جرحُ الأكوانِ .. عليّ(ع)
بقلم غسان عبد الله
الضربةُ.. قطعت هدأة الفجر..
لم تمنحِ الأفقَ وقتاً ليجْمَعَ أشجاره.. فترامى المدى دامياً في العيونْ..
ولم تمنحِ الذاهبين إلى محرابهم.. صيامَهم.. فتداولَهُم الصمتُ والأسئلة..
غَبَشُ الضربةِ في اللحظةِ المُقفَلةْ.. إنها مُقبِلة.. إنها مُقبِلةْ..
قَطَعت هدأةَ الفجرِ.. لم تَمنحِ الأفقَ وقتاً ليجمعَ أشجارهُ من غيثِ يديه..
فترامى المدى دامياً في العيونْ..
عَبَرَتْ رأسهُ.. خرجَ الوردُ مشتعلاً بدمهِ..
وعليٌّ يسجُدُ.. يسجُدُ.. يسجدْ..
أيا فاطمةَ الطهرِ.. ها عليٌّ حمَّلَنا زُرْقَةَ البحرِ.. ووَهجَ إشراقِهِ..
آياتِ “هل أتى”.. وحين اعترى المحرابَ صوتُ الجلجلة..
ترَكت الزهورُ حدائقها.. والتحقتْ بدمه..
عليٌّ.. يدخُلُ اللحظةَ حالةَ الجرحِ.. ويسيلُ الدمُ حتى النهارْ..
يؤاخيه الحُلُمُ والمتعبونْ.. فيسعى إلى ظلِّهِ نبضُ البِذارْ..
تستوي المدائنُ طيَّ عباءته.. وفيه تحتمي الأسرارْ..
أبا ترابْ.. تتجمَّعُ الأكوانُ فيكَ.. وبهجةُ البِحارْ..
والعرفانُ.. هذا النهرُ المسافرُ في المدى والناسْ..
ها رأسُكَ.. شُجَّ ببغي أميَّةَ.. ها نورُكَ ينشِرُ آخرَ الأسرارْ..
عليٌّ.. يمسِّدُ جُرحَهُ بصرخة الفوزِ.. يهدهدُ جُرحنا فيه:
“ما كانت حقولُ الأرض خلفً الماء مملكتي.. وما كانت يديَّ وجهةً تمسِّدُ عرش قاتلي..
أنا للماءِ والإبحارِ في مدى محمد.. أنا أبو الترابِ طارَدني البقاءُ في دار الفناء..
فعدتُ إلى حوض محمد أشربُ من معين الله الماءَ والبقاءْ..
وأعودُ مرَّةً أخرى.. في كَبِدِ الحسن.. ونحر الحسين..
وعذاب الأئمةِ قبساً وهَّاجا.. أتجسَّدُ نغمةً في فم الصائمينَ..
أتفجَّرُ من معصراتِ المهديِّ من وُلدي.. ماءً ثجاجا“..
ها صفُّ الملائكةِ تهيَّأ..
أيها الوافدُ من عمق الرسالةِ.. كان بين جرحِكَ.. ورائحةِ الطفِّ يومٌ طويل..
وسيدَّةٌ للصبر اسمُها زينب.. زرَعتْ عُشبها في يديكَ فعُدتَ لها بالشجرْ..
كان بين خطاك ورائحةِ الولايةِ نخلةٌ من رُطَبِ مريم.. وقمرْ..
وتلك المسافةُ ما بين أُنشودةٍ ووترْ..
ستدخُلُ الفردوسَ من صحوة الأرض هذا المساءْ..
على كتفيكَ ليالي القدرِ.. وموجٌ من نسيجِ الجوشنْ..
وبين يديك رائحةٌ من مَعِينِ الكوثرْ..
أبا تراب..
سوف ترى الآن ضربتَهم ترتدي ثوبها المرتدَّ..
تشقُّ ائتلاف العصافير فيك.. تفضُّ يدَ الفقراء عن البذلِ إذ يرتديكْ..
وتتبعُ في الناسِ لونَكَ حيناُ فتقتلُهُ.. واخضرارَكَ حيناً فتُحرِقُهُ..
وترى الأرض ضدَّين.. لكنها ضربةٌ عَبَرَتْ.. فضَحَتْ وُجْهَةَ إبليسَ فيهم..
فاجتَمعوا هناكْ.. وهنا.. وفي كلِّ مكانْ.. هنا الناسُ ضدَّانِ.. لونانْ..
عليٌّ.. هذي يداكَ ودموعُنا.. هل تلمحِ الفرقَ بينهما؟..
أبا ترابْ.. الليلةَ.. توحَّدَ كلُّ الشهداءِ بظلِّكَ الأمانْ..
يصرخونَ: أبا ترابٍ جُرحُكَ وَجَعُ الأنبياءِ وجرحُ الأكوانْ.