقبةٍ من مفاوضاتٍ ووساطات لا تُعتبر أكثر من مناورة تضليلية للرأي العام في دعايةٍ إسرائيلية أمريكية لدعم الحملة الانتخابية لـ “بايدن” مع اقتراب الانتخابات الأمريكية.. إذ يجهد الأمريكيون والوسطاء في محاولة إتمام اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق نار مؤقّت، قبل حلول شهر رمضان الذي لم يتبقَّ له سوى أيام معدودة على أصابع اليدّ، وخصوصاً أنهم يعتقدون أن استمرار القتال خلال شهر الصيام، إضافة إلى القيود المنوي فرضها على فلسطينيّي الضفة الغربية والداخل المحتل بخصوص الوصول إلى المسجد الأقصى، سيشكّل ثورة “يوم القُدس” لتصعيد كبير وشامل داخل فلسطين المحتلة بأكملها، وحتى في المنطقة، حيث عادةً ما شهد شهر “رمضان” خلال السنوات الماضية تصعيداً أمنياً واضحاً، فكيف والحرب الدموية مستمرّة على قطاع غزة؟.
مُناوشاتُ الهُدنةِ
اشتغلت الأوساط العربية والأمريكية في أرجاء “بُرج إيفل” لحلّ النزاع القائم في “غزة” كي تتوقف معها الحرب التضامُنية المُستعرةِ في جنوب لبنان أيضاً، في اجتماعٍ جرى في باريس الذي تقدّمَ بمُقترحٍ تضمّن إطاراً تفاوضياً جرى التوافق عليه بين المجتمعين، بمشاركة الوفد الإسرائيلي، والولايات المتحدة ومصر وقطر، في وقفٍ لإطلاق النّار في “غزة” ولكنه مصحوب بشروط مرتبطة بالمقترحات التي قدمها الجيش الاسرائيلي ومنها بقاء الجيش في شمال غزة ووضعها ضمن إطار “منطقة عازلة” – ما يُبقيها خالية من أي عمل عسكري للمقاومة وتكون عين العدو عليها – كذلك رفض عودة المدنيين، الأمر الذي بالطبع لم توافق عليه المقاومة، وردّت عليه مباشرةً حركة “حماس” بالرفض ما استدعى لأن تصطدم من جديد بعراقيل، محدّدةً شروطها ومطالبها للانخراط في صفقة تبادل أسرى، في هُدَنٍ “مُمتدّة” تؤدي في نهايتها إلى وقف كامل لإطلاق النار. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية مارست ضغوطاً شديدة على إسرائيل، وتحديداً على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، للدفع في اتجاه عقد الاجتماع، ومحاولة الوصول إلى صفقة خلال الأيام القليلة المقبلة، قبل حلول شهر الصيّام عند المُسلمين.
وعليه، لجأ الجيش الاسرائيلي لخطة أخرى وهي ورقة رفح حيث تؤكد استخبارات الجيش الإسرائيلي وجود قيادات حماس في هذه المدينة وأن ضربها بالنسبة له يُعد ضربة حاسمة وورقة ضغط على الحركة، إلاّ أنه زاد الطين بلّة، لأنهم يتلقون هزيمة تلو أخرى ما يزيد غضب واشنطن عليهم أكثر سواً، وبات الأمر من الواضح أنه مفروغٌ منه ولن تُحقّق إسرائيل – ولو جُزءاً – من أهدافها، ومسار الحرب أمسى من المُستحسن أن يمضي في طريقٍ مُغاير…
في وقتٍ وجد فيه القادة العسكريون الإسرائيليون أنفسهُم أنهم بلغوا نقطة ما بعد الذروة من الاقتتال دون أن يحققوا شيئاً من أهدافهم الرئيسية من القضاء على حركة “حماس” وتصفية قادة المقاومة الفلسطينية، حيث بدأت المؤشرات السلبية تتفشّى في صفوف جيش العدو، كالبطء في اندفاع قواته نحو أهدافها، بعد أن كانت حركتها سريعة وتجاوز المدة الزمنية الموضوعة لتحقيق الأهداف وتعذر تحقيقها على الرُغم من زيادة الدفع بالقدرات البشرية والمادية.
وتجري العادة أنه عندما يرى القادة العسكريون مثل هذه المؤشرات والقرائن؛ يبدؤون في مراجعة خططهم، وتفقّد قواتهم، وبحث إجراءاتهم، للوقوف على مكامن الخطأ أو التقصير التي أوصلت المعركة إلى “ذروتها” دون تحقيق أهدافها، شاخصة أبصارهم – القادة – نحو مبادرات سياسية، أو وقفات تعبوية، أو هدن إنسانية من أجل مراجعة الخطط والإجراءات، وترميم القدرات وسد الثغرات وإنعاش القوات، وهذا ما يبدو أن الأمور سوف تؤول إليه.
تفاصيل صفقة التبادُل
يوجد الآن تحدّيان مركزيان. الأول، هو تحدي وقف القتال، الذي في خطوته الأولى يُتداول على أنها فترة هُدنة تمتد لـ 45 يوماً والثاني هو عدد الأسرى الفلسطينيين الكبير الذين سيتم تحريرهم في صفقة كهذه بإطلاق سراح جميع النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، مقابل الإفراج عن 1500 أسير فلسطيني بينهم 500 أسير محدّد، وتلكمُ القضية الإشكالية بينهما، وهي أيضاً السبب في التأخير، هي قضية الأسرى الذين اشترطتهم “حماس” ضمن الصفقةِ، التي تشمل 40 حكم مؤبّد – من ضمنهم “نائل البرغوثي”، – عميد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي و”أقدم أسير في العالم” حسب موسوعة غينيس -، وأسرى سجن جلبوع الـ6، وتُطالب بتحريرهم، ومن غير المؤكد ما إذا كان الكيان والحكومة مستعدَيْن للموافقة على تحرير جماعي كهذا أو إلى ما سيتوصّل الأفرقاء من تسويات لمضيّ “الهُدنة”.
ختاماً، على الرغم من كل الدمار الّذي حلّ بالأرض والخسارة الكبيرة في الأرواح تميلُ كفّة القوة صوب المقاومة، لأنها حفظت قوة تماسُكها وترابُط موازينها العسكرية، أما بالنسبة للعدو المأزوم في استحقاقاته السياسية فهو على عجلٍ أكثر لإنهاء هذه الحرب لأنها أمست على شفا حُفرةٍ من نار. وبناءً عليه تتشّدّد “حماس” بمفاتيح المفاوضات المُتمثّلة بـ “الوقف المستدام لإطلاق النار وإنهاء أي تواجد عسكري للاحتلال في قطاع غزة وإدخال كل احتياجات الشعب الفلسطيني، مع الإعمار وإنهاء الحصار”، إلا أنّ رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو يُراوغ لأنه يُدرك أن الدَّرك الأسفلَ من النّار في قعر السجون بانتظاره بعد انقضاض شعبه وجيشه عليه وسوف يُساءل ويُحاكم، فهل تُنجيه أمريكا بحنكتها وتضمن بقاءه وتسير المفاوضات على ما يُرام ويمضي “شهر الرحمة” بسلام، ويكون أمناً وأماناً على أهل “غزة” و”رفح” وجنوب لُبنان…؟!.