آخر الكلام

نادِ لنصعدَ في جهاتِ الأرضِ

بقلم غسان عبد الله

وغَداةَ أوشكَ أن يصيرَ الرَّمْلُ نخلاً،‏ والتُّرابُ خُزامى‏

هذا الطَّريقُ المُشتهى‏ ماذا يُغني‏ حين تعبر قُبَّراتُ القَلْبِ‏ فوق رصيفهِ‏ سرباً من الغُزلانِ،‏

والأحلامُ تعبرُ فوقهنَّ غماما!!؟‏

هذا المساءُ لنا،‏ وثرثرةُ القصائِدِ،‏ والمصابيحُ التي تعبت بأرصفةِ الشَّوارعِ،‏

كيف يكسرها أنينُ العاشقينَ.. تميلُ من خوفٍ عليهم مُقلةٌ حملت صبابتها إليهم

ثُمَّ ألقت‏ في المناديلِ العتيقةِ حُزْنَها‏ ومضت تُلَوِّحُ بالأكفِّ سلاما‏

كان المساءُ على شبابيكِ العُلَيَّا‏ بسمةً تمضي وأُخرى‏ تستحيلُ كلاما‏

واللَّيْلُ يحتضنُ القصائِدَ‏ في المصابيحِ المنيرةِ‏ حين تنثرها عصافيرُ السُّفوحِ شذاً،‏

ويُرجِعها وجيعُ الأغنياتِ يماما‏

أنا مولعٌ بكَ مويلايَ مُذْ سمعتُ الرِّيحَ تقرأ فيكَ بِدْءَ نُهوضِها،‏

والرَّملَ ينسجُ من عُيونِ الشَّمْسِ‏ نهراً من نخيلٍ،‏ والنَّخيلَ يصوغُ من أَرَقِ الضِّفافِ خياما‏

أنا مولعٌ بأصابعِ الأنهارِ‏ تقطفُ من سماءِ الرُّوحِ أَنْجُمَها،‏

وتتركُ فوق قُبَّةِ ذلك الفَلَكِ البعيدِ‏ غناءها أرقاً ينوءُ بهِ الصَّدى،‏ ورُكاما.‏

أنا مُولعٌ بكَ.. ذلك الوجهُ المُسَيَّجُ بالنَّدى،‏

وجبينُكَ القمحيُّ يُوشكُ‏ أن يقومَ من السَّنابلِ

مثلما‏ تُلقي عباءَةَ صُبْحِها فوق المدى‏ شَمْسُ الصَّباحِ هُنا‏ خُيوطاً من ذهب‏

فإذا بها‏ إِذْ تستفزُّ الرَّمْلَ ينهضُ‏ من بدايتهِ القديمةِ في الحِقَبْ‏

ليقولَ: إِنَّ الأَصْلَ في هذي الجُذورِ‏ دمٌ توضأ باللَّهب‏

ولعلَّ شبراً من تُرابٍ‏ عَبْرَ هذا الامتدادِ الرَّحْبِ‏

يُوشكُ أن يكونَ‏ دَمَ الملايين التي‏ سقطت تُدافعُ عن كرامَتِها‏

وأُخرى.. في بناءِ المَجْدِ حَطَّمَتِ النُّوَبْ‏

ـ أتميلُ عني!!؟‏

ـ بل أميلُ إليكَ حُلْماً رائعاً وشبابا‏.. وهوىً يميلُ على الجداولِ‏ تستحيلُ سحابا‏

ـ أتميلُ عني!!؟‏

ـ بل أميلُ إليكَ نخلاً عاشقاً،‏ وتُرابا‏

ـ ماذا تُخبِّئُ في سِلالِ الوَرْدِ‏ يا قَمَرَ البلادِ!!؟‏

ـ أُخبِّئُ العِشْقَ المُدَمَّى جَمْرَةً‏ تجتاحُ أنهارَ الرَّمادِ حَماما‏

يُلقي إلى أُفقِ المآذنِ‏ ما يبوحُ بهِ الهديلُ،‏

فهل هو الصَّوْتُ الشَّجيُّ أَمِ الصَّدى‏ مِنْ رِقَّةِ التَّغريدِ‏ خَلَّفَ ضحكتينِ وغابا!!؟‏

ـ من أَنْتَ!!‏

ـ قلتُ: أنا اشتعالُ السَّفْحِ عُشباً‏

كُلَّما ألقى رذاذُ الماءِ‏ تَسبيحَ السَّواقي‏ فوق وجنتهِ البهيَّةِ‏

هَبَّ من غَفْوِ الزَّمانِ وقاما‏

ـ مَنْ أَنْتَ!!؟‏

ـ قلتُ: سلْ جراحَ القُدْسِ عني‏ طيرُ غُربتها أنا‏

ألقى بمكَّةَ قُبلةَ المُشتاقِ حُزْناً‏

فاستثار بطاحَ مكَّةَ‏ خافقاً وقبابا‏

ومضى مساءً مُتعباً‏ حَطَّ الجناحَ على النَّخيلِ وناما‏

وغَداةَ بثتهُ القصائِدُ حُزْنَها‏

ألقى إلى الصُّبْحِ الخُطى‏ مُشتاقةً تسعى إلى الوطن السَّليبِ،‏ وآبا.‏

أُلقي إليكَ هُمومَ عُمري‏ ثُمَّ أغفو‏ فوق صدركَ مِنْ تَعَبْ‏

وأُريحُ رأسي في السُّفوحِ قليلا‏..

فإذا طُيورُ الحُلْمِ تُوغلُ في دمي،‏ والجرحُ يُوشكُ أن يهلَّ صهيلا‏

وأنا أَمُرُّ إلى الكرامةِ‏ فوق جسرٍ من لهبْ

نادِ فما أبقى لنا‏ صمتُ المنافي‏ غَيْرَ جُرْحٍ يُستثارُ على غضبْ

وبقيَّة من ذلك الجمر المُؤَّجج في الصُّدورِ،‏ وفي العصبْ‏

نادِ لنصعدَ في جهاتِ الأرضِ‏ إِنَّ الخطوةَ الأُولى صُعوداً‏ في الجهاتِ‏ لمن غلبْ.‏